الدول العربية, إنفوغرافيك

تركمان العراق.. من تهميش واضطهاد إلى مصير مجهول (إطار - انفوغرافيك)

Basher AL-Bayati  | 03.11.2016 - محدث : 03.11.2016
تركمان العراق.. من تهميش واضطهاد إلى مصير مجهول (إطار - انفوغرافيك)

Ankara

إسطنبول/ بشار البياتي/ الأناضول

يواجه تركمان العراق في الوقت الراهن أصعب مرحلة من تاريخهم المعاصر، فبعد اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي في صيف 2014 لأغلب مدنهم، وبلداتهم، وقراهم شمال العراق وشرقه، وتحول مناطقهم إلى منطقة صراع نفوذ بين قوى داخلية وإقليمية، تأتي كل هذه المستجدات لتضاف إلى عقود من سياسات الاضطهاد والصهر القومي الذي مورس بحقهم إبان الأنظمة العراقية السابقة.

وفي ظل التطورات الجارية بالعراق، وخصوصاً مع بدء عملية تحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش، وتحذيرات قوى تركمانية وعراقية وإقليمية من إمكانية حدوث "انتهاكات وتجاوزات" خطيرة بحق أبناء المكون التركماني في محافظة نينوى وخصوصاً مدينة تلعفر الاستراتيجية.

كل هذه المستجدات تستوجب تسليط الضوء على تركمان العراق، الذين يعتبرون الجسر الواصل بين العراق ودول العالم التركي مثل تركيا، وأذربيجان، ودول أسيا الوسطى، ليتسنى للقارئ العربي التعرف على هوية، وهموم، ومعاناة هذا المكون.

من هم تركمان العراق

التركمان أو أتراك العراق، هم ثالث أكبر قومية في العراق بعد العرب والأكراد، يعيشون في بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) منذ أكثر من ألف عام، وتشير المصادر التاريخية أن وجود التركمان في أرض العراق، جاء مع الفتح العربي الإسلامي للعراق، وكان أول دخولهم العراق سنة 54 هجرية، إلا أن بعض المصادر الأخرى ترجع وجودهم إلى أقدم من هذا التاريخ بكثير.

أسس التركمان في بلاد مابين النهرين ، العديد من الدول والإمارات، أهمها دولة سلاجقة العراق، وأتابكية الموصل، وأتابكية أربيل، والقبجاق في كركوك، والدولتين أق قويونلو (الخروف الأبيض) وقره قويونلو (الخروف الأسود).

وكان للتركمان أثر بالغ في تاريخ الدولة العباسية، برز منهم العديد من القادة العسكرين، والأمراء، كما أسهموا في رفد الثقافة والأدب التركي والعربي بالعديد من الإنجازات، ومن أهم الشخصيات التركمانية، الشاعر الكبير فضولي البغدادي، وعبد الوهاب البياتي، ومصطفى جواد، وغيرهم.

وأسهم التركمان في قيام ثورة العشرين وخصوصاً مدينة تلعفر التي كانت لها دوراً بارزاً في مقاومة الاحتلال الإنكليزي عام 1920، وكما أسهم جنرالات وضباط تركمان في تأسيس الجيش العراقي.

يتحدث أغلب التركمان في العراق اللهجة التركمانية وهي إحدى اللهجات التركية، والفرق بينها وبين التركية الإسطنبولية، كالفرق بين اللهجة العربية العراقية، والسورية. كما أن هناك عدد كبير من التركمان يتحدثون العربية ولا يجيدون التركمانية بحكم سكنهم في المناطق العربية، كالعاصمة بغداد، وبعض المناطق في وسط وجنوب البلاد.

المناطق التي يقطنها التركمان في العراق

يقطن التركمان في منطقة "توركمن إيلي"، وهي على شكل خط فاصل بين المنطقة الكردية في أقصى شمال العراق، والمناطق العربية في الوسط والجنوب، مروراً بمحافظة "نينوى"، ومدينة أربيل التي تعتبر من أقدم مراكز الاستيطان للتركمان، وكركوك مدينتهم التاريخية، وفي طوزخورماتو، وآمرلي، وينكجة، سليمان بيك وقرى البيات في محافظة صلاح الدين، وقضائي كفري، وخانقين، ونواحي قره تبه، وجلولاء (قره غان)، والسعدية (قزلرباط)، ومندلي، وقزانية، والمنصورية بمحافظة ديالى، وفي محافظة الكوت، إلى جانب وجود عدد كبير من التركمان في العاصمة بغداد.

وتمتد منطقة "توركمن إيلي" على خط جغرافي منحنٍ يبدأ من مدينة تلعفر على الحدود العراقية السورية، وينتهي إلى مدينة مندلي عند الحدود العراقية الإيرانية، حيث تمر بالمحافظات المذكورة أعلاه.


عدد السكان التركمان

ظل عدد التركمان سراً من الأسرار، وفي طي الكتمان لدى السلطات في العراق، حيث دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة على إظهار عدد التركمان بنسبة ثابتة لا تتغير وهي 2% التي لا تمت إلى الواقع بصلة، بحسب كثير من المتابعين، ومورس بحقهم عمليات صهر قومي، وسياسة تعريب واضطهاد ممنهجة، حيث أدت تلك الضغوط والممارسات إلى تعريب مئات الآلاف منهم، إلا أن الكثيرين منهم لازالوا يحافظون على لغتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم.

تشير التقديرات غير الرسيمة، أن عدد التركمان في العراق يتجاوز المليونين ونصف المليون، في حين تُقدر مصادر تركمانية عددهم بنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون ، ولا توجد احصائية محايدة عن عددهم في العراق، كما هو حال مع باقي القوميات والأديان في البلاد.

تدين الغالبية العظمى من التركمان بالدين الإسلامي، حيث ينتمون إلى المذهبين السُني والشيعي، مناصفة بحسب مصادر تركمانية، إذ يوجد في العشيرة الواحدة، وأحياناً في الأسرة الواحدة أفراد من كلا المذهبين، كما أن هناك بضعة آلاف من التركمان المسيحيين يقطنون في كركوك.

يحظى تركمان العراق بنسبة عالية من المتعلمين، فمنهم الآلاف من الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والمعلمين والإداريين، والضباط، والأكاديميين، فهم يهتمون بتعليم أبنائهم وبناتهم، وضرورة إكمالهم الدراسة الجامعية.

معاناة التركمان في العراق

تعرض التركمان إلى العديد من المجازر على مر التاريخ كان أهمها مجزرة كركوك عام 1924 علي يد القوات البريطانية، ومجزرة "كاورباغي" سنة 1946، خلال إضراب عمالي عام لمنتسبي شركة نفط العراق في كركوك، ومجزرة كركوك 1959 على يد الشيوعيين، ومجرزة "ألتون كوبري" سنة 1991 على يد نظام صدام حسين.

مورست سياسة تعريب ممنهجة من قبل الحكومات المتعاقبة، كان أشدها في زمن نظام البعث، حيث طُبق بحقهم سياسة "تصحيح القومية"، التي أجبر على إثرها الكثير من التركمان على تغير قوميتهم إلى العربية، وأقدمت السلطات العراقية على تغيير الواقع السكاني للمناطق التركمانية، وتغيير وحداتها الإدارية، واستبدال أسماء المدن والبلدات، والقرى، والأحياء من أسمائها التركمانية الأصلية إلى أسماء عربية، ذات دلالات بعثية.

كما صادرت الحكومة آلاف الدونمات من أراضيهم ووزعتها على العوائل العربية التي جلبت من الجنوب بهدف التعريب، وأيضاً استملاك أراضيهم، أو مصادرتها باسم قانون الاصلاح الزراعي.

وبعد 2003 (سقوط نظام صدام حسين) تعرض التركمان إلى الإقصاء والتهميش، واستبعدوا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والقوى السياسية العراقية الأخرى، عن إدارة الدولة العراقية، وتم إضعاف دورهم في العميلة السياسية، وتعرضت المناطق التركمانية إلى تغيير ديمغرافي جديد، بحجة إعادة المرحلين.

التركمان بعد اجتياح داعش


بعد سقوط النظام في 2003 شنت خلايا تابعة لتنظيم القاعدة، وأخرى لتنظيم داعش، ولغاية 10 حزيران 2014، سلسلة هجمات دامية استهدفت المناطق التركمانية بشكل خاص، حيث سقط آلاف الضحايا من أبناء المكون التركماني بين قتيل وجريح.

واستخدمت التنظيمات الإرهابية، إنتحاريين، وسيارات وشاحنات محملة بالمتفجرات، كتلك التي وقعت في مدن آمرلي، وتازة خورماتو، وقزلرباط، و تلعفر، وكركوك، وشهد قضاء طوزخوماتو أعنف الهجمات بشكل شبه يومي، وتمكن تنظيم القاعدة في 2004 من زرع الفتنة الطائفية في مدينة تلعفر ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من أبناء المدينة.

وفي السنوات الأخيرة طالت عمليات الإغتيال عدداً من القادة والمسؤولين، والأطباء التركمان، في كركوك والموصل، وطوزخورماتو، إلى جانب عمليات خطف لأبناء المكون، لأخذ الفدية منهم، وأحياناً يتم قتل المخطوفين وإلقائهم جثثهم على جانب الطرقات، دون أن تتمكن السلطات العراقية من تحديد هوية تلك الجهات، ووقفها.

بعد الانسحاب المفاجئ للجيش العراقي في 10 حزيران/ يونيو 2014 من الموصل، أمام هجوم تنظيم داعش الإرهابي، نزح مئات الآلاف من التركمان إلى مناطق أخرى في شمال العراق وجنوبه وإلى العاصمة بغداد.

وواصل التنظيم هجومه على المدن والبلدات والقرى التركمانية، حيث تشرد سكانها في محافظات مختلفة. ومن أهم المدن التي يقطنها التركمان وسيطر عليها داعش، هي الموصل، وتلعفر والعياضية، والرشيدية، وقرة قوين، والسلامية، والمحلبية، بمحافظة نينوى (شمال) وجلولاء، والسعدية، ومنصورية الجبل في محافظة ديالى (شمال شرق)، وينكجه، وقرى البيات في محافظة صلاح الدين (وسط) وفي محافظة كركوك احتل التنظيم بلدة بشير واستخدم السلاح الكيمياوي ضد التركمان في ناحية تازة خورماتو جنوب كركوك (شمال)، واختطف التنظيم العشرات من النساء والرجال من أبناء المكون التركماني، حيث لازالوا في قبضة التنظيم لا يُعرف مصيرهم.

مطالبهم

يطالب التركمان في العراق، بالحصول على كامل حقوقهم المهضومة منذ عقود، وضرورة مشاركتهم في إدارة الدولة العراقية، وتسلمهم مناصب سيادية، وضرورة ممارسة حقوقهم، الإدارية، والسياسية، والثقافية، والتعليمية، وإزالة الغبن والتهميش، وآثار سياسات التعريب التي مورست بحقهم، واستعادة أراضيهم، وتعليم أبنائهم بلغتهم الأم، وتحويل أقضيتهم الكبيرة مثل تلعفر وطوزخورماتو وخانقين إلى محافظات، وعدم تكرار التجاوزات على أراضيهم وممتلكاتهم وتاريخهم العريق في بلاد وادي الرافدين، وتغيير مفردات كتب التاريخ في مناهج الدراسة التي تعتبر دولهم عبر التاريخ احتلال.

ويخشى التركمان، كما الكثيرون من المثقفين العراقيين، من زوال هذه القومية العريقة التي تعد أحد مكونات فسيفساء المجتمع العراقي الغني بتنوعه الأثني، والديني، والمذهبي النابع من احتضان وادي الرافدين لأقدم الحضارات في العالم، الأمر الذي سيفقد البلاد أحد أهم ألوان طيفه المجتمعي.

-------------------------------------------------------------------------

المصادر:

أرشد الهرمزي، حقيقة الوجود التركماني في العراق، اصدارات وقف كركوك،2005 أنقرة.

نجات كوثر أوغلو، معجم المواقع العراقية بأسماء تركمانية، مؤسسة وقف كركوك، 2014، كركوك.

نصرت مردان، الصحافة التركمانية في العراق بين قرنين 1911- 2006، مؤسسة وقف كركوك، 2010.

----------------------------------------------------------------------

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.