الدول العربية, أخبار تحليلية

أزمة إدلب وما وراءها من حسابات خفية (مقال)

البروفيسور جنكيز طومار أستاذ قسم العلاقات الدولية في جامعة يالوفا وخبير في العلاقات الدولية والتاريخ السياسي للشرق الأوسط

20.08.2017 - محدث : 20.08.2017
أزمة إدلب وما وراءها من حسابات خفية (مقال)

Istanbul

إسطنبول/ الأناضول

عقب سيطرة النظام السوري على مدينة حلب الشمالية، باتت إدلب، المتاخمة للحدود التركية، القلعة التي تتحصّن فيها المعارضة، والنقطة المحورية في المعادلتين، العسكرية والسياسية.

وتتميّز محافظة إدلب بموقعها الجغرافي الهام، فتحدّها من الشمال ولاية هطاي التركية ومدينة عفرين السورية، الخاضعة لسيطرة عناصر تنظيم "ب ي د" (الامتداد السوري لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية).

ومن الشرق، تجاورها محافظة حلب، وفي غربها تقع محافظة اللاذقية، المطلة على البحر المتوسط، والتي تعتبر قلعة النظام السوري.

وبهذه المعطيات، كانت إدلب نقطة استراتيجية حيوية، على مدار سنوات الحرب الست، وستكون كذلك مستقبلا، سلما أو حربا.

وبالتزامن مع تطهير مناطق سورية وعراقية عدة، من تنظيم داعش، يبقى لافتا، سيطرة هيئة تحرير الشام ( تقودها فتح الشام/ النصرة سابقا)، بشكل مفاجئ، على القسم الشمالي لمدينة إدلب.

وبالنظر إلى أحدث خريطة رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية لسوريا، فإنّ الجميع يدرك أنّ سيطرة الهيئة على هذا القسم، لم يكن من قبيل الصدفة.

فهذه المنطقة رغم أهميتها، طوال سنوات الصراع، إلا أنها استحوذت على اهتمام أكبر، خلال العام الأخير.

وبالنظر إلى التقسيمات الإدارية لسوريا، فإنّ إدلب واحدة من المحافظات السورية الـ 14، وتتضمن مناطق مهمة، مثل معرة النعمان، حارم، جسر الشغور وأريحا.

ويغلب على سكان إدلب العرب السنة، وقليل من المسيحيين.

وتأتي أهمية إدلب بالنسبة لتركيا، من كون تنظيم "ب ي د" الإرهابي سيطر على كامل الحدود التركية السورية، باستثناء هذه المنطقة ومدينتي جرابلس والباب، بريف حلب، اللتين تمّ تحريرهما بفضل عملية درع الفرات.

وتشتهر القلعة الأخيرة للمعارضة السورية، بزراعة الزيتون، وتُنعت بـ"إدلب الخضراء"، كما تحتوي على العديد من الأماكن الأثرية، إذ كانت مهدا لحضارة إيبلا.

ومع موجة النزوح الأخيرة التي حصلت داخل سوريا، وعمليات إخلاء بعض المدن والمناطق المختلفة، بالاتفاق بين المعارضة والنظام، وصل عدد سكان محافظة إدلب إلى مليوني نسمة.

وكان الصراع بين النظام والمعارضة قد بدأ في 2011، قبل أن يشتد في فبراير/ شباط 2012.

وعاد النظام السوري لبسط سيطرته على كامل المحافظة، في مارس/ آذار 2012، لكن المعارضة استحوذت على المدينة، في مارس 2015.

ومنذ ذلك الحين، تخضع إدلب لسيطرة فصائل متنوعة من المعارضة السورية، من بينها هيئة تحرير الشام.

ولا يخفى على أحد أنّ احتقانا كان موجودا بين الفصائل في إدلب، بسبب رغبة الهيئة في إدارة شؤون المدينة، وفق تعاليم الشريعة.

وسبق وقوع صدامات مسلحة، بسبب هذه القضية، بين فصائل المعارضة والهيئة، التي سيطرت في النهاية، على مناطق واسعة من إدلب.

وبعد سيطرتها، تقدم الهيئة ذريعة للتدخل العسكري من قبل واشنطن، التي تنبهت بدورها، لإمكانية أن تتدخل تركيا عسكريا في منطقة عفرين أو محافظة إدلب.

وقد تسعى الإدارة الأمريكية لحملة جديدة، تمد الحزام الإرهابي، في شمال سوريا، إلى البحر المتوسط، وحماية حليفها الجديد، تنظيم "ب ي د"، بمنطقة عفرين.

بالإضافة إلى ذلك، تكون واشنطن، عبر هذه الحملة، قد حققت مكاسب مهمة، في شمال سوريا، على حساب منافستها روسيا.

من جهة أخرى، يعتبر تنظيم "ب ي د" أن سيطرة فصائل المعارضة السورية التي تؤيد تركيا على إدلب، وفرضها حصارا على عفرين، تهديدا لها.

ويحاول التنظيم، الذي يتوقع تدخلا عسكريا تركيا ضد عفرين في أي لحظة، ابتزاز واشنطن بأنه لن يستطيع الاستمرار في معركة استعادة الرقة من قبضة داعش، إن لم تتخذ التدابير لمنع التدخل التركي.

وبالطبع، يمكن لتركيا استخدام حقها المشروع في الدفاع عن نفسها، وتنفيذ حملة عسكرية ضد فرع تنظيم القاعدة في إدلب، بعد الاتفاق مع روسيا.

وما يعزز ذلك، أن موسكو لا ترى بأسا في استخدام ورقة تنظيم "ب ي د" عند الضرورة، تماما مثلما فعلت في عملية درع الفرات ضد تنظيم داعش.

ومؤكد أن هذا الخيار سيزعج كثيرا، تنظيم "ب ي د" والولايات المتحدة، وسيثير عاصفة انتقادات تزعم أن تركيا لا تقدم الدعم في الحرب على الإرهاب.

لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن هيئة تحرير الشام تمتلك قوة كبيرة في إدلب، وأن عملية من هذا النوع ستكون لها تبعات سياسية وعسكرية، وستستغرق فترة طويلة.

وبالتالي، فإن الخيار الثاني أمام تركيا، يتمثل بدعم فصائل المعارضة التي تحظى بتأييدها لاستعادة إدلب مجددا.

لكن هذا الوضع قد يمهد الطريق أيضا، أمام دعم أجهزة استخبارات الدول، التي تتضارب مصالحها مع تركيا، لهيئة تحرير الشام.

عموما، إذا قررت واشنطن تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، واستخدام عناصر تنظيم "ب ي د" كقوة برية على الأرض، فهذا يعني أنها تريد إنشاء حزام لهذا التنظيم، يصله بالبحر المتوسط.

والحال كذلك، ستتدخل تركيا، بأي من خياراتها، مهما كلفها ذلك من ثمن.

*** مقال للكاتب البروفيسور جنكيز طومار / مترجم بتصرف

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın