"الصنائع".. حديقة عثمانية تنعش بيروت (تقرير)
تعتبر الحديقة الصنائع من أهم المتنفسات الخضراء التي يرتادها المواطنون في ظل انحسار هذه المساحات جراء التوسّع العمراني وفي ظل الأزمة المالية
Lebanon
بيروت / وسيم سيف الدين / الأناضول
سيرا على الأقدام، يقطع المواطن اللبناني رفعت عيتاني نحو 15 دقيقة من منزله وصولا إلى حديقة "الصنائع" التي يعود تأسيسها للعهد العثماني، وتُصنّف أكبر الحدائق العامة في العاصمة بيروت.
الجلوس على مقاعد الحديقة وسط مساحة خضراء وتاريخ عثمانيّ عريق مُتجذّر في أعماقها، يجد فيه عيتاني مساحة للترفيه عن النفس والهروب من ضغوط الحياة وقراءة بعض الكتب.
وأشاد المواطن اللبناني بالجهود التركية التي عملت على "توسعة هذه الحديقة وإعادة ترميمها خاصة نافورة (بركة) المياه التاريخية التي تتوسّطها".
الحديقة التي تم تأسيسها عام 1907 في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وتتبع حاليا لبلدية بيروت، تبلغ مساحتها حوالي 22 ألف متر مربع وتعدّ أكثر الحدائق استقبالا للزوار.
وأعيد تأهيل الحديقة التي حملت اسم "الصنائع" للتشجيع على العمل والإبداع عام 2014، وما زالت تضم السبيل "الحميدي"؛ الذي أُسس عام 1900 بمناسبة مرور 25 عاما على تولي عبد الحميد الثاني الخلافة العثمانية آنذاك.
كما حملت الحديقة اسم الرئيس اللبناني الأسبق "رينيه معوّض" بعد اغتياله عام 1989.
ومع اكتمال عملية الترميم في أبريل/ نيسان 2015، استعادت "الصنائع" رونقها وخضارها، في ظلّ تقلّص المساحات الخضراء في لبنان، حيث بدأت تلك المساحات بالتآكل لصالح المباني والأبراج الأسمنتية منذ انتهاء الحرب الأهلية العام 1990.
ويُرجع عيناتي، في حديث للأناضول، تقلّص المساحات الخضراء في لبنان إلى "جشع تجار العقارات الذين يفضّلون بناء الشقق باهظة الثمن والتي يصل سعرها لملايين الدولارات، على تركها مساحات خضراء يستفيد منها الفقراء ومحدودي الدخل".
** انحسار وإهمال
وعلى الدوام، يشكو اللبنانيون من قلة وجود مساحات خضراء خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة واستحالة الخروج من بيروت لغلاء المحروقات فضلا عن عجزهم عن تحمّل تكاليف زيارة الأماكن الترفيهية الخاصة.
لذا فإن الحدائق العامة المجانية، تشكّل أهم المتنفّسات للبنانيين الذين زاد اهتمامهم بها بعد جائحة كورونا وما رافقها من تداعيات اقتصادية.
ويطالب المواطنون بزيادة المساحات الخضراء والمحافظة على الموجود منها وتأهيلها للأفراد الذين لا يجدون إلا بضع حدائق لا تتجاوز عدد أصابع اليد ويعاني معظمها من إهمال كبير.
وبحسب خبراء، فإن الدولة لم تُدرج المساحات الخضراء على قائمة الأولويات في لبنان رغم تآكلها منذ عام 1990.
وأفادت دراسة ميدانية نشرتها مجلة "أشغال عامة" في يوليو/ تموز الماضي، حول 19 حديقة في بيروت، أن 42 بالمئة منها كانت مقفلة كليا.
وقالت الدراسة آنذاك، إن "الدولة اللبنانية تغلق الحدائق العامة في بيروت، متحججة بقرار لجنة جائحة ومتجاهلة المطالبات العديدة لإعادة فتحها".
ومن خلال بحث ميداني أجرته الدراسة في يناير/ كانون الثاني 2022، فإن 14 حديقة من أصل 19، لم يتواجد بها حرّاس، و6 حدائق تعاني من مشكلة النظافة، إلى جانب 4 حدائق خالية من حاويات النفايات، و9 منها لا تحتوي على الغطاء النباتي، عدا خلوّ العديد من هذه الحدائق من المقاعد.
** متنفس للسكان
الخبير البيئي مصطفى رعد، قال إن المساحات الخضراء من "العناصر المهمة للبيئة خاصة في المدن، حيث تعتبر رئة المدينة ومتنفس السكان إذ تعمل على خفض حدّة الضغوط النفسية التي يتعرّضون لها".
وأضاف، في حديثه للأناضول: "المساحات الخضراء توفّر للسكان الراحة والوقاية من تلوث الهواء والإصابة بالأمراض وهي العنصر الأساسي في تخطيط المدن".
وأوضح أن "وجود الحدائق العامة ترتبط استعمالاتها بذاكرة المكان المشتركة انطلاقاً من قيمتها الاجتماعية وعلاقة السكان بها".
وأشار إلى أن منظمة الصحة العالمية، أفادت في دراسة سابقة أن "نسبة الإصابة بأمراض السرطان ارتفعت في بيروت وجميع الأماكن التي تقلصت فيها المساحات الخضراء".
وأرجع رعد تقلّص المساحات الخضراء إلى "استغلالها من المقاولين لبناء الأبراج السكنية، وبيعها كشقق في ظل ارتفاع الطلب لاستيعاب النزوح السكاني باتجاه العاصمة".
وقال: "تعاني بيروت من كثافة سكانية كونها تعدّ المحطة الأبرز لإيجاد فرص عمل إذ يتواجد فيها إدارات الدولة والشركات الخاصة".
كما أوضح أن "جشع تجّار البناء دفعهم لهدم المنازل القديمة التي كانت تضم حدائقا وتحويلها إلى مبانٍ ضخمة وعالية، مقتطعا بذلك المساحات الخضراء بما يؤثر على نوعية الهواء مسببا التلوث والأمراض".
وبفعل ذلك، وفي ظل الأزمة الاقتصادية والتضخم فإن المواطن الذي يعيش في بيروت أصبح يتكبّد مصاريف إضافية للخروج خارج العاصمة للتنزه، وفق قوله.
وحثّ رعد المستثمرين على ضرورة مراعاة "العامل البيئي والأخذ بعين الاعتبار توفّر مساحات خضراء في المدن للسكان".
** محاولات للإنقاذ
من جهته، قال محافظ بيروت مروان عبود، إن بيروت "تضم مساحات خضراء لم يتم تسليط الضوء عليها؛ مثل حرش بيروت الذي تزيد مساحته عن 350 ألف متر وميدان سباق الخيل الذي يقع في المنطقة، والمزروعان بأشجار الصنوبر حيث تم تشجيرهما بعد الحرب الأهلية (1975-1990) داعيا المواطنين للزيارة".
ويعدّ حرش بيروت، المُمتد على أطراف بيروت المساحة الخضراء الأكبر في العاصمة إلا أنه يعاني من الإهمال فيما يكون مغلقا في معظم الأحيان أمام العامة، وفق ما أفادت به تقارير بيئية.
وأوضح عبود وجود نحو "12 حديقة في شوارع بيروت الرئيسية وأبرزها حديقة الصنائع الكبيرة عند مدخل شارع الحمرا الشهير غرب بيروت".
وقال عن ذلك: "الصنائع من أكثر الحدائق التي يرتادها المواطنون بسبب استمرارية صيانتها بالشراكة مع القطاع الخاص (شكرة ازاديا) ووضعها جيد".
وأوضح أن الحديقة شهدت محاولات "تخريب دفعت البلدية لوضع رقابة عليها لمنع تلك المحاولات وللمحافظة عليها".
وذكر أن حديقة "السيوفي" التي تعدّ ثاني أكبر حديقة في بيروت وتصل مساحتها لنحو 40 ألف مترمربع، مقفلة حاليا بسبب أعمال الصيانة والتأهيل التي توقّفت جرّاء انهيار العملة وبفعل الأزمة الاقتصادية.
وأكمل: "يوجد أيضا حديقة "المفتي حسن خالد" التي باءت أعمال تأهيليها بالفشل، حيث لا يتيح وضعها الحالي استقبال الناس"، لافتا إلى أن "البحث عن تمويل لتأهيليها ما زال جاريا".
كما أشار إلى وجود حدائق صغيرة الحجم متفرقة في بيروت، مبينا أن عددا من الحدائق تم تأهيلها بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020 عبر تمويل الجهات المانحة فيما تم تجهيزها بألعاب للأطفال وأماكن مقفلة للممارسة الرياضة.
وكشف عبود عن "وجود مخطط لزيادة المساحات الخضراء؛ خاصة أن بلدية بيروت تملك العديد من العقارات، كانت في السابق تلجأ إلى بيعها لرفد خزينة البلدية بالمال الإضافي"، وفق قوله.
وقال إنه منذ "توليه المنصب عام 2020 أوقف بيع عقارات البلدية قدر الإمكان للحد من التمدد العمراني الذي يضر بالمساحات الخضراء".
وتعهّد محافظ بيروت في ختام حديثه، بـ"اهتمام مؤسسته بإنشاء الحدائق بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.