تركيا.. "زلزال مرمرة الكبير" ومدى الاستعداد لمواجهة آثاره (مقال)
تقع تركيا ضمن واحدة من أكثر مناطق الزلازل نشاطا في العالم نظرا لموقعها الجغرافي وبنيتها الجيولوجية. ويمتد صدع شمال الأناضول، من ولاية بينغول شرقا إلى أرزينجان ـ نيكسار ـ طوسيا ـ بولو غربا بطول حوالي 1600 كلم.
Istanbul
إسطنبول / أوقان تويسوز / الأناضول
ـ مقال رأي للمهندس الجيولوجي والأكاديمي التركي البروفيسور أوقان تويسوز، بشأن الآثار المترتبة على زلزال مرمرة الكبير المحتمل واستعدادات تركيا لمواجهتهـ حجم الزلزال وعمقه ونوع الصدع الذي يسببه والبعد أو القرب من مركز الزلزال، وحالة الصدع، وبنية التربة أو الأرض هي أبرز العوامل الرئيسية التي تؤثر على شدّة الهزة الأرضية الناتجة عن الزلزال
تقع تركيا ضمن واحدة من أكثر مناطق الزلازل نشاطا في العالم نظرا لموقعها الجغرافي وبنيتها الجيولوجية. ويمتد صدع شمال الأناضول، من ولاية بينغول شرقا إلى أرزينجان ـ نيكسار ـ طوسيا ـ بولو غربا بطول حوالي 1600 كلم.
الفرع الشمالي للصدع الذي يتفرع من بولو إلى الغرب، يمر عبر دوزجة وصقاريا ( شمال غرب)، ويدخل بحر مرمرة من خليج إزميت، مارًا بجزر مرمرة، وسواحل قومبورغاز ـ سلوري ـ تكيرداغ، وخليج ساروس إلى شمال بحر إيجة ثم اليونان.
وبحسب القياسات الدورية، فإن سرعة حركة الصدع في هذا الفرع والتي تراوح بين 15-20 ملم/ سنة هي أعلى بكثير من غيرها، ولذلك فإن المنطقة تشهد حدوث حركات زلزالية بشكل متكرر أكثر في هذا الفرع والذي يسمى "الفرع الرئيسي".
بدوره، يمتد الفرع الجنوبي للصدع عبر بحيرة بولو ـ كيوة ـ إزنيق، إلى مياه مرمرة من خليج "غملك" (بولاية بورصة)، ويمتد بموازاة الساحل الجنوبي نحو خليج أدرميت (ولاية بالق أسير). وينتج هذا الفرع أيضًا حركات زلزالية كبيرة، ولكن على فترات زمنية أكبر.
- تاريخ الزلازل في إسطنبول
إن معرفتنا بتاريخ الزلازل في إسطنبول، المدينة القديمة التي تعتبر شريان الحياة الأكثر اكتظاظًا بالسكان والاقتصاد في تركيا، ترجع إلى آلاف السنين.
لقد جرى توثيق أكثر من 100 زلزال في سجلات العصرين البيزنطي والعثماني، بعضها أثر على إسطنبول بشكل كبير.
ونظرًا لعدم وجود أجهزة قياس زلزالية قبل عام 1900، فليس من الواضح بالضبط حجمها وعلى أي صدع وقعت، ولكن المؤرخين ومن خلال السجلات التاريخية والأضرار المدوّنة، يقدمون جملة من التوقعات حول مصادر تلك الزلازل.
إن معرفة هذه المعلومات أمر في غاية الأهمية وذلك بحساب الاحتمالات المتعلقة بالزلازل المستقبلية. إضافة إلى ما سبق، نستطيع القول إن زلزالي عامي 1509 و1766 على الأقل (بالطبع هناك قبل وبعد) كانا بقوة تجاوزت 7 درجات، وتسببا بأضرار كبيرة في إسطنبول والمناطق المحيطة بها، وإن مصدرهما كان الصدع الرئيسي.
من ناحية أخرى، كشفت الدراسات التي أجريت مباشرة بعد زلزال 17 أغسطس/ آب 1999 في غولجوك، أنه تسبب في زيادة التوتر في الصدوع على الجهتين الشرقية والغربية.
ومن المعروف أيضا أن زلزال دوزجة (شمال غرب) الذي وقع في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 1999، كان نتيجة زيادة التوتر في الصدع، وكان هناك توقعات تشير إلى اقتراب حدوث زلزال كبير في الجزء الغربي، أي في بحر مرمرة، منذ ذلك التاريخ.
إذا حدث زلزال كبير في مكان ما في الماضي، فإن زلازل مماثلة ستحدث في المنطقة نفسها مرة أخرى بعد مدة معينة.
أما بالنسبة إلى زلزال مرمرة، فعلى الرغم من عدم إمكانية تحديد وقته بالضبط، إلا أن احتمال حدوث زلزال كبير في المنطقة مرتفع للغاية.
لقد تم وضع مجموعة من السيناريوهات للكشف عن مكان وحجم الضرر الذي سيسببه الزلزال المحتمل.
الوضع الذي أظهرته السيناريوهات ليس مشجعًا، فالأماكن التي من المتوقع أن تتلقى أكبر قدر من الأضرار في حالة وقوع هذا الزلزال المحتمل هي المناطق الأقرب إلى شواطئ بحر مرمرة.
إن من القواعد الذهبية للسيطرة على آثار الزلازل هي عدم زيادة عدد السكان والمناطق الصناعية في الأماكن النشطة زلزاليًا، ونقل المنشآت والمرافق ذات الصلة خارج المناطق المحتملة للزلازل.
لكن في إسطنبول والمدن الأخرى المحيطة بحوض بحر مرمرة، تم تجاهل هذه القواعد الذهبية، ونتيجة لذلك شهدت المنطقة المذكورة زيادة في عدد السكان والأنشطة الاقتصادية رغم أن هذه المنطقة تعتبر الأضعف جيولوجيا والأقرب إلى الصدوع المتوقع أن تسبب زلازل في المنطقة.
- الآثار المحتملة
إن حجم الزلزال وعمقه ونوع الصدع الذي يسبب الزلزال، والبعد أو القرب من مركز الزلزال، وحالة الصدع، وبنية التربة أو الأرض، تعتبر أبرز العوامل الرئيسية التي تؤثر على شدّة الهزة الأرضية الناتجة عن الزلزال.
كما أن الإحصائيات والمقارنات أظهرت أن حجم الزلزال ومعدل الأضرار يتأثران إيجابًا أو سلبًا أيضا بجودة المباني في البلاد.
لقد كشفت الكارثة التي وقعت في زلزالي 6 فبراير/ شباط 2023، ضعف جودة الأبنية الموجودة في بلادنا وكذلك ضعف مقاومتها للزلازل.
ويعود ذلك للتوسع العمراني العشوائي، الذي تسارع منذ خمسينيات القرن الماضي بسبب الزيادة في عدد السكان وتسارع الهجرة من الريف إلى المدن، وضعف الرقابة في أجهزة الدولة، وعدم قدرة هذه الأجهزة على الارتقاء إلى مستوى البلدان المتقدمة.
اليوم، نستطيع القول إن ما لا يقل عن 700 ألف من أصل مليون و120 ألف مبنى في إسطنبول، سوف تتضرر من الزلزال المحتمل.
وما بين 70 إلى 80 ألفا منها، إما سينهار أو سيتضرر بشكل خطير للغاية، ما سيشكل ضغطًا كبيرًا على البلاد، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المحلي.
كما أنه لم يتم في أي وقت من الأوقات وضع خريطة طريق توفر الثقة لدى المجتمع بشأن كيفية التغلب على الآثار السلبية للزلزال، الذي لن يؤثر على إسطنبول فحسب، بل سيؤثر أيضًا على جميع المدن المطلة على حوض بحر مرمرة تقريبًا.
وفجر 6 فبراير 2023 ضرب زلزال مدمر بقوة 7.7 درجات جنوب تركيا وشمال سوريا، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، ومئات الهزات الارتدادية العنيفة.
وأودى الزلزال بحياة 53 ألفا و537 شخصا، فيما أصيب 107 آلاف و213 آخرون، كما خلف دمارا ماديا هائلا.
-------------------------------------
** المهندس الجيولوجي والأكاديمي التركي، البروفيسور الدكتور أوقان تويسوز
** الأفكار والآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسة الأناضول