شهر لا يكفي.. تأجيل الانتخابات الليبية يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية (تحليل)
اقتراح المفوضية العليا للانتخابات تأجيل الرئاسيات إلى غاية 24 يناير/كانون الثاني 2022، يدعو للتساؤل حول ما إذا كان شهر واحد كاف لتجاوز العوائق التي منعت إجراء الانتخابات في موعدها.
Istanbul
إسطنبول/ الأناضول
- مجلس النواب يستعد لعرض خارطة طريق تحدد موعدا جديدا للانتخابات الرئاسية المؤجلة- مفوضية الانتخابات تقترح على مجلس النواب يوم 24 يناير كموعد جديد للانتخابات
- 32 مرشحا رئاسيا يدعمون تنظيم الانتخابات في 24 يناير كموعد "نهائي"، ويطالبون المفوضية بالإفراج عن قائمة المرشحين
- 3 أسماء جدلية عليها "فيتو" من أطراف محلية ودولية تجعل موعد الانتخابات مفتوحا على أكثر من سيناريو
- حل مفوضية الانتخابات اللجان الانتخابية مؤشر على أن الرئاسيات لن تكون قريبة
- المستشارة الأممية تجتمع بأعضاء من ملتقى الحوار السياسي ما قد يقلص من نفوذ مجلس النواب وانفراده بإعداد القوانين الانتخابية
أخفق كل من مجلس النواب الليبي والمفوضية العليا للانتخابات، في تنظيم الانتخابات الرئاسية بموعدها في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، رغم احتكارهما للعملية التشريعية والتنفيذية المتعلقة بالاقتراع، إلى جانب المجلس الأعلى للقضاء، الذي أنجز مهمته كاملة، لكن ليس بالشكل الذي أراده البرلمان والمفوضية، ما أجهض الانتخابات.
واقتراح المفوضية العليا للانتخابات تأجيل الرئاسيات إلى غاية 24 يناير/كانون الثاني 2022، يدعو للتساؤل حول ما إذا كان شهر واحد كاف لتجاوز العوائق التي منعت إجراء الانتخابات في موعدها.
وأعلن 32 مرشحا رئاسيا (غير مشهورين) دعمهم لهذا التاريخ كموعد نهائي للانتخابات، وطالبوا المفوضية بالإفراج عن قائمة المرشحين للرئاسيات.
فرغم اكتمال الإجراءات الفنية، وانتهاء مرحلة الطعون على مستوى القضاء، ولم يبق سوى إعلان مفوضية الانتخابات قائمة المترشحين، في 7 ديسمبر، والبدء في الحملة الانتخابية للمترشحين، قبل الدخول يوم 23 ديسمبر في الصمت الانتخابي الذي يسبق يوم الاقتراع، إلا أن رئاسة مجلس النواب تدخلت في الوقت بدل الضائع، وضغطت على مفوضية الانتخابات ومجلس القضاء، ونجحت في عرقلة الانتخابات، دون أن تُفرض عليها أي عقوبات دولية.
فالإجابة عمّا إذا كان تأجيل الانتخابات شهرا، كافيا لإجرائها، يتطلب فهم الأسباب الحقيقية التي حرمت مليونين ونصف مليون ناخب من اختيار رئيسهم بحرية لأول مرة منذ استقلال ليبيا في 24 ديسمبر 1951.
خاصة أن هناك من "يُرجح" تأجيل الانتخابات 3 أشهر، والبعض "يتحدث" عن 6 أشهر، بينما "يخطط" طرف ثالث لمرحلة انتقالية سادسة من 12 شهرا.
** شهر لا يكفي
أصبحت الكرة الآن في ملعب مجلس النواب، بعد تعذر إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر، حيث قرر، الخميس، تشكيل لجنة من 10 أعضاء مهمتها وضع خارطة طريق للانتخابات المقبلة، خلال أسبوع، وتسليمه لرئاسة البرلمان.
فمجلس النواب، الذي يترأسه المرشح الرئاسي عقيلة صالح، سيحتكر مجددا وضع خارطة طريق للانتخابات دون استشارة المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، إلا إذا تدخلت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، للضغط على مجلس النواب لاحترام الاتفاق السياسي وقرارات مجلس الأمن، المتعلقة بالتوافق بين المجلسين حول أهم القرارات والقوانين.
ويمكن إجراء الانتخابات خلال شهر واحد، في حالة اكتفى مجلس النواب بتعديل قانون انتخابات الرئيس، بالشكل الذي يسمح بمستوى تقاضي ثالث بدل اثنين (ابتدائي واستئناف) بما يسمح بالطعن مجددا على ترشح سيف الإسلام القذافي، وعبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة.
وإذ حسم جناح عقيلة صالح، مسألة تعديل تشكيلة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، بتولي رئيس إدارة التفتيش رئاسة المجلس بدلا من رئيس المحكمة العليا، فقد ينجح في منع الدبيبة والقذافي من الترشح للرئاسة.
وضمن هذا السيناريو الذي يقف وراءه كل من عقيلة واللواء المتقاعد خليفة حفتر، وبموافقة المرشح الرئاسي فتحي باشاغا، يمكننا الحديث أن مدة شهر كافية لإنجاز الانتخابات، شريطة ألا تعترض الأطراف المناهضة لهذا المعسكر بمختلف أطيافها، وهذا مستبعد.
وأبرز من سيعارض هذا المخطط: الدبيبة، وسيف الإسلام القذافي، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وصلاح بادي، قائد لواء الصمود (مصراتة)، وعدة كتائب في الغرب الليبي معارضة لترشح حفتر.
إذ سبق لمواطنين مناهضين لحفتر وسيف الإسلام القذافي أن اعتصموا أمام مقر مفوضية الانتخابات بطرابلس، رفضا لترشح الرجلين، وخلف هؤلاء كان يقف عدد من الكتائب المسلحة التي ثارت ضد نظام معمر القذافي في 2011، وقاتلت مليشيات حفتر منذ 2014، وأبدت استعدادها للتحرك ضد تنظيم الانتخابات إذا سمح لحفتر والقذافي بالترشح.
** الانتخابات البرلمانية أولا
أحد السيناريوهات التي من الممكن أن ترضي معظم الأطراف، أن تنظم الانتخابات البرلمانية أولا ثم الاستفتاء على الدستور وأخيرا الرئاسيات، كما تطالب عدة أطراف بينها المجلس الأعلى للدولة.
إذ اقترح المشري، أن تجرى الانتخابات البرلمانية في 15 فبراير/شباط المقبل، وهو تاريخ قريب من 24 يناير، ويمكن التوافق بشأنه إما بالتمديد أو التقليص.
ولكن الخلاف بشأن هذا السيناريو، اشتراط مجلس الدولة، أن يكون هناك توافق مع مجلس النواب بشأن القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي أقرت من طرف واحد، وأحيانا حتى بدون مصادقة النواب أو بلوغ جلسة التصويت النصاب القانوني.
ويتفق مع هذا الرأي رئيس حكومة الوحدة، الذي أوضح أن العملية الانتخابية تتطلب أولا دستورا دائما أو قاعدة دستورية، وثانيا قوانين توافقية تضمن عملية نزيهة. وثالثا ضمان القبول بالنتائج.
ولفت الدبيبة، إلى أن غياب قاعدة دستورية وقوانين توافقية "سبب فشل هذا الاستحقاق الآن".
وفي حالة وافق مجلس النواب على هذا الشرطين الأخيرين، فإنه من الاستحالة إنجاز الانتخابات في شهر وقد يتطلب الأمر 3 إلى 6 أشهر، في أحسن الأحوال، بالنظر إلى تجارب سابقة.
إلا أن مجلس النواب، يرفض تماما هذا السيناريو، الذي يحرمه من فرصة التحكم في "صناعة" الرئيس القادم، ويمنح هذه الفرصة للبرلمان المقبل.
بل اشترط مجلس النواب، في قانون الانتخابات البرلمانية، أن تجرى هذه الأخيرة بعد شهر من اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية.
وهذا الشرط قد يسمح لمجلس النواب للبقاء شهر إلى عدة أشهر وربما سنوات، بالنظر إلى صعوبة اعتماد نتائج انتخابات الرئاسة إذا فازت شخصية جدلية بالانتخابات على غرار حفتر مثلا، الذي قد يؤجل الانتخابات البرلمانية ما يطيل في عمر مجلس النواب، الذي تجاوز 7 سنوات، رغم أن فترة محددة بعام واحد فقط، لا تمدد إلا باستفتاء شعبي، وهو ما لم يحدث.
** مرحلة انتقالية سادسة
جميع السيناريوهات المتعلقة بتأجيل الانتخابات لشهر واحد، غير ممكنة إن لم نقل مستحيلة، لأن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تأجيلها مازالت قائمة، بسبب رفع عدة أطراف محلية وحتى دولية "فيتو" ضد أحد المرشحين الثلاثة؛ سيف الإسلام القذافي، خليفة حفتر، وعبد الحميد الدبيبة.
فسيف الإسلام القذافي يعترض عليه كل من أنصار حفتر وكتائب المنطقة الغربية والولايات المتحدة، وحتى محكمة الجنايات الدولية التي تطالب بتسليمه لها لمحاكمته على جرائم ضد الإنسانية.
وإزاحة سيف الإسلام، من قائمة المرشحين قد يثير غضب أنصاره خاصة في الجنوب، وأيضا روسيا المتواجدة على الأرض بفضل شركة فاغنر الأمنية، والتي سبق لها الاحتجاج علنا على إقصاء مفوضية الانتخابات له من الترشح قبل أن يعيده القضاء.
أما حفتر، فيعترض عليه المجلس الأعلى للدولة، وكتائب مصراتة والغرب الليبي، والثوار السابقون وعلى رأسهم صلاح بادي، وهددوا أكثر من مرة باللجوء إلى القوة لمنع انتخابات يترشح لها حفتر أو يفوز بها.
أما الدبيبة، فيعترض عليه حفتر ورئاسة مجلس النواب، وأيضا باشاغا، منافسه الرئيسي في الغرب الليبي.
وفي ظل صعوبة تأجيل الانتخابات دون حل أسباب تعطيلها، فإن حفتر وباشاغا ومعهم عقيلة، بدأوا تشكيل تحالف، قد يصل إلى سيطرتهم على السلطة وتقاسمها، وإزاحتهم للدبيبة عبر سحب الثقة منه من مجلس النواب، وتعيين رئيس حكومة جديد، والدخول في مرحلة انتقالية سادسة لمدة 12 شهر.
إلا أن المستشارة الأممية الأمريكية ستيفاني وليامز، قطعت الطريق أمام هذا السيناريو، وشددت على ضرورة إجراء "انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة".
كما التقت عددا من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، ما قد يفتح المجال لإعادة دوره، بدلا من مجلس النواب، الذي أدار التحضيرات للعملية الانتخابية بشكل "كارثي"، انتهى بتأجيل الانتخابات.
فالأجواء السائدة في ليبيا حاليا، لا توحي بأن البلاد مقبلة على انتخابات، خاصة بعد أن أمر رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح، بحل اللجان الانتخابية، ما يعني أن الانتخابات لن تكون خلال الشهر المقبل، خاصة في ظل الحشد العسكري لعدة أطراف في طرابلس.