أفريقيا

سد النهضة الإثيوبي .. لا طير يطير ولا وحش يسير

بدأت الحكومة الإثيوبية إنشاء مشروع سد النهضة في 2 أبريل/نيسان 2011، على النيل الأزرق(أحد روافد نهر النيل)، بمدينة "قوبا" بإقليم (بني شنقول- جمز)، على الحدود الإثيوبية-السودانية، على بعد أكثر من 980 كيلومترا، من العاصمة "أديس أبابا"

26.08.2016 - محدث : 26.08.2016
سد النهضة الإثيوبي .. لا طير يطير ولا وحش يسير

Istanbul

أديس أبابا/ محمد أبو زهرة / الأناضول

كشف مصدر دبلوماسي إثيوبي رفيع المستوى للأناضول أن أديس أبابا اتخذت إجراءات أمنية استثنائية لحماية سد النهضة الذي تقوم بتشييده على نهر النيل، أمام أي تهديد قد يستهدفه.

وقال المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ"حساسية الموقف" - على حد تعبيره - إن منطقة سد النهضة أصبحت "فعليا منطقة عسكرية فُرضت فيها إجراءات أمنية غير مسبوقة؛ كما أن أجواء المنطقة فرض عليها أيضاً ما يشبه الحظر الجوي"، مشيراً إلى أن جميع تلك الإجراءات تأتي في إطار حماية المشروع الاستراتيجي بالنسبة لإثيوبيا من أي تهديد محتمل.

وأوضح المصدر نفسه أن المنطقة المحيطة بالسد والتي تمتد على مساحة قدرها حوالي 120 كيلومتراً مربعاً باتت منطقة عسكرية تخضع لإجراءات احترازية مشددة في الدخول أو الخروج منها، كما نُصبت فيها مضادات أرضية دفاعية، إضافة إلى مراقبة الأجواء بشكل كامل لتشكيل ما يشبه منطقة حظر الطيران فوقها دون إذن.

وتأتي هذه الإجراءات الاستثنائية، بحسب المصدر، في ظل مخاوف أديس أبابا من أي تحرك قد يُهدد السد أو يقوّض إنجاز "مشروعها الوطني الأكبر" الذي ينتظر ان يكتمل بناؤه في يونيو 2017.

وبدأت الحكومة الإثيوبية إنشاء مشروع سد النهضة في 2 أبريل/نيسان 2011، على النيل الأزرق(أحد روافد نهر النيل)، بمدينة "قوبا" بإقليم (بني شنقول- جمز)، على الحدود الإثيوبية-السودانية، على بعد أكثر من 980 كيلومترا، من العاصمة "أديس أبابا".

وفي مارس/آذار 2015، وقّعت مصر والسودان وإثيوبيا وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة في العاصمة السودانية الخرطوم، وتعني ضمنياً الموافقة على استكمال إجراءات بناء السد، مع إجراء دراسات فنية لحماية الحصص المائية من نهر النيل للدول الثلاث التي يمر بها.

وما يزال الهاجس الأمني حول مشروع بناء سد النهضة الذي تجاوز العمل فيه ما يقارب الـ70% يشغل بال أديس أبابا، رغم كل الاتفاقيات التي وُقعت بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا على مستوى الرؤساء، أو بين وزراء الري والكهرباء في تلك الدول عبر اجتماعات ولقاءات متعددة لم تنقطع بغية الوصول إلى ما يُرضي هذه الأطراف ويُبدد القلق والهواجس التي سببها قيام هذا السد العملاق على حصة كل من مصر والسودان من مياه النيل.

ورغم أن القاهرة لم تلوّح صراحة باللجوء إلى استخدام القوة في التعامل مع أزمة "سد النهضة" وأكدت على لسان كبار مسؤوليها اعتمادها "فقط" الطرق الدبلوماسية في حلها، إلا أن مراقبين يرون أن الجانب الإثيوبي يتحسّب لأي "مغامرة مصرية" قد تشمل استخدام القوة في معالجة الأمر، خاصة مع دعوات تطلقها بين الفينة والأخرى جهات إعلامية مصرية بضرورة شن ضربات جوية على سد النهضة كونه يمنع "شريان الحياة" (نهر النيل) أو مورد المياه الرئيسي عن البلاد.

من جانب آخر، قال مصدر دبلوماسي غربي للأناضول؛ إن واشنطن أرسلت رسائل تطمين لأديس أبابا بأن سلاح الجو المصري والذي يعد قوامه الأكبر طائرات من طراز (إف 16) الأمريكية لن يوجه أية ضربات محتملة لسد النهضة.

وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، كونه غير مكلّف بالإدلاء بتصريحات بهذا الخصوص، إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد يكون نقل إحدى تلك الرسائل لدى زيارته الأخيرة للمنطقة قبل أيام، دون أن يشير إلى مصدر المعلومات التي أوردها.

غير ان المصدر ذاته لفت في المقابل ان إثيوبيا قلقة من صفقة وقعتها مصر مؤخراً لشراء عدد من طائرات "رافال" الهجومية والتي تستطيع بلوغ الاجواء الإثيوبية دون توقف من فرنسا، وهو ما يرفع في تقدير المراقبين "درجة الحساسية" بين القاهرة وأديس أبابا، فيما تعاقدت إثيوبيا من جهتها على شراء منظومة دفاعات جوية مضادة للطيران من ذات المصدر(فرنسا) لحماية السد من أي مخاطر محتملة تهدده.

واتهم المصدر الإثيوبي مصر وإرتيريا باقامة حلف عسكري وأمني وثيق، ولم يخف المصدر قلق بلاده من أن يشكل هذا التعاون تهديداً مباشراً لمشروع بناء السد في حال استخدامه لتنفيذ ضربات عبر الأجواء السودانية الخارجة عن سلطة الدولة، ثم العودة لقاعدة الانطلاق باستخدام الأجواء والقواعد الإرتيرية.

ويضيف ذات المصدر بأن الحظر الجوي غير المعلن فوق منطقة سد النهضة يمتد إلى عمق الحدود السودانية، إضافة لعمق مماثل لأجواء داخل حدود دولة جنوب السودان تحوطاً وحذراً من أي محاولة لاختراق الطوق الاحترازي المضروب حول السد لتأمينه، ويشمل الحظر أيضاً الطيران المدني إلا بإذن من السلطات، وفق قوله.

وأشار إلى أن أديس أبابا تراقب عن كثب تطور العلاقات بين مصر ودولة جنوب السودان التي قد تكون حدودها المتاخمة للحدود الإثيوبية "نقطة ضعف هشة" يمكن عبورها إذا تطورت الأمور إلى حد المواجهة العسكرية مع مصر رغم استبعادها حالياً، وفي الوقت نفسه تراقب إثيوبيا بحذر شديد الحدود السودانية التي لا تبعد عن منطقة سد النهضة سوى كيلومترات قليلة (حوالي 20 كليومتر)، وذلك لوجود معسكرات تابعة للحركة الشعبية (قطاع الشمال) في المنطقة التي تخضع لسيطرة الحركة التي لا تزال تقاتل الخرطوم, وهو ما يعني بالتالي سهولة التسلل من تلك المنطقة إلى منطقة السد.

"النهضة" سيصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية، والعاشر في العالم ضمن قائمة السدود الأكبر لإنتاج الطاقة الكهربائية حيث يُنتج حسبما ما هو مقرر له حوالي 6000 ميغاوات من الكهرباء، وهو واحد من ثلاثة سدود تخطط إثيوبيا لإنشائها بهدف تخفيض حاجتها من النفط المستورد، ولتوسيع قاعدة القطاع الصناعي بتوفير الكهرباء الرخيصة، إلى جانب الاستفادة من تصدير(بيع) حوالي 2000 ميغاوات للدول المجاورة.

وبقيت خلال السنوات الثلاث الماضية قضية الخلاف بين مصر وإثيوبيا موضع شد وجذب بين الطرفين، فالقاهرة ترفض ما تسميه "المساس بحقوقها التاريخة في مياه النيل"، فيما إثيوبيا تؤكد على حقها السيادي بموجب المبادئ الدولية في استكمال بناء السد الذي يمثل أكبر مشروع تنموي يشهده هذا البلد، وتؤكد في ذات الوقت أنها حريصةٌ على حقوق الآخرين ولا تنوي الإضرار بأي من جاراتها بأي شكل.

وتتخوف مصر من تأثير السد على حصتها السنوية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب)، بينما يؤكد الجانب الإثيوبي أن سد النهضة، سيمثل نفعًا لها خاصة في مجال توليد الطاقة، وأنه لن يمثل ضررًا على السودان ومصر.

وبحسب القائمين على المشروع فإن تكلفة سد النهضة المبدئية تصل إلى 4.7 مليار دولار، ويقوم التمويل على جمع الأموال من الإثيوبيين بالداخل، ومشاركة الإثيوبيين بالخارج، بالإضافة إلى السندات المالية، والتبرعات.





الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın