ماذا وراء تجميد محاكمة حفتر في الولايات المتحدة؟ (تحليل)
محكمة أمريكية جمدت المحاكمة إلى ما بعد الانتخابات الليبية للنأي بالقضية عن الضغوط السياسية واستغلالها بحملة الانتخابات
Istanbul
إسطنبول/ الأناضول
- محكمة أمريكية جمدت المحاكمة إلى ما بعد الانتخابات الليبية للنأي بالقضية عن الضغوط السياسية واستغلالها بحملة الانتخابات
- حفتر مستعجل للفوز بالانتخابات للحصول على حصانة رئاسية تحميه من المتابعات القضائية في الخارج
أخذت محاكمة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بالولايات المتحدة مَنحى آخرا عقب تجميد قاضية أمريكية محاكمته حتى انتهاء الانتخابات الليبية، بعدما أصدرت قرارا نهائيا بضرورة مثوله أمامها في 28 أكتوبر/تشرين أول الماضي.
وبررت ليوني برينكما، القاضية بالمحكمة الفيدرالية لشرق فرجينيا، قرارها بـ"التدخل السياسي من أطراف رسمية ليبية"، في القضايا الثلاثة التي رفعها 3 ليبيين ضد حفتر لارتكابه جرائم حرب بحق أقارب لهم، بحسب ناشطين، ونص القرار الذي اطلعت عليه الأناضول.
اعتبرت القاضية، مراسلات رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي (طلال الميهوب)، للمحكمة في 13 أكتوبر، "تدخلا سياسيا سافرا"، بطلبه دعم إجراء قانوني دفاعا عن حفتر، بحسب عصام أعميش، رئيس التحالف الليبي الأمريكي، الذي يساند محامي عائلات الضحايا.
وفي هذا السياق، لفت عماد الدين المنتصر، رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى أن محامي حفتر اعتبر مشاركة بعض الأطراف في جلسات استجواب "بالزووم" تدخلا في سير القضية من أطراف غير معلنة تملك توجها سياسيا.
كما تحدث أعميش، في تدوينة له، عن "سلسلة من بعض الأخطاء الإجرائية والتشابكات القانونية، بسبب حرص العديد من الأطراف المخلصة مدنيين ومسؤولين ليبيين وقانونيين من طرف ممثلي أسر الضحايا في الدفع بكل ما يملكون لتجريم من قتل أبناءهم وعائلاتهم".
وبغض النظر عن التفاصيل القانونية للقضية، فإن المسألة تتمحور حول رفض حفتر المثول أمام محكمة أمريكية بزعم امتلاكه حصانة رئاسية أو شبه رئاسية.
وبعد فشله في إقناع محكمة فرجينيا بهذه الحجة، لجأ دفاع حفتر، إلى مزاعم جديدة لتبرير عدم قدرة موكله على المثول أمام المحكمة، بالاستناد إلى رسالة مزورة من وزارة الدفاع تتضمن احتمال "تعرضه لحكم الإعدام أو السجن إذا أدلى بأسرار عسكرية"، الأمر الذي نفته وزارة دفاع حكومة الوحدة الليبية.
كما أرسل رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، خطابًا للمحكمة ينفي فيه مزاعم حفتر بأنه سيتعرض لاحتمال الحكم بالإعدام إن أفشى أسرارا عسكرية للمحكمة.
ومع دخول رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب، الموالي لحفتر، في خضم هذا الصراع القانوني، بمراسلته المحكمة الأمريكية، استشعرت القاضية برينكما، وجود ضغط سياسي رسمي من طرفي القضية، وقررت تجميدها إلى ما بعد الانتخابات الليبية المقررة الشهر المقبل.
لكن السبب الرئيسي الذي أشار إليه نص قرار المحكمة يتعلق بالتطورات السياسية في ليبيا، وتفاعلات الانتخابات الرئاسية التي ينوي حفتر الترشح لها.
فمن الواضح أن القاضية الأمريكية لا ترغب أن تُستخدم محاكمة حفتر في أي سجالات سياسية لصالح أي طرف في ليبيا، خصوصا مع إبداء اللواء المتقاعد رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
كما تفترض محكمة شرق فرجينيا أن الضغوط السياسية من الأطراف الليبية ستخفف عليها، بعد انتخاب رئيس وبرلمان جديدين، تنهي حالة الانقسام السياسي في البلاد، وهو أمر مستبعد في ظل المعطيات الحالية إلى أن يثبت العكس.
وقد يذهب البعض أن قرار المحكمة سياسي بامتياز لأنه يخدم رغبة حفتر في الترشح للرئاسة، إلا أن رئيس التحالف الليبي الأمريكي، نفسه لا يدعم هذه الفرضية، ويعتبر ربط قرار تجميد مسار القضية بمؤامرة سياسية دولية يستند إلى شواهد "كلها ضعيفة أو ظنية واهية".
** البحث عن حصانة رئاسية
رغم تجميد محكمة فرجينيا النظر في القضايا الثلاثة المرفوعة ضد حفتر، إلا أن الأمر لا يعني تبرئته أو إلغاء المتابعة القضائية وإنما تأجيلها، وقد يأخذ إصدار الحكم أشهرا طويلة نظرا لأن القضية جنائية ومتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان وجرائم حرب.
لذلك يسعى حفتر بكل السبل الممكنة للفوز برئاسة ليبيا، ما يمنحه حصانة رئاسية وعندها ستسقط عنه كل التهم المرفوعة ضده في الولايات المتحدة، وعددها - بحسب ناشطين ليبيين - 9 قضايا في كل من فرجينيا وواشنطن.
وهذا ما يفسر إصرار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الحليف السياسي لحفتر، على إصدار قانون الانتخابات الرئاسية، بدون تصويت النواب وبدون موافقة المجلس الأعلى للدولة، وعلى مقاس حفتر، وقبل الاستفتاء على الدستور بل وحتى قبل الانتخابات البرلمانية، مثلما يطالب به مجلس الدولة.
ومن شأن مقاطعة المنطقة الغربية أو جزء منها للانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر، خدمة مشروع حفتر في الفوز بكرسي الرئاسة، حتى ولو بنسبة مشاركة ضعيفة، أو مقاطعة جهة كاملة للانتخابات.
فشرعية ناقصة خير من لا شيء، بالنسبة لحفتر، الذي يبدو متحمسا أكثر من غيره لهذه الانتخابات، رغم تراجع شعبيته بشكل كبير عقب هزيمته العسكرية خلال عدوانه على العاصمة طرابلس (2019-2020).
فمهما تأجلت محاكمة حفتر في الولايات المتحدة، فإن إدانة حفتر بارتكاب جرائم حرب قد تكون مسألة وقت فقط، بالنظر إلى حجم الجرائم والوثائق والشهود التي تراكمت في سجل حفتر منذ 2014، خاصة وأن عدة منظمات حقوقية ودولية فتحت تحقيقات ميدانية بهذه الجرائم، ووثقت بعضها.
** التقاط أنفاس
تجميد القضية من شأنه أن يفسح المجال لحفتر بالتقاط أنفاسه والتركيز على حملته الانتخابية، خاصة أن إدانته بجرائم حرب من أي محكمة محلية أو أجنبية كان كفيلا بحرمانه من الترشح للرئاسة.
إذ أن أسر الضحايا أصحاب الدعاوى القضائية وداعميهم، كانوا ينتظرون فرض محكمة شرق فرجينيا غرامة مالية كبيرة على حفتر بعد تغيبه عن حضور جلسة المحاكمة نهاية الشهر المنصرم، لكن ذلك لم يحدث.
إذ أن أي إدانة لحفتر ولو كانت بغرامة رمزية أو مثوله أمام المحكمة بصفته متهمًا بارتكاب جرائم حرب، كان سيؤثر على حظوظه في الانتخابات، لأنه سيفقده هيبته أمام الناخبين.
كما يمكن لبقية المرشحين استخدام محاكمته في تهم متعلقة بانتهاكات لحقوق الإنسان، لمهاجمته خلال الحملة الانتخابية وإضعاف فرصه في الفوز.
وهو ما يفسر محاولة القاضية الأمريكية النأي بمحكمة فرجينيا من استغلال محاكمة حفتر في مناكفات سياسية خلال الحملة الانتخابية الليبية.
لكن تجميد القضايا الثلاثة المرفوعة ضده في فرجينيا، لا يعني بالضرورة تجميدها في واشنطن، كما يملك محامو المدعين فرصة للطعن في قرار المحكمة.
ومن الناحية السياسية، لا توجد مؤشرات قوية بإجراء الانتخابات في موعدها دون الطعن في نتائجها، بالنظر إلى إصرار المجلس الأعلى للدولة، ومن ورائه عمداء بلديات وأعيان من المنطقة الغربية وكتائب مسلحة رافضة لقوانين الأمر الواقع التي يريد رئيس مجلس النواب فرضها على الجميع.
خاصة وأن المشري، أكد أن حفتر لن يكون رئيسا للبلاد، كما عبر عمداء بلديات وأعيان من المنطقة الغربية رفضهم لترشحه رفقة سيف الإسلام القذافي، لارتكابهما جرائم حرب.
لذلك فإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها غير مؤكد، وإن أجريت فقد لا تشارك فيها كل أقاليم البلاد، وسيتم الطعن في نتائجها، خاصة وأن مجلس الدولة أعلن اتخاذه الإجراءات اللازمة للطعن في قوانين الانتخابات لدى الدائرة الدستورية للمحكمة العليا الليبية حتى قبل إجراء الانتخابات.
وبناء عليه فإن انتظار المحكمة الأمريكية إجراء الانتخابات في ليبيا لاستئناف محاكمة حفتر قد يطول شهورا، وإصدار الحكم قد يأخذ وقتا ليس بالقصير، خصوصا إذا علمنا أن أول قضية رفعت ضده كانت في 2019.