القدس/ عبد الرؤوف أرناؤوط / الأناضول

أثارت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الراهنة إلى المجر غضبا واتهامات في إسرائيل بالفساد وإهدار المال العام، إضافة إلى هجوم وانتقادات حادة من منظمتين حقوقيتين باعتبار الزيارة تحديا للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت؛ لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

ووصل نتنياهو فجر الخميس إلى المجر، الدولة العضو بالمحكمة، في أول زيارة إلى دولة أوروبية منذ صدور مذكرة الاعتقال، في تحدٍ من جانبه هو وبودابست للمحكمة.

ومنذ إصدار مذكرة الاعتقال، لم يغادر نتنياهو إلا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ليست دولة عضو في المحكمة، لكن في إسرائيل يستهجنون زيارته المجر في ظل الأوضاع الأمنية في البلاد.

** فساد وإهدار للمال

منتقدا الزيارة، قال عضو الكنيست السابق من حزب "العمل" إيتان كابل، لإذاعة "103 أف أم": "هذه وقاحة، إسرائيل تمر بأعمق أزمة في تاريخها، ووفقا لرئيس الوزراء، نحن في خضم حرب".

وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بقطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 165 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

وإضافة إلى عدوان عسكري دموي متواصل على الضفة الغربية المحتلة، تشن تل أبيب، بوتيرة شبه يومية، غارات جوية دموية على الجارتين سوريا ولبنان، في انتهاك لسيادة البلدين.

وبرفقة زوجته سارا، غادر نتنياهو إسرائيل مساء الأربعاء على متن الطائرة الحكومية "جناح صهيون"، وقالت القناة 12 العبرية إن الزيارة ستمتد حتى نهاية السبت، ليعود الأحد، رغم أن برنامج زيارته الرسمي يوم واحد.

وطبقا للبرنامج، الذي نشرته القناة، فإن الزيارة الرسمية تشمل لقاءات مع رئيس ورئيس وزراء المجر وعشاء رسميا.

وحسب القناة، فإن تحقيقا أجرته بالاشتراك مع "الحركة من أجل حرية المعلومات" (أهلية) أظهر أنه من بين تسع رحلات قام بها نتنياهو منذ بداية ولايته الحالية (ديسمبر/ كانون الأول 2022)، كانت سبع رحلات منها تتضمن عطلة نهاية الأسبوع.

وأوضحت أنه "باستثناء الحالات الاستثنائية، لا يشمل جدول زيارات رئيس الوزراء والوزراء العمل في عطلة نهاية الأسبوع، والإقامة خلال العطلات أكثر تكلفة".

وأضافت: "وفقا للتقارير، من المتوقع أن يشارك رئيس الوزراء خلال زيارته إلى المجر في رحلة بحرية على نهر الدانوب".

بدوره، قال زعيم المعارضة يائير لابيد، لإذاعة الجيش الأربعاء: "المجر ليست دولة مهمة بما يكفي لقضاء خمسة أيام فيها، ببساطة لا يوجد سبب" لقضاء هذه الفترة.

واستهجن السفر على متن الطائرة الحكومية "جناح صهيون"، قائلا: "كان بإمكانهم السفر على متن طائرة من شركة العال (الطيران الإسرائيلية) لتكون أرخص، الأمر كله فساد ومتعة".

"فضيحة وإهدار كبير للمال".. هكذا وصف الصحفي الإسرائيلي باراك بيري، عبر منصة "إكس" الأربعاء، زيارة نتنياهو إلى المجر.

وقال إن "رحلة نتنياهو وزوجته إلى المجر، بما في ذلك قضاء عطلة نهاية أسبوع فاخرة في فندق فاخر، إلى جانب عشرات من الموظفين وحراس الأمن، هي فضيحة وإهدار كبير للمال".

بيري انتقد قيام نتنياهو بزيارة إلى المجر (الدولة غير الفعالة على الساحة الدولية)، بينما تستمر الحرب (على غزة) والأسرى الإسرائيليين في القطاع الفلسطيني.

وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

على الجانب الإسرائيلي الآخر، أبرزت القناة "14" العبرية المؤيدة لنتنياهو، الخميس، أن زيارته إلى المجر هي الأولى إلى أوروبا منذ إصدار مذكرة الاعتقال بحقه.

** إهانة للضحايا الفلسطينيين

وتعهدت المجر بعدم تنفيذ مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو؛ ما أثار هجوما من مؤسسات حقوقية دولية، بينها منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش".

ودعت منظمة العفو، في بيان الأربعاء، المجر إلى اعتقال نتنياهو وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، منددة بموقف "قادة أوروبا والعالم".

وحذرت مديرة البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات بالمنظمة إريكا غيفارا روساس، من أن "أي زيارة يقوم بها (نتنياهو) إلى دولة عضو في المحكمة دون اعتقاله، ستمنح إسرائيل مزيدا من الجرأة لارتكاب جرائم أخرى ضد الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة".

وتابعت: "يجب اعتبار الزيارة محاولة سافرة لتقويض المحكمة الجنائية الدولية وعملها، وإهانة لضحايا هذه الجرائم الذين يتطلعون إلى تحقيق العدالة".

واستطردت: "تُظهر دعوة المجر ازدراءً للقانون الدولي، وتؤكد على أن من يواجهون اتهامات بارتكاب جرائم الحرب ومطلوبين للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية مرحب بهم في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي".

المنظمة شددت على أنه "يجب على قادة أوروبا والعالم إنهاء صمتهم المخزي وتخاذلهم، ومطالبة المجر باعتقال نتنياهو".

وأكدت أن زيارته للمجر "تستهزئ بمعاناة الضحايا الفلسطينيين جراء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة".

وأردفت: وكذلك "جرائم الحرب التي ترتكبها في مناطق أخرى من الأرض الفلسطينية المحتلة، ونظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) المترسخ ضد جميع الفلسطينيين الذين تتحكم في حقوقهم".

كما قالت منظمة "هيومان رياتس ووتش"، عبر بيان الثلاثاء، إنه "ينبغي على المجر منع رئيس الوزراء الإسرائيلي من دخول البلاد أو اعتقاله إذا دخلها".

ولفتت إلى أن الجرائم المتهم نتنياهو بارتكابها تشمل "تجويع المدنيين، وتوجيه هجمات متعمدة ضد السكان المدنيين، والقتل، والاضطهاد".

وأكدت مديرة العدالة الدولية في المنظمة ليز إيفنسون أن دعوة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لنتنياهو "تهين ضحايا الجرائم الخطيرة".

وتابعت: "السماح بزيارة نتنياهو، في انتهاك لالتزامات المجر تجاه المحكمة الجنائية الدولية، سيكون أحدث اعتداء من أوربان على سيادة القانون، ما يضيف إلى السجل الحقوقي المزري المجري".

ويعد الالتزام باعتقال وتسليم جميع الأفراد الصادرة بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، عند تواجدهم في أراضي الدول الأعضاء، مبدأ أساسيا في نظام روما الأساسي (المؤسس للمحكمة).

لكن منذ إصدار مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو أعلن قادة من الدول الأعضاء في المحكمة، بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمجر وبولندا، أنهم لن يعتقلوه إذا زار بلدانهم.

فيما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.