"شارلي إيبدو".. العنصرية تكتسي برداء السخرية في زلزال تركيا (مقال رأي)
مقال للبروفيسور فريد حافظ في قسم الدراسات الدولية بجامعة جورج تاون الأمريكية: - في اليوم الأول للزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، نشرت مجلة شارلي إيبدو كاريكاتير سخرت خلاله من خسائر الزلزال
Istanbul
فريد حافظ* / الأناضول
مقال للبروفيسور فريد حافظ في قسم الدراسات الدولية بجامعة جورج تاون الأمريكية:- في اليوم الأول للزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، نشرت مجلة شارلي إيبدو كاريكاتير سخرت خلاله من خسائر الزلزال
- الاستهزاء بضحايا أحد أكبر الزلازل في التاريخ الحديث يُظهر موقف فرنسا في عدم إضفاء الطابع الإنساني على المسلمين
- الرسم يُظهر اختفاء الرادع الإنساني في "شارلي إيبدو" عندما يتعلق الأمر ببلدان ذات غالبية سكانية مسلمة، حتى في الكوارث الطبيعية
سلط البروفيسور في قسم الدراسات الدولية بجامعة جامعة جورج تاون الأمريكية فريد حافظ، الضوء على النهج الذي تتبعه مجلة "شارلي إبدو" الفرنسية إزاء المسلمين، بعد نشرها كاريكاتيرا يسخر من خسائر زلزال تركيا وسوريا.
واختار حافظ، وهو أحد محرري التقرير الأوروبي السنوي حول الإسلاموفوبيا، عبارة "لست شارلي إيبدو" في عنوان مقال خص به الأناضول، وتناول فيه دلالات التمييز في المجتمع الفرنسي بحق الإسلام والمسلمين وتعميق الإسلاموفوبيا.
وفجر الإثنين، ضرب زلزال بلغت قوته 7.7 درجات على مقياس ريختر كلا من تركيا وسوريا، أعقبه آخر بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية، ما خلّف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
** تداعيات التمييز
رغم أن المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو"، تسببت في جدل كبير بسبب إعادة نشر رسوم كاريكاتورية تسيء للنبي محمد، إلا أنها حظيت بتأييد واسع بعد تعرضها لهجوم أدى إلى مقتل 12 شخصا.
فبعد تعرض مقر المجلة للهجوم عام 2015، تظاهر ناشطون في أوروبا وبعض الدول، للدفاع عن حرية التعبير، وهتفوا "Je suis Charlie" (أنا شارلي) تضامنا مع المجلة والقتلى الذين سقطوا نتيجة الهجوم.
هذا التضامن من الناشطين حول العالم جاء رغم امتلاك المجلة لتاريخ طويل في مجال المنشورات العنصرية، بما في ذلك التمييز ضد المسلمين.
ففي اليوم الأول للزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، نشرت مجلة "شارلي إيبدو" تحت عنوان "كاريكاتير اليوم"، رسما سخرت خلاله من خسائر الزلزال.
الكاريكاتير يصور مبان متداعية وعلى وشك الانهيار إضافة إلى أنقاض وسيارة مقلوبة وأكوام من الحطام، وكتب فوقه: "زلزال في تركيا"، وتحته: "لا داعي لإرسال دبابات".
إن هدف أي رسام كاريكاتيري من خلال "السخرية" هو انتقاد مراكز القوة والسلطة في أي بلد بأسلوب فكاهي ومعبر.
لكن الاستهزاء بضحايا أحد أكبر الزلازل في التاريخ الحديث، الذين لا يزالون تحت الأنقاض، يُظهر في الواقع إلى أي مدى وصل موقف فرنسا المتمثل في عدم إضفاء الطابع الإنساني على المسلمين.
وعلى ما يبدو، فإن هذا النهج غير الإنساني تبناه المجتمع الفرنسي أيضا.
فبينما فقد آلاف الأشخاص حياتهم في الزلزال، واستمر سقوط ضحايا جراء الحرب المستمرة في سوريا منذ سنوات، تواصل "شارلي إيبدو" السخرية من عشرات آلاف الضحايا بدون أي هدف بناء.
** "اختفاء الرادع الإنساني"
الكاريكاتير يُظهر في الواقع كيف اختفى الرادع الإنساني في مجلة "شارلي إيبدو" عندما يتعلق الأمر ببلدان ذات غالبية سكانية مسلمة، حتى في أحداث كالكوارث الطبيعية.
يأتي ذلك بينما تحرص العديد من الدول الأوروبية على توفير الدعم لضحايا الزلزال وإرسال مساعدات مالية وعسكريين ومعدات لمساعدة آلاف الأشخاص الذين سكنوا العراء، وإنقاذ أولئك الذين ما زالوا تحت الأنقاض.
في الواقع، أستطيع القول إن هذا الكاريكاتير لم يكن نبيلا، إضافة إلى كونه استمرار لماضٍ ونهج متأصل في "شارلي إيبدو" يفيض بالعنصرية والتمييز.
كما يكشف الكاريكاتير عن نهج لا يستند إلى مقاربة إنسانية تجاه المسلمين وضحايا الزلازل، وهو ذات النهج الذي تحدوه الدولة الفرنسية التي تواصل الضغط على المجتمع المدني الإسلامي وغلق مؤسساته في فرنسا.
وفي هذا الإطار، لابد لي أيضا من الإشارة إلى أن فرنسا تتعمد استهداف والضغط على المنظمات غير الحكومية المناهضة للعنصرية التي تدافع فقط عن الحق في العيش كمواطنين متساوين.
** رفض إرسال المساعدات
من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين رسموا هذا الكاريكاتير يسيرون جنبا إلى جنب مع السياسيين اليمينيين المتطرفين الذين يوجهون انتقادات لاذعة لحكومتهم بسبب دعمها لضحايا الزلزال.
فعلى الرغم من أن الحكومة الفرنسية عرضت المساعدة لضحايا الزلزال، إلا أن بعض السياسيين اليمينيين طالبوا باريس بعدم إرسال أي مساعدات مالية للضحايا.
وفي الختام، أود التأكيد أن هذا الكاريكاتير ما هو إلا نتاج تقليد وفكر متأصل، يعتقد أنه محتكر للإنسانية، في الوقت الذي لا يعتبر فيه المسلمين بشرا.
كما أن الكاريكاتير لا يريد، ولو على مضض، إظهار التعاطف مع ضحايا الزلزال الذين فقدوا أرواحهم أو أحباءهم أو أطفالهم، ناهيك عن ضحايا الحرب في سوريا الذين ما زالوا يواصلون رحلة النزوح واللجوء لأكثر من عقد.
علاوة على ذلك، فهذا الكاريكاتير أظهر بشكل واضح أن الفنان فقد إنسانيته وتحول إلى كائن عنصري ومتغطرس وجاهل.
--------------------
* الأفكار والآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسة الأناضول التحريرية.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.