التطبيع العربي مع النظام السوري.. هل أصبح محتومًا؟ (مقال)
بعد مرور عشر سنوات من الحرب في سوريا، لا يزال البلد يعاني من عدم استقرار داخلي وتراجع المستوى المعيشي وأزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، مع عزلة سياسية حاول النظام الخروج منها عبر بوابات عديدة، مثل العراق وروسيا وإيران.
Istanbul
إسطنبول/ إحسان الفقيه/ الأناضول
- الدعم الروسي والإيراني لنظام الأسد أكّد بقاءه في الحكم وتراجع فرص إسقاطه عسكريا وهو ما أدركته الكثير من الدول العربية مبكرا ورأت أن من مصلحتها إعادة تطبيع العلاقات مع نظام دمشق- بخلاف قطر، الرافضة صراحة للتطبيع مع نظام الأسد، أعادت دول عربية العلاقات معه في السنوات الأخيرة بمستويات متفاوتة، كالإمارات ومصر والبحرين والأردن، إضافة لإعلان دول أوروبية نيتها إعادة فتح سفاراتها بدمشق
- معظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا تستند على افتراض غير واقعي بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية في سوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار
ثمّة من يرى أن الحرب في سوريا حُسمت عسكريا لصالح قوات النظام والقوات الحليفة لها منذ عام 2018 بخروج مقاتلي المعارضة المسلحة من محيط العاصمة ومحافظة درعا القريبة منها، وأن فرص إسقاط النظام عسكريا باتت "معدومة" تماما.
وبدفع من حكومات عربية، يدور نقاش عميق في أوساط جامعة الدول العربية حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة مقعد سوريا المعلّق في الجامعة.
وعلقت الجامعة عضوية سوريا في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين.
وبعد مرور عشر سنوات من الحرب في سوريا، لا يزال البلد يعاني من عدم استقرار داخلي وتراجع المستوى المعيشي وأزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، مع عزلة سياسية حاول النظام الخروج منها عبر بوابات عديدة، مثل العراق وروسيا وإيران.
وقدمت دول عربية، في بداية الصراع السوري، الكثير من الدعم السياسي والمالي والتسليحي لفصائل المعارضة السورية منذ أواخر 2011، بعد أشهر من توجه الثورة السورية إلى الخيار المسلح لمواجهة القمع من طرف القوات الأمنية وحملات القتل والاعتقالات.
وكان للعمليات العسكرية تداعيات مباشرة على أمن واستقرار دول الجوار السوري، لبنان والعراق والأردن وتركيا.
في كل الأحوال، لم تكن سوريا ونظام الحكم فيها معزولة بالكامل سياسيا واقتصاديا، حتى مع قرار الجامعة تعليق عضوية سوريا، حيث وقفت معظم الدول العربية في شمال إفريقيا والعراق وسلطنة عمان ودول أخرى، بينها مصر، على الحياد في الصراع الداخلي، مع استمرار قنوات التواصل مع النظام.
وأكد التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية (منذ 2015)، وقبله الدعم الإيراني بعشرات الآلاف من مقاتلي المجموعات الشيعية المسلحة اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بقاء نظام بشار الأسد في الحكم وتراجع احتمالات إسقاطه عسكريا.
وعلى ما يبدو، فإن الكثير من الدول العربية أدركت في وقت مبكر هذه الحقيقة، ورأت أن من مصلحتها إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام الحاكم في دمشق.
لكن التحول الأكبر في الموقف العربي كان بدايات عام 2017، الذي شهد خسارة المعارضة المسلحة معركة حلب (شمال)، وخلال 2018 عندما خسرت معارك ريف دمشق ومحافظة درعا (جنوب) وتسليمها أسلحتها للنظام والقبول بالخروج من تلك المناطق إلى الشمال السوري، الذي تسيطر عليه فصائل الجيش الوطني (المعارض) وهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى.
وأعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، نهاية 2018، على مستوى القائمين بالأعمال، بينما فشلت تونس والجزائر في إعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق، لتصبح أول دولة خليجية تعيد تمثيلها الدبلوماسي على مستوى السفراء.
ووفقا لتقارير إعلامية، أعادت السعودية، في مايو/ أيار الماضي، فتح قنوات اتصال مباشرة مع سوريا، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، الفريق خالد الحميدان، لدمشق ولقائه بشار الأسد، ورئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك.
وهو ما أكده متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لقناة "الحرة" بقوله إن "الوزارة على علم بالتقارير التي تحدثت عن محادثات سورية سعودية جارية لإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق".
وسبق ذلك حضور وزير السياحة السوري، محمد رامي رضوان مرتيني، مؤتمرا بالرياض في مارس/ آذار الماضي، ليصبح أول مسؤول سوري يزور المملكة علنا منذ 2011.
لكن الموقف الرسمي السعودي لا يزال متمسكا بالحل السياسي، برعاية وإشراف الأمم المتحدة، لوقف الحرب.
وكانت السعودية استدعت سفيرها من دمشق، في أغسطس/ آب 2011، ثم أعلنت في مارس/ آذار 2012 إغلاق سفارتها وسحب جميع الدبلوماسيين والعاملين فيها.
وقبل أيام، أجرى وزير الدفاع السوري أول زيارة للعاصمة الأردنية عمان منذ 2011، والتقى خلالها رئيس الأركان الأردني ومسؤولين آخرين، بعد توقف الدعم الأردني، بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودول خليجية، لفصائل المعارضة المسلحة جنوبي سوريا.
كما سمح الأردن بمرور الغاز المصري وإمدادات الكهرباء الأردنية إلى سوريا ومن ثم إلى لبنان.
وبالإضافة إلى هذه المستجدات من جانب الأردن، تخطو دمشق خطوات أخرى على طريق إعادة الاندماج في محيطها العربي عبر بوابة العراق، الذي كان راغبا بدعوة رئيس النظام السوري لمؤتمر الشراكة والتعاون في بغداد (أغسطس/ آب الماضي)، لولا الضغوط الفرنسية والتركية.
وكذلك يتحرك النظام السوري عبر بوابة لبنان، وللمرة الأولى استقبلت دمشق وفدا رسميا لبنانيا قبيل تشكيل حكومة رئيس الوزراء الجديد، نجيب ميقاتي (نالت ثقة البرلمان الإثنين)، الذي تربطه بدمشق علاقة وثيقة تمتد لسنوات، عززتها استثماراته الضخمة في المرافق الاقتصادية السورية.
وتنفرد دولة قطر بموقف صريح ومعلن يرفض بشكل قاطع أي حديث عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
وشهدت السنوات الأخيرة إعادة دول عديدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، على مستوى عودة السفراء، مثل دولة الإمارات، أو القائمين بالأعمال، كالبحرين والأردن.
كما أن دولا أوروبية تتحدث عن نيتها إعادة فتح سفاراتها في دمشق، مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا والتشيك.
وبالإضافة إلى عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المفروضة على النظام السوري، قد يكون موقف جامعة الدول العربية من تعليق عضوية هذا النظام وعدم وجود إجماع وتوافق عربي هو العقبة الأكبر على طريق التطبيع العربي الكامل مع دمشق.
وسيكون تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري تعزيزا لشرعيته، التي تتعارض مع مواقف الكثير من الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وغيرها من الدول التي ترى أن هذا النظام فقد شرعيته منذ استخدامه الأسلحة الكيمياوية ضد مدنيين سوريين في 2013.
ولا تزال الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تضغط على النظام السوري، عبر عقوبات سياسية واقتصادية، لعزله وإجباره على الامتثال لقرارات مجلس الأمن ومخرجات مؤتمر جنيف لتسوية الصراع السوري سياسيا.
لكن النظام ظل يماطل في التوصل إلى اتفاق عبر جولات تفاوض في جنيف برعاية الأمم المتحدة، ويأمل في استعادة شرعيته عبر فتح قنوات تواصل مع عدد من الدول العربية لترسيخ سلطاته على كامل الأراضي السورية وتحقيق الاستقرار اللازم لإعادة إعمار المدن التي خربتها الحرب منذ 2011.
ويرى مراقبون أن الانفتاح العربي على دمشق جاء نتيجة لتغيير الولايات المتحدة استراتيجياتها في المنطقة بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكذلك تبعات سياسات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب (2017-2021)، الذي تبنى شعار "أمريكا أولا"، واتجاه واشنطن حاليا لمواجهة تهديدات صينية مفترضة، والتركيز على إبقاء عمليات الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود مفتوحة في أجزاء من سوريا لا تخضع لسيطرة قوات النظام.
ولدول جوار سوريا مصالح جيوسياسية واقتصادية بالغة الأهمية، خاصة ما يتعلق بضمان عودة آمنة للاجئين السوريين بالنسبة للبنان والأردن، الذي يعاني من تراجع مستوى علاقاته مع الدول الخليجية وتحركه نحو مصر والعراق.
كما تحرك الأردن نحو سوريا، التي أعاد فتح معبرا حدوديا معه لتعزيز اقتصاده، بعد أن شهد أزمات متتالية جراء جائحة "كورونا"، وخفض الولايات المتحدة والدول الخليجية مستوى الدعم والمساعدات لعمان.
وتستند معظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا على افتراض غير واقعي بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية في سوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار.
وبالرغم من عدم توفر معطيات عن إمكانية تفكيك التحالف بين النظام السوري وإيران، وعدم وجود إرادة سياسية أو رغبة لدى النظام، إلا أن الإمارات والبحرين ودول أخرى تعتقد أن التطبيع مع النظام واستعادة الدور السوري في محيطه العربي والإقليمي سيتكفل بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.