الدول العربية, أخبار تحليلية

تونس.. دعوات لـ"ثورة جياع" أم لـ"ثورة مضادة"؟ (تحليل)

خبيران: قوى إقليمية ترغب بإعادة تونس إلى ما قبل ثورة 2010.. ودعوات الفوضى خلفها مجموعات من أقصى اليسار وأتباع المنظومة القديمة

07.05.2020 - محدث : 07.05.2020
تونس.. دعوات لـ"ثورة جياع" أم لـ"ثورة مضادة"؟ (تحليل)

Tunisia

تونس/ عادل الثابتي/ الأناضول

رياض الشعيبي: دعوات اليوم تحمل عناوين مزيفة وتستهدف الدفع نحو ثورة مضادة لما تحقق من ديمقراطية في تونس
طارق الكحلاوي: الدعوات صادرة عن أطراف غير قادرة على تعبئة الشارع خاصة في ظل الحجر الصحي ورمضان وقدوم الصيف
الخبيران: قوى إقليمية ترغب بإعادة تونس إلى ما قبل ثورة 2010.. ودعوات الفوضى خلفها مجموعات من أقصى اليسار وأتباع المنظومة القديمة

رجّح خبيران أن الدعوات، على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى "ثورة" و"حل البرلمان" التونسي، ليست دعوات جدية، وتقف خلفها أطراف غير قادرة على تعبئة الشارع، إضافة إلى قوى ذات تأثير إقليمي.

وشددا، في حديثين للأناضول، على أن أطرافا متناقضة سياسيا، من أقصى اليسار والمنظومة القديمة، تدعو إلى تغيير الحكم وحلّ البرلمان، تحت مسمى "ثورية الجياع"، لكنها "ثورة مضادة" تستهدف الديمقراطية في تونس.

وأعلنت النيابة العامة بتونس، الأربعاء، أنها فتحت تحقيقا في "دعوات تحريضية"، عبر مواقع التواصل، ضد بعض مؤسسات الدولة.

وتناقل رواد بمواقع التواصل في تونس، خلال الفترة الأخيرة، وثيقة منسوبة لجهة تُسمي نفسها "هيئة الإنقاذ الوطني"، دعت فيها إلى "حل البرلمان والأحزاب، والمطالبة بمحاسبتها، وتعليق العمل بالدستور، ومراجعة قوانين ما بعد الثورة، وإعادة صياغتها والمصادقة عليها باستفتاء شعبي".

ونشر نشطاء مقربون من الحزب الدستوري الحر (معارض/ 16 نائبا من 217)، بقيادة عبير موسى، دعوات لحل البرلمان، والاعتصام في منطقة باردو، حيث مقر البرلمان، قبل أن تتبرأ رئيسة الحزب من تلك الدعوات.

كما نشر نشطاء من أقصى اليسار دعوات إلى الثورة، بلغت عند أحدهم حد الدعوة إلى "إسالة الدم".

"ثورة مضادة"

الباحث الجامعي في الفلسفة السياسية، رياض الشعيبي، قال للأناضول: "الحقيقة العلمية والتاريخية تُثبت أنه لا يمكن أن تحصل ثورة على ثورة، وإنما هي ثورات مضادة على ثورة حقيقية."

وأطاحت ثورة شعبية، عام 2011، بالرئيس التونسي آنذاك، زين العابدين بن علي (1987: 2011).

وأضاف الشعيبي أن "الدعوات التي نراها اليوم تحت عناوين اجتماعية تتعلق بالبطالة هي عناوين مزيفة، تريد الدفع نحو ثورة مضادة على ما تحقق إلى حد اليوم من ديمقراطية في تونس".

وتابع: "ما يبين عدم جدية هذه الدعوة هو الالتقاء غير المنطقي بين تيارات سياسية متناقضة في الدعوة إلى انتفاضة شعبية ضد مؤسسات الدولة، بين الذين يتبنون الذهاب بالثورة إلى أقصاها ويقفون خلف المشروع السياسي لرئيس الجمهورية (قيس سعيد)، وبين الذين يدعون إلى الانقلاب على الدولة المدنية والديمقراطية والعودة إلى الاستبداد".

وذهب المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي)، طارق الكحلاوي، في الاتجاه نفسه بقوله للأناضول إن "الدعوات ليست صادرة عن أطراف جدية قادرة على تعبئة الشارع، والوضع في البلاد ليس صالحا للتعبئة، بحكم الحجر الصحي (جراء جائحة كورونا) وشهر رمضان وقدوم الصيف ."

وأردف: "المقارنة بما وقع في اعتصام باردو تبدو في غير محلها"، في إشارة إلى اعتصام، خلال صيف 2013، أمام البرلمان، دعا إليه ائتلاف "جبهة الإنقاذ" بين حزب نداء تونس، بقيادة (الراحل) الباجي قايد السبسي، وأحزاب معارضة لحكم "الترويكا"، منها ائتلاف الجبهة الشعبية، بهدف إسقاط الحكومة.

و"الترويكا" هي ائتلاف بين حركة "النهضة" (إسلامية) وحزبين علمانيين، هما "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، حكم تونس من ديسمبر (كانون أول) 2011 إلى يناير (كانون ثاني) 2014.

وأوضح أن "اعتصام باردو كان له سياقا خاصا به، ففي صيف 2013 كان يوجد استقطابا حادا بين الحكومة وأطراف في المعارضة، التي كان يقودها السبسي بشكل ناجح نسبيا، ويُعتبر شخصية جامعة للمعارضة آنذاك".

وزاد بقوله: "صيف 2013 كان صيف عمليات إرهابية كبيرة، وتمّ اغتيال محمد البراهمي"، وهو معارض قومي ناصري اغتيل أمام منزله في مدينة أريانة بالعاصمة، في 25 يوليو/ تموز.

وشدد الكحلاوي على أنه "لا يمكن المقارنة بوضع 2013، ومن يريد استنساخ 2013 هو خارج السياق وخارج الزمن."

أقصى اليسار مع المنظومة القديمة

بحسب متابعة ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي، قال الكحلاوي: "هناك أطراف لها خلفيات مختلفة ومتناقضة، هناك من هو مع المنظومة القديمة (نظام زين العابدين بن علي)، مثل عبير موسى، وأطراف قريبة سابقا من نداء تونس".

واستطرد: "وهناك مجموعة ثانية هي خليط من بعض أنصار قيس سعيّد ومن يتقرب منه وأناس قريبون من أوساط اليسار الراديكالي وجودهم الأساسي على الفيسبوك".

وبشأن المجموعة اليسارية، قال الكحلاوي "هذه المجموعة لها توجه مختلف، وتعتبر أن الرئيس يدفع إلى مقاومة جدية للفساد لكن الحكومة ليست في نفس التوجه."

واعتبر أن التقاء أنصار المنظومة القديمة ببعض أنصار سعيد هو "التقاء موضوعي غير عضوي.. وأنصار سعيد من أقصى اليسار (اليسار الراديكالي) تأثيرهم الآن غير موجود على الرئيس."

وتابع: "ربما بعضهم كان مع سعيد في فترة ما، لكنهم الآن ليسوا موجودين في القصر، وربما هذا أحد أسباب تذمرهم، فهم يبحثون عن دور، وهي مجموعة وقع إبعادها إلى خارج القصر بشكل تدريجي، ومنذ شهرين لم يعد لهم أي دور مع قيس سعيد".

كما رأى الشعيبي أن "الجهة السياسية المنادية بهذه الثورة تتشكل من بعض الفلول من النظام القديم، التي لم تمتلك الشجاعة الكافية للقيام بمراجعات حقيقية وعميقة، وبعض القوى الأيديولوجية (اليسارية)، التي تغلب التناقض الأيديولوجي على المصلحة الوطنية، وبعض مجموعات الضغط الإعلامي والمالي السياسي التي تعمل على احتكار المشهد الإعلامي والمصالح الاقتصادية في البلاد".

أجندة خارجية

وبشأن احتمال وجود دعم تتلقاه هذه الدعوات من أطراف خارجية بهدف إجهاض الثورة التونسية، قال الشعيبي: "للأسف لم يعد هناك أي مصوّغ للفصل بين الداخلي والخارجي في التأثير على الشأن السياسي التونسي ."

وأضاف: "هناك جبهة سياسية وأيديولوجية تتضرر من الديمقراطية، ولا تستطيع الحفاظ على مصالحها في ظل العودة إلى الشعب والإرادة الشعبية".

وأردف: "لذلك تجتمع هذه القوى ذات التأثير الإقليمي لتلتقي مع لوبيات فساد داخلي إعلامي وسياسي ومالي، محاولة الرجوع بالوضع السياسي في تونس إلى ما قبل ثورة 17 ديسمبر (كانون أول) 2010 (بداية الثورة على زين العابدين بن علي)، ولو بعناوين جديدة ومسميات مختلفة".

كما شدد الكحلاوي على وجود جهات خارجية تريد الاستثمار في الفوضى لإعادة تونس إلى أوضاع استبدادية.

وقال إن "جهات خارجية مؤكد وجودها لاستثمار هذه الأوضاع، وهي تنتظر أوضاع مناسبة في أشهر قادمة، ربما نوفمبر (تشرين أول) ديسمبر (تشرين ثاني) لتستغّل أحداثًا معينة للركوب عليها".

واعتبر أن "وجود جهات خارجية تريد حاليا التحرك يدل على أنها لا تقرأ الساحة جيدا الآن".

ونفى الكحلاوي أن "يكون الرئيس قيس سعيد يلتقي في أجندة خارجية مع عبير موسى.. الرئيس لا يمكن وضعه في وضعية عبير موسى في السياسة الخارجية."

وأوضح أن "قيس سعيد له هاجس ألا يكون مع قطر ولا مع الإمارات، وهو يبحر بين الموجتين، وهذا يتسبب له في غضب الطرفين. وهو يريد أن يظهر نفسه دائمًا في الوسط."

واستطرد: "أما عبير موسى فتلتقي مباشرة مع السياسة الإماراتية، وضروري أن تبحث الحكومة عن ارتباطاتها حتى من الناحية الأمنية، وهذا غير مستبعد أن يُفتح في المستقبل".

ومضى قائلا إن "الرئيس يدعم الحكومة رغم تحفظاته حول أدائها الاجتماعي، وفي خصوص مسألة مكافحة الفساد فهو يرى أنه بالإمكان أن تكون الحكومة أكثر قوة".

رفض لدعوات الفوضى

وحول موقف الأحزاب الكبرى من الدعوات إلى التظاهر وحل البرلمان، قال الشعيبي إن "المواقف كانت واضحة إلى حد كبير في رفض هذه الدعوات إلى الانقلاب على المشهد الديمقراطية الحالي من طرف طيف واسع من الأحزاب السياسية والشخصيات الاعتبارية".

وأضاف: "رغم التناقضات بين هذه القوى والأطراف، سواء داخل منظومة الحكم أو حتى في المعارضة، إلا أنه كان هناك ما يشبه الإجماع على رفض استهداف مجلس النواب، باعتباره السلطة الأصلية، ورفض استهداف الحكومة، باعتبارها حكومة شرعية."

وأدانت حركة "النهضة" (عضو الائتلاف الحاكم/إسلامية/ 54 نائبا)، الجمعة الماضي، ما اعتبرتها "حملات مشبوهة تستهدف برلمان البلاد ورئيسه"، راشد الغنوشي (رئيس الحركة).

ورأت الحركة، في بيان، أن تلك الحملة "تسعى إلى إرباك المسار الديمقراطي التونسي، وإضعاف مؤسسات الدولة في ظل تحديات صحية واقتصادية استثنائية".

وعبّرت عن استنكارها لـ"التصريحات السياسية والممارسات التي تغذي الخلافات وتضعف مجهود الدولة في السيطرة على وباء كورونا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي".

فيما دعت حركة "تحيا تونس" (عضو الائتلاف الحاكم/ ليبرالية/ 14 نائبا)، بقيادة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، إلى فتح تحقيق بشأن ما اعتبره "تحركات مشبوهة على مواقع التواصل تنادي بالفوضى والنزول إلى الشارع".

واعتبرت القيادية بالحزب، هالة عمران، في تصريح إذاعي الثلاثاء، أن تلك الدعوات تهدف إلى إسقاط النظام والحكومة ومفهوم الدولة.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın