أفريقيا

عاملات البناء في بوروندي.. سواعد تتحدّى الموت

- منهن من لم تترك له الأزمة التي تهز البلاد من خيار سوى العمل في حظائر البناء، ومنهن من اخترن هذا المجال لتراجع خصوبة الأراضي الزراعية في البلاد، بحسب شهادات للأناضول

Leila Thabti  | 01.02.2016 - محدث : 01.02.2016
عاملات البناء في بوروندي.. سواعد تتحدّى الموت

Burundi


بوجمبورا/إيفان ركوندو/الأناضول

نساء بورونديات فقيرات وأمّيات، غير أنّ عزيمتهن تتحدّى المألوف ورائحة الموت المنبعثة من كلّ شبر في بلدهن الغارق، منذ 10 أشهر، في أتّون أزمة سياسية وأمنية خانقة.

سواعدهن أضحت مفتولة بفعل قسوة العمل في حظائر البناء ورفع الحجارة وأكياس الرمل وضربات المطارق وثقل الخشب، ونظراتهن تنصبّ بثبات على عملهن، غير آبهات بصوت الرصاص المتدفّق من أسلحة الكلاشينكوف والتفجيرات المدوّية، بين الحين والآخر، غير بعيد عنهن.

سيّدات استثنائيات يتحدّين الموت المتربّص بهن في كلّ لحظة، ونظرات الاستغراب النابعة من النظرة "النمطية" التي تحصر المرأة في الأعمال المنزلية. واجهة صلبة تخفي خلفية نفسية واجتماعية على غاية الهشاشة، فبين النظرات التي ترمقهن من المارة وبين قسوة العمل الذي يقمن به، تنساب أيامهن مثقلة بألمهن، وكلّ أملهن أن يتمكنّ من البقاء على قيد الحياة، في بلد يعيش في دوامة العنف اليومي.

كانديد ميناني، بوروندية في العقد الخامس من عمرها، قالت إنها اضطرت لممارسة هذه المهنة الشاقة بعد موت زوجها، حيث وجدت نفسها مجبرة على تدبّر أمرها من أجل "الحصول على ما يسدّ رمق أطفالها الخمسة"، على حدّ قولها.

كانديد التي تعمل في حظيرة للبناء على مستوى طريق بوجمبورا- رومنج جنوب العاصمة البوروندية بوجمبورا، وتقيم في بلدة "موييرا" الواقعة على الجبال المطلّة على العاصمة، أضافت للأناضول، إنها تعمل من أجل تعويض زوجها على أحسن وجه، وهو الذي كان يعمل نجّارا في حظائر البناء، ويجاهد من أجل توفير لقمة العيش لعائلته، إلى أن اختطفه "مجهولون" منذ بضعة أشهر، لتنقطع أخباره عن الزوجة بشكل نهائي.

وبما أنّ الحقول باتت غير قادرة –لوحدها- على توفير إيرادات تفي حاجة أسرتها، قررت كانديد ممارسة مهنة زوجها، لتتمكّن من كسب 12 دولارا أسبوعيا. مبلغ قالت إنّه "يساعدني على دفع نفقات دراسة أطفالي وابتياع ملابس لهم"، داعية بقية الأرامل إلى المسك بزمام الأمور وتقرير مصيرهن بأنفسهن.

كانديد لا تحتكر المعاناة لوحدها، فأمثالها كثيرات، ويولاند واحدة منهن. فهذه السيدة التي تجاوزت عقدها الثالث، وهي أمّ لـ 3 أطفال، وجدت نفسها أيضا مضطرّة للعمل في الحظائر، بعد أن اختطف مجهولون زوجها، في شهر يوليو/تموز الماضي، ليتم العثور على جثته بعد يوم من اختطافه، في مصبّ للمياه بأحد أحياء بوجمبورا التي تشهد، منذ أبريل/ نيسان الماضي، احتجاجات ضد ترشح الرئيس بيير نكورونزيزا لولاية رئاسية ثالثة.

يولاند قالت للأناضول: "جئت إلى هنا لطلب العمل، لأتمكن من تعليم أبنائي، ومن حسن الحظ أنهم يمنحون الأولوية للنساء"، لافتة إلى وجود أكثر من 25 أرملة في الحظيرة التي تعمل فيها.

وعلاوة على الأرامل، تضمّ حظائر البناء المنتشرة في بوجمبورا فتيات يتيمات، اضطررن للعمل لإعالة أسرهن، على غرار إيفيلين، والتي وجدت نفسها فجأة، في 2007، مسؤولة عن عائلتها، إثر مقتل والدها العسكري، في 2005، في مواجهات ضد متمردين.

يداها النحيلتان تخلطان الإسمنت والرمال، وتقاطيعها الشاحبة تشي بقسوة ما تقوم به، ومع ذلك، إلتقطت أنفاسها لتتحدّث للأناضول قائلة: "بعد عامين من مقتل والدي، فارقت أمي الحياة تاركة لي أختين وأخا، وباعتبار أنني الأخت الكبرى في العائلة، فقد المؤهلة الرئيسية لتعويض والديّ".

اضطرّت إيفلين لترك مقاعد الدراسة، والتفرّغ للعمل ورعاية أختيها. "بدأت كبائعة غلال"، تتابع، "قبل أن يندلع حريق في السوق المركزي ببوجمبورا، فكان أن توجّهت للعمل في حظائر البناء، وحاليا أتلقّى دولارين في اليوم، لإطعام أخواتي، في حين يتكفل أخي بدفع إيجار المنزل".

ولئن وجدت العديد من النساء البورونديات أنفسهن مجبرات على العمل في مجال البناء، لعدم توفّر حلول أخرى، جراء الأزمة التي تعصف بالبلاد، إلاّ أنّ بعضهن تخلّين بمحض إرادتهن عن المجال الزراعي الذي كن يمتهن، وتوجّهن لقطاع البناء، نظرا لعدم خصوبة العديد من الأراضي الزراعية، في السنوات الأخيرة.

أديلاييد نيوهير قالت للأناضول، وهي تحمل معولا بيديها، أنّ "الأراضي كانت خصبة في الماضي، حيث تنتج محاصيل كافية، نخصص جزءا منها للاستهلاك العائلي، ونبيع الجزء المتبقي للحصول على المال. لكن اليوم، لم تعد الأراضي خصبة، في حين أن الأفواه المفتوحة التي تنتظر من يطعمها ما انفكت تتزايد، ولذلك، فقد أصبح قطاع البناء، بالنسبة لنا، الحلّ الأنسب لتجاوز هذا الوضع".

من جانبه، كشف الخبير الديمغرافي، إيفاريست نغايمبيندا، في حديث للأناضول، أنّه من المنتظر أن يرتفع عدد سكان بوروندي، بحلول 2035، إلى 15 مليون نسمة، أي بكثافة سكانية متوقّعة بـ 540 ساكن في الكيلومتر المربّع الواحد.

وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية البوروندية، فإنّ النساء يمثّلن نحو 50٪ من إجمالي السكان، المقدر بـ 10 ملايين نسمة.

ومنذ الإعلان الرسمي، في 25 أبريل/ نيسان الماضني، عن ترشّح الرئيس نكورونزيزا، لولاية رئاسية ثالثة، يحظرها الدستور بحسب المعارضة، تعيش البلاد على وقع أزمة سياسية وأمنية خانقة، انطلقت باحتجاجات مناهضة لهذا الترشح، قبل أن تنزلق نحو أعمال عنف، أسفرت عن مقتل مئات الأشخاص وتشريد الآلاف، بحسب منظمات إنسانية.

(أعدّته للنشرة العربية: إيمان الساحلي)

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.