الصومال.. حرب اقتصادية ضد "الشباب" لتجفيف مصادر تمويلها (تقرير)
الحكومة أعلنت مطلع أكتوبر فرض عقوبات صارمة ضد التجار والشركات من يتعامل مع حركة "الشباب"
Istanbul
مقديشو / الأناضول
ـ الحكومة أعلنت مطلع أكتوبر فرض عقوبات صارمة ضد التجار والشركات من يتعامل مع حركة "الشباب"ـ 100 مليون دولار حجم المداخيل السنوية لحركة "الشباب" وفق الخزينة الأمريكية
ـ محلل سياسي: نجاح استراتيجية حرب الحكومة ضد الحركة مرهون بمدى تفاعل محاورها العسكرية والفكرية والمالية
ـ محللة أمنية: المناطق التي خسرتها الحركة أمام العمليات العسكرية الحكومية تؤثر سلبا على قدراتها المالية
رجح محللون أمنيون واقتصاديون، أن تشكل الحرب الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة الصومالية على حركة "الشباب" ضربة قاضية على الإيرادات المالية للتنظيم، وأن يضعف قدرته على تمويل عملياته الإرهابية.
وأعلنت الحكومة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي فرض عقوبات صارمة ضد التجار والشركات وكل من يتعامل مع حركة الشباب، سواء ماليا أو عبر تنفيذ أوامرها، وذلك في محاولة لاستهداف وتجفيف مصادر الدخل المتنوعة لها.
وفي ذات السياق، فرضت الخزانة الأمريكية منتصف أكتوبر عقوبات على 14 شخصا في الحركة بينهم قياديون، إلى جانب شبكة مكونة من 9 أشخاص يتعاونون معها في شراء الأسلحة وجمع الأموال، في خطوة تهدف إلى شل أنشطة الحركة ومصادرها تمويلها.
ووفقا للخزانة المالية الأمريكية فإن مداخيل الحركة تبلغ نحو 100 مليون دولار سنويا، تجمعها من مصادر متعددة بما فيها الضرائب وابتزاز الشركات والتجار، مما يساهم في دعم مختلف أنشطتها الإرهابية.
وبحسب محللين سياسيين وأمنيين، فإن نجاح مكافحة تجفيف المنابع المالية للإرهاب مرهونة بمدى مواصلة الحكومة الضغط العسكري ضد "الشباب" والذي سينعكس سلبا على قنوات النظام المالي لديها.
ـ تدابير التجفيف
منذ إعلان الرئيس حسن شيخ محمود، حربا ضد مسلحي "الشباب"، اتخذت الحكومة إلى جانب العمليات العسكرية إجراءات مالية صارمة لتجفيف منابع دخل الحركة، لتقويض نفوذها المالي المتنامي في السنوات العشرة الماضية.
يقول المحلل السياسي عبد النور ياسر، للأناضول، إن نجاح استراتيجية الحرب الحكومية ضد "الشباب" مرهون بمدى تفاعل محاورها الثلاثة العسكرية والفكرية والمالية.
وأضاف أنه لا يمكن تقويض نفوذ الحركة عسكريا وماليا على الأرض الواقع ما لم تحرص الحكومة على حركية هذه المحاور الثلاثة، على الأقل في المرحلة الراهنة.
وأشار إلى أنه لا يستبعد إمكانية تمكن الحكومة من تقليص النفوذ المالي المتنامي للإرهابيين، إذ لا تعتمد "الشباب" على مصادر خارجية في تنشيط عملياتها العسكرية ودفع رواتب عناصرها.
وأوضح ياسر أن حركة الشباب أنشأت قنوات مالية متعددة الأطراف توفر لها دخلا كبيرا، وهو ما يحتم على الحكومة تتبع هذه القنوات وتجفيفها من الأساس.
وبيّن أن هناك نوعين من المصادر التي تعتمدهما حركة الشباب لجمع الأموال؛ وهما المصادر الظاهرة والخفية.
واستطرد أما الظاهرة فتتمثل في الابتزاز والضرائب من التجار والشركات، ويمكن للحكومة تجفيفها في أسرع وقت بتطبيق إجراءات متشددة ضد المتعاونين معها، مع مواصلة العمليات العسكرية، إلى جانب ضمان أمن المواطنين والحد من التهديدات الإرهابية ضد تجارتهم.
أما المصادر المخفية، فهي الاستثمارات التي قام بها عناصر "الشباب" في شتى المجالات التجارية، وفقا لتقارير محلية عدة.
وهذه المصادر المخفية، بحسب المحلل الصومالي، لا تتأثر بالتدابير المالية الحالية التي اتخذتها الحكومة، نظرا لغياب الأنظمة الحكومية لمراقبة التجارة والشركات المختلفة الصاعدة، ما يشكل مصدرا ماليا مستمرا للحركة رغم محدوديته.
وحذرت كل من وزارة المالية ووزارة الموانئ والنقل البري ووزارة التجارة والصناعة، التجار والشركات والمواطنين من التعاون مع مسلحي "الشباب".
وفي الوقت نفسه، هددت الوزارات الثلاثة بسحب التراخيص من كل شركة يثبت تعاملها مع الإرهابيين.
كما أعلنت الحكومة مراقبة جميع المعاملات المالية للمواطنين، بمن فيهم أولئك الذين يتوجهون إلى مناطق تواجد مسلحي الشباب لدفع الأموال.
واعتبر محللون أن هذه الخطوة، في حال تطبيقها، من شأنها تكبيد خزينة حركة "الشباب" خسائر كبيرة، قد تفقدها توازنها في المرحلة المقبلة.
ـ عمليات عسكرية
إلى جانب الحرب ضد مصادر تمويل الحركة تواصل الحكومة عملياتها العسكرية للشهر الرابع بالتعاون مع السكان ضد عناصر التنظيم، ما أجبرهم على الانسحاب من بلدات وقرى ذات أهمية استراتيجية جنوبي ووسط البلاد.
تقول ملكة عبدي، محللة أمنية في هيئة إدارة التنمية الصومالية "ميند" (مستقلة)، المعنية بالتنمية والمعلومات الأمنية، إن "العمليات العسكرية تشكل عاملا أساسيا في دحر الإرهاب عسكريا واقتصاديا، لأنه كلما تعرضت حركة الشباب لضغط عسكري، ينعكس ذلك فورا على إيراداتها المالية".
وأضافت عبدي في حديثها للأناضول، أن المناطق التي خسرتها الحركة أمام العمليات العسكرية الحكومية كانت تشكل مصدر دخل لها، ما يؤثر سلبا على قدراتها المالية.
وأشارت إلى أن "حركة الشباب تخصص ربع ميزانيتها للعمليات العسكرية، وأن الخسائر المدوية لها أمام القوات الحكومية بالتعاون مع مليشيات عشائرية مسلحة جعلتها تخسر مناطق استراتيجية وأبقتها في وضعية الدفاع، بينما كانت في السابق مُبادرة للهجوم على المراكز العسكرية للقوات المشتركة في البلاد".
وخسرت حركة الشباب منذ بدء العملية العسكرية الحكومية عشرات القرى والبلدات، آخرها بلدة "مسجد علي جدود" التي كانت تشكل منطقة استراتيجية بالنسبة لها، ونقطة عبور لمسلحيها بين إقليمي شبيلى الوسطى والسفلى (جنوب).
وبحسب دراسة أجراها معهد "هيرال" للدراسات الأمنية (مستقل) فإن حركة الشباب تمول عملياتها العسكرية بنحو 24 مليون دولار سنويا، بمعدل مليوني دولار في الشهر، بينما تنفق 1.8 مليون دولار على جلب المواد المتفجرة.
ويتوقع مراقبون أن تشدد العقوبات الأمريكية الأخيرة على شخصيات متعاونة مع الحركة الخناق على عمليات شراء الأسلحة للحركة، كما تخلط أوراق المتعاونين معها، ما يؤثر سلبا على عملياتها الإرهابية.
ـ تراجع المداخيل
بحسب تقديرات محلية، فإن حركة الشباب خسرت 30 بالمئة من مداخيلها في الشهرين الماضين، نتيجة العمليات العسكرية الجارية، والإجراءات المالية الحكومية ضدها.
يقول محمد نور، أستاذ الاقتصاد في إحدى الجامعات المحلية للأناضول، إنه "رغم صعوبة الحصول على نسبة مئوية رسمية إلا أنه من الواضح أن حركة الشباب خسرت مصادر مالية كبيرة نتيجة طردها من قرى وبلدات كانت تخضع لسيطرتها منذ بدء العملية العسكرية الحكومية".
وتعتمد الحركة في جزء من تمويلها على ما يسمى الضرائب المفروضة على التجار والتنقلات بين القرى والبلدات التي تسيطر عليها.
لكن نتيجة استعادة الحكومة قرى وبلدات من قبضة الحركة أفقدها ذلك تدفق تلك الأموال، ما سيؤثر على قدرتها في دفع مكافآت مالية لعناصرها في المرحلة المقبلة، وبالتالي يحد من قدرتها على تجنيد عناصر جديدة.
وذكرت ملكة عبدي، أن المؤسسات المالية الحكومية أغلقت منذ بدء الحرب المالية ضد "الشباب" ما بين 80 و100 حساب بنكي تابع لعناصر الحركة، مع تجميد نحو 20 مليون كانت في هذه الحسابات.
ورغم الخسارة المالية والعسكرية التي يتكبدها مسلحو الشباب في الوقت الراهن، إلا أن تقارير إعلامية تخشى من أن تعوض الحركة تلك الخسائر بعوائد الاستثمارات التي قامت بها في شتى المجالات التجارية، في ظل غياب قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال عبد السلام يوسف، نائب رئيس الاستخبارات الأسبق، رئيس معهد "إيجل رينجز للخدمات الأمنية"، إن الأموال المخزونة لدى الحركة خلال السنوات الخمسة الماضية تصل إلى 700 مليون دولار.
وفي كلمة له خلال ندوة أمنية حول "تأثير العقوبات الأمريكية على مصادر دخل حركة الشباب" التي نظمها المعهد، يعتقد يوسف أن "الحركة قامت باستثمارات ضخمة في أغراض تجارية عدة، ما يشكل عقبة على الجهود الحكومية المضنية لتجفيف منابع الدخل لدى الإرهابيين".
ورغم الغموض الذي يكتنف معرفة المجالات والشركات التي استثمرت فيها الحركة، إلا أن هذا الأمر سوف يؤثر سلبا على سمعة الشركات والتجار في الأسواق العالمية في حال اتضحت الصورة وتم الكشف عنها بحسب المراقبين.