Gazze
غزة/ نور أبو عيشة/ الأناضول
عشرون عاما، قضاها الفلسطيني أحمد الفَلِيت، في السجون الإسرائيلية، في انتظار "معجزة" تخرجه منها، واليوم يعيش حرا طليقا بعد أن تحققت "المعجزة" قبل 10 أعوام.
ففي مثل هذا اليوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، تمثلت المعجزة بـ"صفقة شاليط"، أو صفقة "وفاء الأحرار" كما تطلق عليها حركة "حماس".
وكان الفليت يقضي حكما بالسجن مدى الحياة، وعقب انطلاقه إلى الحرية، أسس مركزا للأبحاث، في قطاع غزة.
ويقول الفليت (49 عاما) لمراسلة الأناضول، إن المركز الذي ذاسماه "نفحة لدراسات الأسرى والشؤون الإسرائيلية" كان حلما يراوده خلال سجنه، وتمكن من تحقيقه بفضل صفقة التبادل.
وبموجب صفقة التبادل، أفرجت حركة "حماس" عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي كان أسيرا لديها، مقابل الإفراج عن 1027 معتقلا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية.
وجرت الصفقة على مرحلتين، الأولى كانت في 18 أكتوبر، وتم خلالها الإفراج عن 477 أسيرا، بينما تم تنفيذ المرحلة الثانية في 18 ديسمبر/ كانون أول من نفس العام، وتم الإفراج خلالها عن550 أسيرا.
** تحقق المعجزة
لم يقطع "الفليت" الأمل بـ"بحدوث أي معجزة تنجح في إخراجه، وزملائه من داخل السجون الإسرائيلية.
ويضيف: "كنا داخل السجون نتعلّق بالأمل، والدليل أننا ندرس ونحصل على شهادات البكالوريوس والماجستير، تحضيرا لمشوار ما بعد حياة السجن؛ رغم حصولنا على حكم بالسجن مدى الحياة".
وحصل الفليت، خلال سجنه، على شهادة البكالوريوس في تخصص "العلاقات الدولية"، والماجستير في الإدارة العامة من الجامعة العبرية.
** بداية الحلم
ويشير إلى إن "الحلم" بالحرية بدأ قبل تنفيذ صفقة التبادل بـ 5 سنوات كاملة، موضحًا أن هذا الأمر كان بعد عملية أسر الجندي "شاليط" (في 25 يونيو/حزيران لعام 2006).
ويضيف مستذكرا: "يومها، استيقظتُ على صوت صديقي بالسجن يناديني قائلا: الغزازوة (نسبة إلى أهل غزة) اختطفوا جنديّا إسرائيليا".
منذ تلك اللحظة، وعلى مدار 5 سنوات، لم ينفكّ الأسرى عن متابعة الأخبار وترقّب إتمام صفقة تبادل.
** فرحة ممزوجة بالحزن
وحينما حصل الأسرى على الأسماء المُدرجة ضمن القوائم التي سيُفرج عنها، اختلطت مشاعر الفرحة العارمة بالحزن الشديد، بحسب الفليت.
ويوضح أن الحزن، كان بسبب الأسرى الذين سيبقون في الأسر، وعددهم عدة آلاف، آنذاك، حيث لم تشملهم الصفقة.
وقبل تنفيذ الصفقة بنحو أسبوع، حصل الفليت الذين كان مسؤول التواصل مع الخارج (في حركة حماس)، عبر هاتف محمول مُهرّب، على قائمة بتلك الأسماء.
وبقي الفليت، مدة 3 أيام، عاجزا عن إبلاغ رفاقه وعددهم 50 أسيرا، (من أصل 120، في القسم الذي تواجد فيه)، بأنهم غير مدرجين ضمن الصفقة.
** حالة صمت
وصلت الرسالة كافة الأسرى، غير المدرجين على قائمة الإفراج، وسادت ساعة من الصمت، مشوبة بالحزن والصدمة، وفق الفليت.
وكسر آنذاك حالة الصمت، أسير أردني محكوم بالسجن مدى الحياة، ولم يكن مدرجا ضمن الصفقة.
واستكمل قائلا: "تقدّم هذا الأسير بتهنئة الأسرى المُفرج عنهم، وشد من أزر المتبقين داخل السجون".
ويعبّر الفليت، عن أمله في إتمام صفقة جديدة لتبادل الأسرى، في الوقت القريب، كي ينعم "بقية الأسرى بطعم الحرية".
** الأمل باقٍ
عماد الدين الصفطاوي (57 عاما)، أحد الأسرى الذين لم يخرجوا ضمن "صفقة شاليط"، إنما خرج عام 2019 بعد أن أنهى كامل سنوات سجنه.
يقول الصفطاوي الذي أمضي 20 عاما داخل سجون إسرائيل، لوكالة الأناضول، إن "الأسرى داخل السجون لديهم قناعة كبيرة، أن موعد الفرج قريب، لكنّ كلمة (قريب) تتسع لمساحات زمنية مختلفة".
ويبقى الأمل حيًا لدى الأسير، فلا يمكن له أن يزول أو يبهت وإلا سيكون مصير صاحبه "الهلاك"، وهذا ما يريده المحتلّ الإسرائيلي، كما يقول.
وعند إعلان أسماء الأسرى الذين سيفرج عنهم، سادت داخل السجون لمشاعر لا يمكن وصفها، كما قال الصفطاوي، فالأسير المُفرج عنه "في فرحة غامرة – غير ظاهرة - والأسير الباقي، قلبه يعتصر حزنا، غير ظاهر أيضا، كي يشارك المفرج عنهم فرحتهم".
واستكمل قائلا: "نحن الذين بقينا داخل السجون، فرحنا لأجل أخوتنا الذين سيخرجون من السجون، بينما الحزن كان في القلب كشجرة مجنونة تنمو بسرعة، لكننا لم نفسد فرحتهم بالحرية".
ويضيف: "الأسرى يدركون أنه لا يوجد خلاص من السجون، إلا بصفقة أو بانهيار الكيان (إسرائيل)".
ويختم الصفطاوي حديثه بالقول: "يوما بعد يوم، يترقّب الأسرى إنجاز صفقة تبادل قريبة، تكون أسمائهم على قوائم المفرج عنهم".
وتحتفظ "حماس" بأربعة إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)، والآخران دخلا غزة في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية.
** تخوفات إسرائيلية
سجّلت الساحة الفلسطينية انجازات كبيرة لأسرى خرجوا في "صفقة شاليط"، ونجحوا في الوصول إلى مواقع قيادية أو إدارية أو تنموية، سواء داخل فلسطين أو خارجها.
من بين هؤلاء، يحيى السنوار، زعيم حركة "حماس"، في قطاع غزة.
ويقول مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي لوكالة الأناضول: "إن إسرائيل تدرك أن المعتقلين في سجونها ليسوا مجرد أرقام، بل شخصيات لها وزنها، وخطورتها".
ويضيف: "وصول الأسرى المُحررين اليوم إلى مواقع قيادية كبيرة بات هاجسا لإسرائيل".
وتابع: "إسرائيل تدرك أن السجون مثّلت مدرسة، وأن الحركة الأسيرة الفلسطينية استطاعت تحدي المحتلّ، من خلال تنظيم نفسها، ولعب دور مهم في النضال؛ واليوم نرى قادة الفصائل، من فئة الأسرى السابقين، سواء الذين تحررّوا في صفقة شاليط، أو في سنوات سابقة".
وبيّن أن الحركة الأسيرة تعدّ جزءا من "الحركة الوطنية الفلسطينية، وترفد المقاومة بالقادة والمفكّرين الذين لديهم باع طويل في مواجهة الاحتلال ورسم السياسات والخطط".
وفي الوقت الحالي، تحاول إسرائيل التملّص من إتمام أي صفقة تبادل جديدة، لعدم دفع "ثمن كبير مشابه للثمن الذي دفعته في صفقة وفاء الأحرار؛ في ظل معارضة يمينية لذلك"، بحسب إبراهيم.
ومؤخراً، كشفت حركة "حماس"، أنها قّدمت لوسطاء إطاراً لصفقة تبادل، لكنها لم تتلقّ رداً إيجابياً.
وقال زاهر جبارين، عضو المكتب السياسي للحركة مسؤول ملف الأسرى، في سابق تصريح للأناضول، إن حركته "أبدت استعداداً لإنهاء صفقة تبادل بأسرع وقت ممكن باعتبارها ملفاً إنسانياً".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.