القاهرة/ حسين القباني/ الأناضول
إثر هجمات دامية على الكنائس بمصر، خرجت للنور إرهاصات "المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف" بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فقبل نحو أسبوع، بينما كانت لا تزال طازجة دماء مصريين سالت إثر تفجيرين بكنيستين شمالي البلاد بينهما المقر البابوي بالإسكندرية، وتبناهما تنظيم داعش الإرهابي، خرج السيسي غاضبا، بملامح حاسمة، في خطاب متلفز، فأعلن عن هذا المجلس الذي ينشأ للمرة الأولى بمصر وعن فرض حالة طوارئ بالبلاد لمدة 3 أشهر.
وأسفر تفجيرا الأحد الدامي 9 أبريل/نيسان الجاري عن مقتل 45 شخصا، وإصابة 125 آخرين، في وقت تشهد مصر عمليات إرهابية شبه مستمرة في سيناء (شمال شرق)، وتظهر من وقت لآخر في العاصمة ومدن شمالي البلاد.
ووفق ما يراه خبراء مصريون، في أحاديث منفصلة للأناضول، فإن الغرض وراء تأسيس ذلك المجلس لا يخرج عن أسباب خمسة هي "مواجهة تعمق الإرهاب، وتوزيع المسؤولية، وتكريس المركزية، وتسويق جيد للغرب، أو إشغال الرأي العام بحل جديد".
** اختصاصات مجلس منتظر .. عشرة
حين تحدث الرئيس المصري عن المجلس، قال: "سيتم تشكيله بقانون على أعلى مستوى وله صلاحيات تمكنه من تنفيذ توصياته لضبط الموقف إعلاميا وقضائيا، وقانونيا، والخطاب الديني".
والثلاثاء الماضي، أوضح رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل في كلمة أمام مجلس النواب (البرلمان)، أن المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب سيعمل أيضا على تنقية الخطاب الديني من الفكر المتطرف، وتأكيد قيم المواطنة والإخاء في المناهج التعليمية.
ووقتها كشف بيان رئاسي مصري، أن أعضاء المجلس، من "كافة الوزراء ورؤساء هيئات ومؤسسات الدولة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وتعاونه لجان دائمة تضم شخصيات عامة وخبراء في كافة المجالات"، دون تسمية أشخاص بعينهم أو تحديد موعد لبدء عمله.
وحدد البيان 10 اختصاصات منها 5 للمجلس: "سيختص بصياغة استراتيجية وطنية شاملة للمواجهة، وإصدار قرارات وإجراءات لتنفيذها، وتعزيز المشاركة المجتمعية، وتطوير الخطط الأمنية، وزيادة الوعى المجتمعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة".
بالإضافة إلى 5 اختصاصات للجان المعاونة الدائمة وفق البيان ذاته هي: "تحليل ودراسة التنظيمات الإرهابية، ومتابعة ورصد نشاطها وخطابها المتطرف محلياً وإقليمياً ودولياً، واقتراح الآليات والإجراءات الأمنية والقانونية لمواجهتها ومتابعة تنفيذها، وتنسيق الدعم لأسر ضحايا العمليات الإرهابية، وإعداد الاستراتيجيات الإعلامية المتخصصة".
وينتظر أن يصدر السيسي، قرارا بقانون وتناقشه الحكومة، ويعرض على مجلس النواب (البرلمان) للمصادقة عليه أو رفضه، وفق حديث للأناضول، أدلى به أحمد مفرح، المحامي والحقوقي المصري.
** أسباب التأسيس.. خمسة
"تعمق الإرهاب"، سبب أول لتأسيس المجلس وفق ما يراه الخبير السياسي، عاطف السعداوي، مدير تحرير مجلة الديمقراطية (حكومية) قائلا للأناضول، إن "المجلس استجابة لحدث غير مسبوق بمصر حيث حدث تفجيران في وقت واحد؛ وذلك لمواجهة تعمق الإرهاب واتجاهه بشكل خطير من الأطراف في سيناء إلى العمق المصري في الإسكندرية وطنطا (شمال)".
ويتفق معه اللواء المتقاعد، علاء عز الدين، المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية (حكومي)، قائلا للأناضول: إن المجلس من اسمه "لمكافحة الإرهاب والتطرف فضلا عن رفض تركيع مصر".
كمال حبيب، المفكر المصري المتخصص في شأن الحركات الإسلامية، يضع في حديث للأناضول، سببيين ثان وثالث؛ فالثاني أن القرار "يعود لرغبة الرئيس المصري بتوزيع المسؤولية على آخرين دون أن يتحملها بمفرده"، والثالث مرتبط في المقابل بـ"زيادة تكريس مركزية القرار في يد أعلى رأس بالبلاد".
ويتفق معه أحمد مفرح، الباحث المصري في الملف الحقوقي، المقيم بجنيف، قائلا: "في ظل ما يحدث في سيناء، شكل السيسي من قبل مجلسا للقيادة الموحدة في إطار عدم تحمل المسؤولية وحده".
وعقب عمليات إرهابية في سيناء قتل فيها 31 شخصا أغلبهم عسكريون، شكل السيسي مجلسا تحت اسم القيادة الموحدة لمنطقة شرق قناة السويس ومكافحة الإرهاب، في يناير/ كانون ثان 2015، برئاسة اللواء أسامة عسكر.
ويضع مفرح، سببا رابعا، متعلقا بـ"محاولة تسويق ما سيترتب علي هذا المجلس الشبيه بمجلس حرب من قرارات، إلى الغرب، كونها قرارات صادرة عن مجلس تشارك فيه جهات مدنية من الدولة".
إشغال الشعب بحل جديد، هو سبب خامس يراه إبراهيم البيومي غانم، الأكاديمي المصري البارز المتخصص في علم الاجتماع السياسي في حديث للأناضول، مؤكدا أنها "محاولة فقط لإشغالنا بحل جديد ردا على الأحداث دون مواجهة حقيقية ومحاسبة المقصر".
صلاحيات مقلقة
البيومي غانم، يري أن "إنشاء المجلس إضافة كمية للمؤسسات ولا فرص كبيرة في أداء إيجابي لمهامه"، مرجعا ذلك إلى "عدم علاج أساس المشكلة التي تحتاج لمعالجة فكرية وعلمية كبيرة تتجاوز الإطار التنفيذي".
يتفق معه المفكر المصري، كمال حبيب، قائلا: "المجلس عبء على الدولة ويتداخل مع عمل مجلسي الدفاع الوطني والأمن القومي، بعد أكثر من 3 سنوات من حرب الإرهاب وتجديد الخطاب الديني وتأسيس مجلسين أيضا للسياحة والاستثمار بلا جديد".
وفي مصر مجلسان معنيان بالأمن القومي هما "مجلس الدفاع الوطني (أنشئ في فبراير/ شباط 2014 وعدله السيسي في ديسمبر/ كانون أول 2016)، ومجلس الأمن القومي ( يناير/ كانون أول 2014، وعدله السيسي في ديسمبر/ كانون أول 2016).
ويؤكد أن "الاختصاصات عبارات عامة ومطاطية لا تنبئ بجديد في ظل غياب الكفاءات والبعد عن المجتمع المدني وغياب الرقابة والمحاسبة" معربا عن مخاوفه من صلاحياته المطاطة "في ظل تطبيق حالة الطوارئ مما يحد من كثير من الحقوق والحريات".
في المقابل، يرى الخبير في الشؤون العسكرية، علاء عز الدين، أن المجلس "خطوة إيجابية في ظل إعلان أن صلاحياته كبيرة"، مستنكرا "الرفض المبدئي دون رؤية ما سيحدث".
ويضيف: "هذا كيان أكثر تركيزا وتفرغا في تحقيق المهمة والأهداف والمتابعة بكثافة؛ فوزارة الداخلية والجيش صحيح أنهما مختصان لكن لهما مهام كثيرة، فضلا عن أنه يختص بمهمة محددة بخلاف الدفاع الوطني والأمن القومي المختص بمهام كثيرة".
ويتفق معه، عاطف السعداوي، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية (حكومي) قائلا إنه لا يمكن الحكم بالتوقع والظن إلا بعد التشكيل والتطبيق، مضيفا: "ما أمامنا مجلس أعلى وبصلاحيات، وهذا شكل جيد وخطوة جديدة وللأمام ولكن العبرة بالتطبيق".
ونفى أن يكون المجلس ينم عن توجه لتوزيع المسؤولية مؤكدا أن "طبيعة النظام الحالي معروفة أنها مركزية في كل شيء في الدولة".