المرحلة الثالثة من حرب غزة.. عمليات أقل وجرائم أكثر (تقرير)
شهد قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة عمليات بأنماط عسكرية جديدة تختلف عن شكل المناورات البرية في 27 أكتوبر الماضي..
Gazze
غزة/ الأناضول
المحلل السياسي أسامة محمد، قال للأناضول:- تركز العملية على عدة مبادئ منها توفر معلومات استخبارية دقيقة، والاعتماد على السرعة والمفاجأة
- قد تعتمد هذه المرحلة على مبدأ كثافة النيران ودقتها وإغلاق فرص النجاة أمام المقاومة
- انسحاب الجيش من المناطق التي يتوغل بها خلال العملية العسكرية بالمرحلة الثالثة يشمل خروجه إما لخارج القطاع، أو نحو نقاط التمركز في محوري نتساريم وفيلادلفيا
المحلل السياسي إبراهيم المدهون، قال للأناضول:
- الهدف من المرحلة الثالثة التركيز على عمليات القتل والاغتيال بصورة أوسع دون توغلات برية قد تكلف الاحتلال المزيد من الخسائر
- هذه المرحلة تهديد وتلويح إسرائيلي يظهر أن الحرب ممنهجة
- إسرائيل تستغل هذه المرحلة لإبقاء العدوان بصور مختلفة للهروب من استحقاق وقفه الذي بات مطلبا دوليا
شهد قطاع غزة في الأسابيع القليلة الماضية عمليات إسرائيلية بأنماط عسكرية جديدة تختلف عن شكل المناورات البرية الكبرى التي بدأها الجيش في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
تشكّل هذا النمط الجديد بتنفيذ عمليات "مفاجئة" دون إنذار السكان بالإخلاء، يبدأها الجيش بقصف متعدد الأبعاد يشمل "الجوي والبري والبحري" بمشاركة قوات محدودة، فيما تتركز في منطقة جغرافية معينة.
ويزعم الجيش أن هذه العمليات تسعى لتحقيق أهداف محددة كان من بين ما أعلن عنه في بيانات سابقة له "تحرير الأسرى المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، أو القضاء على "بنية حماس العسكرية" التي يدعي الجيش أنها "تتعافي بعدما قام بتفكيكها خلال عمليته البرية الكبرى".
ومن المناطق التي شهدت هذه النماذج من العمليات كان مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط القطاع، وحي الشجاعية شرق مدينة غزة.
اقتراب المرحلة الثالثة
رغم أن الجيش الإسرائيلي ألمح عن اقتراب بدء المرحلة الثالثة دون إعلان رسمي عن ذلك، إلا أن المعطيات الميدانية واختلاف أساليب العمليات العسكرية قد تشير إلى الانتقال لمرحلة جديدة، وفق مختصون بالشأن العسكري.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن المرحلة الثالثة من الحرب تعني الانتقال من القصف المكثف لقطاع غزة إلى القصف المستهدف المستند إلى معلومات استخبارية.
وخلال الأشهر الماضية، أعلن مسؤولون إسرائيليون أن هذه المرحلة تشمل أيضا "التركيز على عمليات برية محددة، وتخفيض القوات واللجوء إلى الغارات الجوية، وإقامة منطقة عازلة على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة".
وكانت تقارير صحفية إسرائيلية قد قالت إن الجيش يعتزم إنهاء عملياته المكثفة في قطاع غزة وإبقاء قواته في محوري نتساريم وفيلادلفيا والمنطقة العازلة التي أنشأها على طول القطاع.
والثلاثاء، نقل موقع "واللا" العبري عن مصدر أمني قوله إن الجيش الإسرائيلي بدأ توسيع محور نتساريم من 2 إلى 4 كيلومترات تحضيرا للمرحلة الثالثة من الحرب.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد قال في تصريح سابق لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن الجيش "بصدد الانتقال من المناورة الحربية المكثفة إلى أنساق أخرى من العمليات الخاصة".
وتطرح عمليتي "النصيرات والشجاعية"، العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل قد انتقلت بالفعل إلى المرحلة الثالثة من القتال، وسط تساؤلات حول أهدافها وفي ظل انتقادات موجهة للمرحلتين الأولى والثانية.
وفي 8 يونيو/ حزيران الماضي، شن الجيش الإسرائيلي هجوما بريا وجويا وبحريا، مباغتا، على مخيم النصيرات وسط القطاع، لتحرير 4 رهائن، ما أسفر عن مقتل 274 فلسطينيا وإصابة أكثر من 698.
والخميس، شن الجيش عمليتين عسكريتين مباغتتين الأولى في حي الشجاعية شرق غزة، شاركت فيها قوات برية وجوية، وأسفرت عن مقتل عدد من الفلسطينيين وما زالت مستمرة، فيما زعم الجيش أنه "نفذ هذه العملية بناء على معلومات استخبارية لتفكيك البنية التحتية لحركة حماس التي لا تزال نشطة هناك".
وأما الثانية فكانت في منطقة المواصي شمال غرب مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، حيث شن الجيش هجوما جويا وبريا مباغتا على هذه المنطقة ومنطقة الشاكوش القريبة منها، قبل أن ينسحب منها بعد ساعات.
النمط العسكري الجديد
يقول المحلل السياسي أسامة محمد إن النمط العسكري الجديد يرتكز على "تنفيذ عمليات محددة وجراحية لاستهداف مواقع ومقدرات المقاومة من خلال شن هجوم جوي وبري وبحري".
وتابع للأناضول، وفق قراءة عمليتي النصيرات والشجاعية وبحسب ما هو معلن من الجانب الإسرائيلي: "تتركز العملية على عدة مبادئ ومحددات عسكرية منها توفر معلومات استخبارية دقيقة، والاعتماد على السرعة والمفاجأة، فضلا عن عنصر التكامل في عمليات إطلاق النار، والاعتماد على مبدأ قدر الضغط الذي يطبقه الجيش في الضفة والقائم على كثافة النيران ودقتها وإغلاق فرص النجاة أمام المقاومة".
وأوضح أن هذه المرحلة تشمل "إنجاز للعمليات العسكرية في وقت قصير يتراوح بين ساعات وأيام، على خلاف ما كان في المرحلة الثانية والتي تراوحت عملياتها العسكرية بين أسابيع وأشهر".
واستكمل قائلا: "كما أن انسحاب الجيش من المناطق التي يتوغل بها خلال العملية العسكرية في هذه المرحلة، يشمل خروجه إما إلى خارج القطاع، أو نحو نقاط التمركز في محوري نتساريم وفيلادلفيا، وليس البقاء داخل القطاع كما كان عليه الوضع في المرحلة الثانية".
الأثر والأهداف
وفي هذا الصدد، يقول محمد إن هذا النمط الجديد للعمليات هو "بمثابة استعاضة عن نمط العمليات في المرحلة الثانية والذي لم يفض لتحقيق إنجاز نوعي يحقق أهداف الحرب".
وتابع للأناضول: "هذا النمط مبني بحد ذاته على نجاح النمط العملياتي في المرحلة الثانية والذي كان من المفترض أن يؤدي لانهيار قوة فصائل المقاومة في قطاع غزة باستثناء بعض الجيوب والمقدرات والأفراد الذين سيبقون في أماكن مختلفة في القطاع ومن هنا يأتي دور المرحلة الثالثة في تصفية هذه الجيوب".
إلى جانب ذلك، يرى المحلل السياسي أن هذه المرحلة تهدف، وفق قراءته للمعطيات، إلى "تحقيق أهداف تكتيكة تتعلق باستعادة الأسرى واعتقال قادة ميدانيين في فصائل المقاومة وتحقيق السيطرة الأمنية بما يفضي في نهاية المطاف لخلق واقع أمني جديد يختلف عما كان عليه قبل 7 أكتوبر".
ويشكك محمد في قدرة الجيش على تحقيق أهدافه في هذه المرحلة، مرجعا ذلك إلى "فشله في المرحلتين الأساسيتين الأولى والثانية".
وقال: "المرحلة الثالثة هي مرحلة مكملة، ومن الصعب إنجازها ما لم تحققه المراحل السابقة، فضلا عن تزامنها مع تزايد الضغط العسكري في الجبهة الشمالية وتزايد الضغط الدولي على إسرائيل".
في السياق، يعتقد المحلل والكاتب السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون أن الهدف من المرحلة الثالثة من الحرب "العمل على تركيز عمليات القتل والاغتيال بصورة أوسع دون توغلات برية قد تكلف الاحتلال المزيد من الخسائر".
ويقول للأناضول: "المرحلة الثالثة تهديد وتلويح إسرائيلي يظهر أن الحرب ممنهجة وممرحلة، ففي المرحلتين الأولى والثانية استخدم الجيش عمليات التوحش والاغتيال وقصف المدنيين وتجريف المباني والتدمير؛ لم يكن هناك فرق بينهما".
ويرى أن المرحلة الثالثة "ما زالت غير مفهومة في ظل عدم وجود ملامح أو خطة لها"، قائلا "هي شعار إعلامي والاحتلال غير قادر حتى اللحظة على الانتقال من مرحلة لأخرى".
ورغم ذلك، إلا أن إسرائيل تستغل هذه المرحلة "لإبقاء العدوان بصور مختلفة للهروب من استحقاق وقف العدوان الذي بات مطلبا دوليا في ضوء عدم تحقيق الاحتلال أيا من أهدافه"، وفق قول المدهون.
قتل وفوضى
يعتقد المدهون أن المرحلة الثالثة قد ترفع فيها إسرائيل وتيرة "الاغتيال والاستهداف".
وأضاف: "قد نجد أن الاحتلال أيضا يحاول خلق نوع من الفوضى في القطاع من خلال تركيزه على استهداف القوى المدنية باختلافها سواء كوادر صحية أو بلدية أو رجال طوارئ وأمن لخلق حالة فراغ".
ويحذر المدهون من أن إسرائيل "قد تزيد من عمليات القتل المتعمدة بوتيرة أعلى".
التوصل لاتفاق
يرى الكاتب والمحلل السياسي أن هناك فرصة لقبول حركة حماس التوقيع على الورقة المقدمة؛ كمقترح لوقف إطلاق النار بغزة.
ويقول: "هناك احتمال أن يتم الاتفاق وتقبل حماس التوقيع على الورقة المقدمة، وأن يكون هناك وقف لجميع العمليات ولا ننتقل إلى هذه المرحلة (الثالثة)".
وفي حال حدوث ذلك، من المتوقع أن تكون الفترة المقبلة أخف حدة من حيث وتيرة العمليات والاغتيال والقتل.
وتقود قطر ومصر والولايات المتحدة وساطة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ونجحت في إقرار هدنة مؤقتة استمرت أسبوعا حتى مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أسفرت عن تبادل أسرى بين تل أبيب وحماس، وإدخال كميات شحيحة من المساعدات إلى القطاع المحاصر منذ 18 عاما.
ولم تثمر جهود مماثلة للدول الثلاث بعد في الوصول لهدنة أخرى، رغم اجتماعات متكررة بين باريس والقاهرة والدوحة.
وسبق أن وافقت الفصائل الفلسطينية في 6 مايو/ أيار الماضي على مقترح اتفاق لوقف الحرب وتبادل الأسرى طرحته مصر وقطر، لكن إسرائيل رفضته بزعم أنه "لا يلبي شروطها".
قبل أن يتحدث بايدن، في 31 مايو، عن تقديم إسرائيل مقترحا جديدا لاتفاق من 3 مراحل يشمل "تبادلا للأسرى" بأول مرحلتين، و"إدامة وقف إطلاق النار" بالمرحلة الثانية، و"إعادة إعمار غزة" بالمرحلة الثالثة.
وعلى عكس ما جاء في خطاب بايدن، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "لم أوافق على إنهاء الحرب في المرحلة الثانية من المقترح"، وإنما فقط "مناقشة" تلك الخطوة وفق شروط تل أبيب، مؤكدا أنه "يُصر على عدم إنهاء الحرب على غزة إلا بعد تحقيق جميع أهدافها".
ومنذ 7 أكتوبر الماضي، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي مطلق، خلفت أكثر من 125 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، ما أدخل تل أبيب في عزلة دولية وتسبب بملاحقتها قضائيا أمام محكمة العدل الدولية.
وتواصل إسرائيل حربها رغم قرارين من مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني المزري في غزة.