توقيف القيادي بالحشد الشعبي قاسم مصلح.. دلالات ورسائل (تحليل)
يتخوف قادة الفصائل المسلحة من أن السكوت على توقيف مصلح قد يدفع الكاظمي لملاحقتهم واحدا تلو الآخر، في المقابل تبدو الحكومة تتجه بإصرار لإعادة فرض هيبة الدولة وإنفاذ القانون.
Baghdad
رائد الحامد/الأناضول
تراجعت مخاوف الأوساط العراقية من احتمالات اندلاع موجة من العنف على خلفية توقيف القيادي في الحشد الشعبي، قاسم مصلح، بعد اجتماعات عقدتها الرئاسات الثلاث، الجمهورية ومجلسي الوزراء والنواب، بالإضافة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى.
لكن لا تزال ثمة مخاوف من تداعيات توقيف قاسم مصلح، وإصرار حكومة مصطفى الكاظمي على الاحتفاظ به، ورفض الوساطات التي تجريها قيادات في هيئة الحشد الشعبي وقيادات سياسية شيعية للإفراج عنه، أو تسليمه لجهاز أمن الحشد.
ودعت الرئاسات الثلاث في بيان، الخميس، إلى ضرورة "حصر السلاح بيد الدولة"، وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في 10 أكتوبر/ تشرين الأول القادم، وضرورة احترام القرارات الصادرة عن القضاء، واحترام إجراءات مؤسسات الدولة في المساءلة القانونية.
وشدّد البيان على أن "استمرار الاضطراب الأمني يعرض استقرار البلد إلى مخاطر حقيقية".
ويشغل "قاسم مصلح" الذي ينحدر من محافظة كربلاء، منصب قائد عمليات الحشد الشعبي في غرب محافظة الأنبار منذ عام 2017، بالإضافة إلى قيادته لواء 13 المعروف باسم لواء "الطفوف" التابع رسمياً للعتبة الحسينية في كربلاء، وهو ضمن تشكيلات هيئة الحشد الشعبي.
والحشد الشعبي مؤسسة رسمية مرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء الكاظمي، وتتلقى أوامرها منه.
ووفقا لمصادر من الحشد الشعبي، نفذت قوة أمنية عراقية فجر الأربعاء، عملية إلقاء القبض على "قاسم مصلح" في عملية إنزال جوي بمساعدة أمريكية في منطقة الدورة جنوب غربي العاصمة بغداد في ظل تضارب الأنباء حول مصيره ومكان تواجده.
وقال "الكاظمي" إنه هو شخصيا من أصدر الأوامر للقوات الأمنية "بإلقاء القبض على أحد المتهمين"، في إشارة إلى قاسم مصلح.
حظي قرار الكاظمي بإصدار أمر توقيف قاسم مصلح، بتأييد واسع من أطراف إقليمية ودولية.
وتضاربت التقارير الإعلامية حول أسباب توقيف "مصلح"، ففي حين نقلت وكالة الصحافة الفرنسية تأكيدات من مصادر أمنية عراقية أن التوقيف جاء لاتهامه باغتيال ناشطين عراقيين، ذكرت وكالة "رويترز" نقلاً عن مسؤولين أمنيّين عراقيين، أن "اعتقال مصلح كان على صلة بهجوم صاروخي أخير على القاعدة العراقية الأمريكية في عين الأسد".
وتتمركز قوات تابعة لفصائل الحشد الشعبي على مقربة من تلك القاعدة ضمن قاطع مسؤولية قائد عمليات الحشد في غرب الأنبار، قاسم مصلح.
وربطت تقارير صحفية محلية وأجنبية بين توقيف مصلح واغتيال ناشطين، منهم فاهم الطائي و"إيهاب الوزني" رئيس تنسيقية تظاهرات كربلاء الذي اغتيل في 8 مايو/أيار وكانت الحادثة سبباً لتظاهرات واسعة شملت بغداد ومعظم مدن ومحافظات الوسط والجنوب، قبل يوم من توقيف "مصلح"، واجهتها القوات الأمنية بحملة اعتقالات وإطلاق نار أسفر عن مقتل متظاهر في بغداد.
لكن الإعلام القريب من فصائل الحشد الشعبي يتحدث عن أن التوقيف جاء على خلفية توترات بين الفصائل ضمن قاطع مسؤوليته في غرب الأنبار والقوات الأمريكية التي منع دخول عجلات تابعة لها من سوريا، بالإضافة إلى مسؤوليته عن استهداف قاعدة عين الأسد التي تستضيف جنوداً أمريكيين عدة مرات.
وبلغت التوترات بين الحشد الشعبي والقوات الأمنية ذروتها في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء 26 أيار/ مايو عندما نشرت القوات الأمنية وجهاز مكافحة الإرهاب قوات إضافية لتعزيز الحماية في العاصمة وفي المنطقة الخضراء لتجنب اندلاع موجة من العنف بعدما تجمعت حشود من مسلحي الفصائل بالقرب من بوابات المنطقة الخضراء للضغط على الكاظمي لإطلاق سراح القيادي قاسم مصلح.
ووصف الكاظمي استعراض مسلحي الحشد الشعبي بانه "انتهاك خطير للدستور والقوانين النافذة".
واتخذت الحكومة سلسلة من التدابير الأمنية تمثلت في نشر قوات الأمن وجهاز مكافحة الإرهاب لحماية الحكومة والبعثات الدبلوماسية، وإغلاق المنطقة الخضراء وجميع الطرق المؤدية إليها في أعقاب تهديدات صريحة من فصائل مسلحة بالثأر والانتقام لتوقيف مصلح.
وترأس الكاظمي اجتماعا للقيادات الأمنية لبحث المستجدات وتداعيات توقيف مصلح.
وأصدرت هيئة الحشد الشعبي بيانا وعدت فيه بالإفراج السريع عن مصلح و"ردع الجهات التي تحاول خلط الأوراق"، حسب البيان.
واتخذت فصائل ضمن تشكيلات الحشد حليفة لإيران موقفا "متشددا" من توقيف مصلح.
واتهمت عدد من البيانات وتصريحات قادة تلك الفصائل الكاظمي بافتعال الأزمات واتباع نهج خطير باستهدافه قيادات الحشد الشعبي وجر البلاد إلى الفوضى.
ولا تزال الروايات متناقضة أيضا حول مصير مصلح، وأكد أكثر من قيادي في الحشد الشعبي، ونواب شيعة مقربون من الفصائل المسلحة الإفراج عنه وتسليمه إلى أمن الحشد، أو تأكيد تواجده في مقر هيئة الحشد بصفته قائداً في الهيئة وليس معتقلاٍ أو متهماً.
وتنفي الحكومة العراقية أنباء إطلاق سراح "مصلح" وتسليمه إلى جهاز الأمن التابع للحشد الشعبي، وهو ما أكده رئيس الوزراء الذي صرح بأن الرجل ما يزال رهن الاعتقال.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (رسمية)، ظهر الخميس، عن مصادر حكومية، أن التحقيقات لا تزال جارية مع مصلح عبر لجنة مشتركة من مؤسسات أمنية وعسكرية.
وهذه هي المرة الأولى التي يعتقل فيها قيادي من قيادات فصائل الحشد الشعبي بهذا المستوى.
ويتخوف قادة الفصائل المسلحة من أن السكوت على توقيف مصلح قد يدفع الكاظمي بملاحقتهم واحدا تلو الآخر.
وتبدو حكومة الكاظمي التي لم تطلق سراح مصلح، تتجه بإصرار لإعادة فرض هيبة الدولة وإنفاذ القانون.
ولا تزال المجموعات المسلحة الحليفة لإيران تشكل تهديداً جدياً لحكومة الكاظمي وتمتلك ما يكفي من القدرات القتالية لإدخال العراق في فوضى أمنية خلال ساعات، وهو ما يُدركه الكاظمي الذي يعتمد خطوات بطيئة ومدروسة لتقويض تلك المجموعات دون الدخول في مواجهات مباشرة مع القوات الأمنية.
كما أن الكاظمي يُدرك تماماً المخاطر الحقيقية من مواجهة المجموعات الشيعية المسلحة التي "قد" تلجأ في حال وجدت نفسها أمام تحديات تهدد وجودها ومكاسبها إلى فرض سيطرتها الكاملة على العاصمة والمنطقة الخضراء، كما حدث في اليمن في سبتمبر/ أيلول 2014 عندما فرضت جماعة الحوثي الحليفة لإيران سيطرتها على العاصمة صنعاء، وهو احتمال وارد تكراره في العراق.