الدول العربية, التقارير

الجيش الجزائري..عقيدة عسكرية تصد ضغوطا غربية وعربية (تقرير)

السلطات تمسكت بتأكيد مبدأ العقيدة الدفاعية التي تمنع الجيش من الانخراط في حرب خارجية، وأن مهمة القوات المسلحة هي الدفاع عن الحدود، والحفاظ على أمن واستقرار البلاد.

13.04.2018 - محدث : 13.04.2018
الجيش الجزائري..عقيدة عسكرية تصد ضغوطا غربية وعربية (تقرير)

Algeria

الجزائر / أحمد عزيز / الأناضول

تعرضت القيادة السياسية في الجزائر منذ عام 2011 لضغوط خارجية وحتى داخلية، من أجل الانخراط في حروب خارج الحدود الدولية للبلاد.

لكن السلطات تمسكت طوال هذه الفترة بتأكيد مبدأ العقيدة الدفاعية التي تمنع الجيش من الانخراط في حرب خارجية، وأن مهمة القوات المسلحة هي الدفاع عن الحدود، والحفاظ على أمن واستقرار البلاد.

وتشير التقاليد العسكرية الجزائرية التي تظهر في بيانات الجيش، وخطب رئيس البلاد وهو قائد القوات المسلحة، وقائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، إلى أن الجيش سيواصل العمل بعقيدته الدفاعية والقتالية الثابتة القائمة على اعتبار الجيش الجزائري قوة سلم وأمن، وتركيز مهمته في الدفاع عن الحدود دون السماح للجيش بتنفيذ عمليات خارجية.

ففي كل بيانات الجيش وخطابات القيادة، يتم تأكيد "الجاهزية للدفاع عن الوطن في وجه المتربصين به"، وكذا أهمية التزام الجيش الجزائري بدوره التاريخي وهو الدفاع عن الأمة والشعب.

وفي 26 مارس / آذار الماضي، قال الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري، إن "العقيدة العسكرية هي في عمومها نتاج لعمق فكري وثقافي وحضاري تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل، تستمد مبادئها من الإرث التاريخي والنضالي للأمة، وكفاحها المستميت ضد الاستعمار، ومن قيمها الدينية والمعنوية، ومن المثل العليا للدولة وتشريعاتها".

وأوضح في كلمة خلال ملتقى حول العقيدة العسكرية للجيش الجزائري، أنها (العقيدة العسكرية) "تتم مراجعتها وتحيينها كلما تطلب الأمر ذلك، لتتكيف مع متغيرات المعطيات الجيوسياسية، وهي بذلك تمثل أسس سياسة الدفاع الوطني، ومرتكزا رئيسيا لصياغة الاستراتيجية العسكرية".

ـ تحديات خارجية وتساؤل في الداخل

في شهر أبريل / نيسان 2012، تعرضت القنصلية الجزائرية في مدينة غاو شمال مالي أثناء التمرد في هذا البلد، للاقتحام من قبل جماعة مسلحة تابعة لفصيل "المرابطون"، وهو تنظيم إرهابي محسوب على "القاعدة"، ومعادٍ للجزائر.

وقامت الجماعة باختطاف 7 دبلوماسيين جزائريين أعدم أحدهم لاحقا، ورغم خطورة هذا التحدي، فضلت القيادة في الجزائر عدم التدخل عسكريا لإنقاذ الدبلوماسيين، واختارت التفاوض السري للإفراج عن بعثتها الدبلوماسية، بدلا من تنفيذ عملية عسكرية خاطفة لتحرير الدبلوماسيين، وتأديب هذه الجماعة.

وفي تلك الفترة، تداولت صحف جزائرية أخبارا حول استنفار للقوات الجوية الجزائرية، واحتمال تنفيذ عمليات عسكرية، إلا أن القيادة فضلت عدم الانجرار إلى ما تعتبره "مستنقعا" في مالي.

وفي يناير / كانون الثاني 2013، تعرضت الجزائر لهجوم إرهابي يعد الأكبر في تاريخها، حيث تسللت جماعة إرهابية من شمال مالي إلى ليبيا، ومنها إلى الجنوب الشرقي للبلاد، واقتحمت مصنعا للغاز في منطقة "عين أمناس"، واحتجزت مئات الرهائن، وانتهت العملية بمقتل 38 رهينة أجنبيا أغلبهم من دول غربية.

وتوقع كثير من المحللين أن تكون هذه العملية مبررا كافيا للسلطات الجزائرية للمشاركة بشكل مباشر في التدخل العسكري الفرنسي في دولة مالي، إلا أن القيادة السياسية في الجزائر فضلت عدم الرد على العملية، واكتفت بمضاعفة الإجراءات الأمنية على الحدود الجنوبية والشرقية.

ورغم أن التحدي بعد عام 2011 عقب اندلاع الحرب في ليبيا كان كبيرا، إلا أن السلطة في الجزائر قررت الاستمرار في خيارها الاستراتيجي القائم على عدم إرسال قوات جزائرية للقتال خارج الحدود مهما كانت الظروف.

ـ طلبات من فرنسا وأمريكا والسعودية

شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2012 قبل التدخل العسكري الفرنسي في دولة مالي بداية 2013، اتصالات مكثفة وزيارات مسؤولين فرنسيين للجزائر في إطار الضغط على الجزائر من أجل المشاركة في العملية العسكرية الفرنسية في مالي المسماة "سرفال".

كما دعت السعودية عام 2016 الجزائر للمشاركة في القوة العربية المشتركة، إلا أن الجزائر وكما قال وزير خارجيتها السابق رمطان لعمامرة في تصريح للإذاعة الجزائرية في سبتمبر / أيلول 2016، رفضت الدعوة السعودية، وتمسكت بالمبدأ نفسه القائل إن العقيدة الدفاعية للجزائر تمنعها من إرسال قوات للقتال خارج الحدود.

وأضاف لعمامرة أن "الجزائر لا ترى جدوى من المشاركة في أي قوة عسكرية عربية الآن، وعلينا قبل هذا حل الخلافات العربية العربية أولا، وتحقيق الإجماع".

وفي 2017 وبداية عام 2018، تجددت الضغوط على الجزائر من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل التدخل عسكريا في منطقة الساحل الإفريقي لدحر الجماعات الإرهابية في مالي والنيجر.

والحكومة الفرنسية كانت تتطلع لمشاركة جزائرية في القوة الإفريقية لمكافحة الإرهاب في الساحل التي تشكلت حديثا، وتتكون من 5 دول هي: مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، وتشاد.

وقال دبلوماسي جزائري فضل عدم الكشف عن هويته، إن "80 % من النقاشات بين الجزائر وفرنسا انصبت في الأشهر العشرة الأخيرة حول موضوع الحرب في مالي، وضرورة مشاركة الجزائر في مكافحة الإرهاب في شمال مالي".

وأضاف الدبلوماسي الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح للأناضول: "إلا أن الرد الجزائري لم يتغير، ولن يتغير، وهو لن نرسل قوات جزائرية إلى خارج الحدود".

وتابع: "كما طالبنا الأمريكيون بالمشاركة بقوات قتالية في عمليات مكافحة الإرهاب في النيجر، ومالي، واعتبروا أن الجيش الجزائري هو القوة العسكرية الأكثر قدرة على تحقيق نتائج في مجال مكافحة الإرهاب في الساحل، إلا أن القيادة السياسية أكدت أنها ملتزمة بالعقيدة الدفاعية للجيش الجزائري".

ـ البداية من اتفاقية كامب ديفيد

يقول بوبكر زردي أستاذ القانون الدستوري في جامعة "وهران" غرب الجزائر، "إذا أردنا الحديث عن الوضع القانوني للجيش الجزائري، فإنه لا توجد في الحقيقة مادة قانونية صريحة وملزمة سواء في الدستور أو في غيره، تفرض على الجيش عدم مغادرة الحدود".

وأضاف في حديث للأناضول: "بل على العكس، فالجزائر قانونا لم تنسحب لغاية اليوم من معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تفرض عليها واجبات عسكرية تتضمن إرسال قوات جزائرية للقتال مع أي بلد عربي يتعرض للتهديد، كما أنها ملتزمة طبقا لمعاهدة الإخاء والوفاق مع تونس في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، بالمساعدة العسكرية في حال تعرض تونس لتهديد خارجي".

وتابع: "لكن الأمر يتعلق بعقيدة أو قناعة ترسخت لدى العسكريين الكبار في الجيش الجزائري منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، أي بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية كامب ديفيد (17 سبتمبر / أيلول 1978)".

ومضى قائلا: "اعتقد الرئيس الراحل هواري بومدين أن الرئيس المصري الأسبق (الراحل محمد) أنور السادات، استغل العرب من أجل تحقيق مشروع سياسي تم تحديده بدقة قبل مدة من حرب أكتوبر / تشرين الأول 1973، وهو السلام مع إسرائيل"، على حد تعبيره.

واستدرك بالقول: "ولهذا السبب قرر بومدين تغيير عقيدة الجيش الجزائري القتالية، وعقيدة البلاد الدفاعية، التي باتت قائمة اليوم على مبدأ عدم إرسال قوات جزائرية إلى خارج الحدود مهما كانت الظروف"، بعد أن شاركت الجزائر في دعم مصر عسكريا في حرب 1973.

ـ عقيدة دفاعية وأخرى قتالية

ويقول دبار حسين المختص في العلوم السياسية من جامعة "بسكرة" شرق الجزائر: "يجب أن نفرق بين أمرين أساسيين عند الحديث عن العقيدتين الدفاعية والقتالية للجيش الجزائري".

وأضاف في حديث للأناضول: "عقيدة الدفاع في الجزائر توضع من قبل السياسيين، وتنص على أساسيات من بينها الأعداء المفترضون للدولة، والمخاطر التي تتعرض لها، وطبيعة الوسائل التي تعتمدها البلاد للدفاع عن نفسها".

وتابع: "وفي هذا المجال، قامت العقيدة الدفاعية للجزائر منذ الاستقلال عام 1962 على مبدأ عدم الانخراط في أحلاف عسكرية، واعتبار إسرائيل هي العدو الأول للجزائر".

وزاد: "أما العقيدة القتالية للجيش فقد بنيت على أساس طبيعة الجيش في حد ذاته، حيث اعتبر من البداية جزءا من الشعب، ولهذا يسمى الجيش الوطني الشعبي، وهي تقاليد تعود إلى مرحلة حرب التحرير (1954 / 1962)".

وأوضح أنه "لهذا السبب يشارك الجيش الجزائري دائما في أعمال أنشطة مدنية من بينها بناء بعض المرافق، والتشجير، وعمليات الإنقاذ في الكوارث، كما أن الجيش الجزائري منطلقا من مبدأ كونه جزءا من الشعب، فهو يلتزم بمبدأ طبيعته الدفاعية، وهو لهذا الأساس يقتني أسلحة أغلبها دفاعية".

واختتم بالقول: "يجب ألا نغفل الجانب العاطفي عند الحديث عن مسألة العقيدة الدفاعية للجزائر والقتالية للجيش الجزائري".

وأشار إلى أنه "بالنسبة إلى أغلب القيادات العسكرية الجزائرية الحالية، يسود اعتقاد بأن أغلب الدول العربية وحتى باقي دول العالم، ودول الجوار، تركوا الجزائر تصارع لوحدها طوال 7 سنوات من عمر الحرب الأهلية بين عامي 1992 و1999، ولم تساعد الشعب الجزائري في تلك الفترة الصعبة".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın