دولي, أخبار تحليلية, التقارير

الصين والأزمة الروسية الأوكرانية.. حسابات الربح والخسارة (تحليل)

- الصين تختار الوساطة والحياد رغم علاقتها الاستراتيجية بروسيا وتوجسها من الولايات المتحدة

14.03.2022 - محدث : 14.03.2022
الصين والأزمة الروسية الأوكرانية.. حسابات الربح والخسارة (تحليل)

Istanbul

إسطنبول/ الأناضول

في ظل العقوبات واسعة النطاق التي تفرضها واشنطن وحلفاؤها ضد روسيا، تمثل الصين حبل النجاة الرئيسي لموسكو، لامتصاص شدة الصدمة التي ستخلقها العقوبات على اقتصادها خاصة إن طالت قطاع النفط والغاز، لكن هل تقف بكين إلى جانبها فعلا في حربها ضد أوكرانيا؟

اختارت الصين رسميا الحياد في الأزمة الروسية الأوكرانية، وإن كانت من الناحية الاستراتيجية تقف في نفس الخندق مع موسكو في مواجهة المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

فبكين لم تنضم إلى القائمة الطويلة من الدول التي أدانت الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، ناهيك عن فرض عقوبات على موسكو، بل ألقت اللوم على الولايات المتحدة في إثارة الأزمة وتصعيدها.

ففي اليوم الذي بدأ الهجوم العسكري الروسي، في 24 فبراير/ شباط الماضي، اتهمت الخارجية الصينية، واشنطن بأنها "أججت التوترات وأشعلت تهديدات الحرب في أوكرانيا"، ورفضت استخدام مصطلح "غزو" لتوصيف الحرب في أوكرانيا.

غير أن الموقف الصيني لم يذهب بعيدا في دعم روسيا، لأنه مكبل بمبدأ "احترام أراضي الدول وسيادتها" بما فيها أوكرانيا، وهو ذات الموقف الذي تبنته بكين عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

ناهيك أن الدعم الصيني لروسيا، من شأنه أن يورط الصين في صراع أكبر مع الغرب، في قضية لا تعنيها بشكل مباشر.

فالوضع في الأزمة الروسية الأوكرانية متداخل بشكل عميق بالنسبة للصين، بين ما هو استراتيجي وما هو مبدئي، دون نسيان عامل ثالث متعلق بالمصالح الاقتصادية والتجارية المتشابكة مع هذا الطرف آو ذاك.

لذلك فالحياد المحسوب، خيار تراهن عليه الصين، وتجلى ذلك من خلال امتناعها عن التصويت حول إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، سواء في مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فالصين تخشى أن تحول واشنطن الأزمة الروسية الأوكرانية لفرصة تستهدفها رفقة موسكو بشكل متزامن، ما يسمح لها بإسقاط أكبر تهديدين لزعامتها على العالم بضربة واحدة.

وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية "تشاو لي جيان"، الأربعاء، إن الولايات المتحدة تنتقد الموقف الصيني بشأن أوكرانيا "للبحث عن مجال لمؤامرة القمع المتزامن ضد الصين وروسيا"، بحسب ما نقلته عنه وكالة "تشينخوا".

وجاء ذلك في سياق نفي المتحدث الصيني لتقرير صحيفة "نيويورك تايمز"، حول المعرفة المسبقة بالعملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وطلبها تأجيل العملية إلى ما بعد الألعاب الشتوية لأولمبياد بكين، التي نظمت ما بين 4 و20 فبراير/شباط الماضي.

بينما انطلقت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بعد 4 أيام فقط من اختتام أولمبياد بكين.

** حليف استراتيجي

تعد الصين بالنسبة لروسيا أكبر شريك اقتصادي، حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين نحو 140 مليار دولار في 2021، ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنظيره الصيني شيجين بينغ، ببكين في 4 فبراير، كلل بتوقيع صفقات بقيمة 117 مليار دولار للشراء البترول والغاز.

إذ أن الصين تستورد أمرين أساسيين من روسيا، المحروقات (نفط وغاز) والسلاح، بينما تصدر لها كل شيء تقريبا، وهذا ما يجعل الاقتصادين متكاملين، رغم أن الاقتصادي الصيني أكبر بكثير من نظيره الروسي.

فالناتج الداخلي الإجمالي لروسيا يبلغ نحو 1.5 ترليون دولار، في حين أن الناتج الداخلي الإجمالي يبلغ 18 ترليون دولار.

والاقتصاد الصيني الضخم يمثل المنقذ للاقتصاد الروسي بعد تشديد العقوبات الغربية، خاصة ما تعلق باستمرار تصدير النفط والغاز إلى السوق الصينية في حال أغلقت الأسواق الأوروبية والغربية أبوابها أمام صادرات الطاقة الروسية.

وكذلك الأمر بالنسبة للواردات الروسية من الدول الغربية، التي يمكن لموسكو استبدالها بأخرى صينية، ما يخفف من وطأة العقوبات، ويمنع الاقتصاد الروسي من الجثو على ركبتيه، خاصة أن الطرفان يتعاملان بالروبل الروسي واليوان الصيني، في إطار اتفاق موقع بين البلدين عقب احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، ما يسمح لروسيا بالالتفاف حول العقوبات الأمريكية والأوروبية.

ولا تنتظر روسيا من الصين أن تقاتل إلى جانبها في أوكرانيا، لكن أكثر ما تتمناه أن تقف إلى جانبها اقتصاديا، للصمود أطول فترة ممكنة أمام العقوبات الغربية.

بينما لا ترغب الصين أن ينهار الاقتصاد الروسي، لأن ذلك سيدفع واشنطن لتركيز جهودها لإضعاف الاقتصاد الصيني الصاعد بقوة، والذي تجاوز ناتجه الداخلي الخام المعادل للقدرة الشرائية (24.2 ترليون دولار) نظيره الأمريكي (20.8 ترليون دولار).

** الوساطة

"احترام وحدة وسيادة الدول" ليس مجرد شعار تتبناه الصين بل مبدأ له علاقة مباشرة مع سياسة "الصين الواحدة"، التي ترفض من خلالها انفصال تايوان عنها، وبالتالي لا يمكنها مناقضة نفسها بالسماح بانفصال شبه جزيرة القرم، أو إقليمي دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا.

فالمصالح الاستراتيجية مع روسيا، لم تمنع الصين من دعم سيادة أوكرانيا على أراضيها، إلا أن زيارة بوتين الأخيرة لبكين أحدثت خرقا لهذا المبدأ عندما أعربت عن تفهمها ودعمها لموقف روسيا بشأن الأمن في المناطق المحيطة بها، ووقوف الطرفين ضد توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق أوروبا.

لكن بكين لا تريد أن تذهب بعيدا في دعمها لموسكو، أو أن تتورط في مغامرات بوتين الحربية، خاصة أنها الشريك الأول لأوكرانيا، والسوق الأمريكية تستوعب الجزء الأكبر من صادراتها، والاتحاد الأوروبي شريك تجاري رئيسي لها، وأي عقوبات تطالها بسبب روسيا ستقوض بدون شك الازدهار الاقتصادي الذي حققته طيلة عقود، خاصة مع بداية تعافي اقتصادها من جائحة كورونا.

والحرب في أوكرانيا، لا تخدم الصين من الناحية الاستراتيجية، لأنها ستعرقل تمددها الاقتصادي في العالم، وستقوض العقوبات على روسيا تجارتها مع الأخيرة، وستعود أزمة سلاسل التوريد العالمية مجددا.

ومع ارتفاع أسعار الطاقة، فسيؤثر ذلك ليس فقط على ارتفاع قيمة الواردات الصينية بل أيضا على تقلص صادراتها، بسبب ارتفاع تكلفة منتجاتها، ما سيؤدي إلى تراجع نموها، وإن كانت ستسفيد من الاستحواذ أكبر على السوق الروسية.

وهذا المناخ الاقتصادي المضطرب لا يخدم سياسة بكين في التوسع التجاري بالأسواق العالمية، ما دفعها للمسارعة في عرض وساطتها بين موسكو وكييف، وهي تملك نقاط ضغط مهمة، باعتبارها الشريك الأول للبلدين، والمنقذ الوحيد لروسيا من العقوبات.

لكن الصين قد لا تملك الإرادة الكافية لاستعمال أوراق الضغط ضد روسيا، التي لا تبدي مرونة في التراجع خطوة إلى الوراء بعيدا عن خيار الحرب.



الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın