في 3 أسئلة.. توتر الملاحة ببحر الصين الجنوبي (تحليل)
جوناثان فينتون-هارفي، باحث وصحفي يركز على الصراع والجغرافيا السياسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمتعلقة في المقام الأول بمنطقة الخليج..
Istanbul
اسطنبول/ جوناثان فينتون-هارفي/ الأناضول
عبر ثلاثة أسئلة تحليلية، يقيّم الباحث الصحفي جوناثان فينتون-هارفي أهمية بحر الصين الجنوبي، والبلدان التي لها مطالبات إقليمية هناك، والنتائج المحتملة.
لماذا بحر الصين الجنوبي مهم؟
كطريق تجارية استراتيجية تستضيف الجزء الأكبر من التجارة العالمية، حظي بحر الصين الجنوبي باهتمام أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين، وربط المحيطين الهندي والهادئ عبر "مضيق ملقا"، زاد من أهميته خلال السنوات الأخيرة.
ويقع مضيق ملقا في جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية، ويصل بين بحر أندمان في المحيط الهندي من جهة الشمال الغربي وبين بحر الصين من جهة الجنوب الشرقي.
في الوقت نفسه، أدت مطالبات الصين الإقليمية والتوسع البحري في بحر الصين الجنوبي إلى إشعال التوترات مع جيرانها، بما في ذلك الفلبين وفيتنام وتايوان وماليزيا وبروناي.
وبالاستعانة بمبررات تاريخية، سخرت بكين سجلات عمرها آلاف السنين لتعزيز تأكيداتها الإقليمية.
ومن أجل مصالحها الاقتصادية، تسعى الصين بنشاط إلى تعزيز طرقها البحرية وزيادة وارداتها النفطية عبر بحر الصين الجنوبي.
وإضافة إلى دورها كمنطقة صيد حيوية، فإن المنطقة غنية بالموارد الطبيعية، ويُتوقع احتوائها على كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي.
وأقامت الصين منصة نفطية جنوب جزر باراسيل، وهي خطوة أثارت مخاوف بين الدول المجاورة.
وبحر الصين الجنوبي متفرع من المحيط الهادي، وتنبع أهميته الاستراتيجية من عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية من مياهه.
ومنذ أعوام طويلة، تتنازع كل من الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي، فضلا عن الصين، على السيادة على بحر الصين الجنوبي، وسط تصاعد التوترات في الأعوام الأخيرة.
وتدعي بكين أن 80 بالمئة من بحر الصين الجنوبي يقع ضمن مياهها الإقليمية، فيما تتهمها الولايات المتحدة الأمريكية بـ "عسكرة المنطقة".
كما أن التنافس التكنولوجي يلعب دوراً أيضا؛ فتايوان التي تدعي الصين أنها جزء من أراضيها، هي مركز تصنيع مهم للدول الغربية، وخاصة في إنتاج أشباه الموصلات.
وأصبح الخلاف حول مكانة تايوان أكثر سخونة وسط محاولات الولايات المتحدة منع وصول الصين إلى هذه الرقائق المتقدمة.
في السياق الأوسع لتنافسهم التكنولوجي، هناك العديد من الكابلات الموجودة تحت البحر والتي تعد بمثابة العمود الفقري لاتصال الإنترنت العالمي.
هذا العام، واصلت الصين تطوير شبكة الكابلات الخاصة بها، والتي تربط آسيا وأوروبا، لتحدي عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة مثل ألفابت، وأمازون، وميتا، ومايكروسوفت، الذين يتحكمون حاليًا في معظم هذه الكابلات.
ما الذي يحدث ببحر الصين الجنوبي؟
أدت المواجهة الأخيرة بين الصين والفلبين المدعومة من قبل الولايات المتحدة إلى تصعيد التوترات الإقليمية.
ومؤخراً، اعترضت سفن صينية قاربًا فلبينيًا كان يحمل إمدادات لجنود فلبينيين متمركزين في جزر سبراتلي ببحر الصين الجنوبي.
وقامت 3 طرادات تابعة للبحرية الصينية، بإطلاق خراطيم المياه لرش سفن خفر السواحل الفلبينية، وفقًا لصور ولقطات مصورة نشرتها الفلبين.
وسط توترات طويلة الأمد، تجاهلت الصين حكماً أصدرته لاهاي قدمته الفلبين في عام 2016، والذي قال إن الصين ليس لها حق تاريخي في البحار.
كما شهدت فيتنام مناوشات مع الصين في السنوات الأخيرة، إذ سعى الرئيس الفلبيني بونج بونج ماركوس، إلى تعزيز العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة في فترة انقطاع عن سلفه، رودريغو دوتيرتي، الذي أراد تقليل اعتماد الفلبين على المساعدة العسكرية الأمريكية.
كثيراً ما أدانت الولايات المتحدة تصرفات بكين وسعت إلى ردعها من خلال التعاون العسكري مع جيران الصين.
وأجرت دول أوروبية مثل المملكة المتحدة وفرنسا دوريات بحرية في بحر الصين الجنوبي لضمان حرية الملاحة للتجارة، مع محاولة منع العداء المفرط تجاه الصين.
بينما ما تزال الصين تحاول تأكيد وجودها إقليمياً، فإنها قد تدفع الفلبين أيضا للتخلي عن النفوذ الأمريكي، حيث إنها تهدف منذ فترة طويلة إلى إخراج الوجود العسكري لواشنطن في المنطقة والوفاء بمطالبها الإقليمية.
وسط هذه الحرب الكلامية، تشجع الصين الفلبين على الدخول في حوار، ومن المتوقع إجراء محادثات لإيجاد أرضية مشتركة بشأن هذه القضية الخلافية.
ما مدى احتمالية حدوث صراع؟
أعربت كل من مانيلا وبكين عن رغبتهما في تهدئة التوتر الأخير؛ ومع ذلك، من الواضح أن طموحات الصين ومحاولات واشنطن لدعم النظام الإقليمي الذي تقوده ما زالت من القضايا البارزة.
ورغم الخلافات الإقليمية، نجحت الصين بتنمية العلاقات الاقتصادية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في السنوات الأخيرة، ما قد يعقد جهود الولايات المتحدة لتشكيل تحالف ضد الصين، رغم أن دول آسيان تبنت الدعم العسكري الأمريكي.
ومع ذلك، ما تزال هناك مخاوف من أن العسكرة المستمرة يمكن أن تؤدي عن غير قصد إلى نزاع عرضي.
وقد أثبتت حوادث متعددة، مثل اتهام الولايات المتحدة لسفينة بحرية صينية في يونيو/ حزيران الماضي بإجراء مناورات "غير آمنة" قرب مدمرة أمريكية في مضيق تايوان.
حتى لو اندلع الصراع، فمن المرجح أن تعمل الصين والولايات المتحدة على تجنب الانزلاق المباشر في حرب شاملة، فكلاهما لديهما ترابط اقتصادي عميق ويتفهمان الآثار الكارثية لمثل هذا الصراع.
ويمكن لرابطة دول جنوب شرق آسيا أن تلعب دورا محوريا في تسهيل التعاون بين دول المنطقة، وقد يدعم حوار الصين معهم ذلك.
في النهاية، سيحدد دور الصين والولايات المتحدة مسار قضية بحر الصين الجنوبي.
وتأتي هذه التطورات، على خلفية حوار العام الجاري، حيث سعى مسؤولون رفيعو المستوى من كلا البلدين إلى إيجاد أرضية مشتركة حول مختلف القضايا.
ونظرا للمنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين عبر مختلف المجالات، والتي تمتد من النفوذ الاقتصادي إلى المنافسة التكنولوجية، فمن الضروري الانخراط في حوارات أكثر عمقًا.
نأمل أن تؤدي هذه الحوارات إلى تعزيز الثقة وإيجاد حلول وسط محتملة بشأن مثل هذه الأمور الخلافية.
** الأفكار والآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسة الأناضول التحريرية.