الدول العربية, التقارير, السودان

حرب السودان.. عام ثالث واشتعال الجبهات غربا (إطار)

منذ 15 أبريل 2023 يشهد السودان حربا شرسة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية

Ahmed Satti, Hişam Sabanlıoğlu  | 15.04.2025 - محدث : 15.04.2025
حرب السودان.. عام ثالث واشتعال الجبهات غربا (إطار)

Sudan

بورتسودان/ أحمد ساتي/ الأناضول

- منذ 15 أبريل 2023 يشهد السودان حربا شرسة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية
- الحرب أدت إلى "أكبر أزمة نزوح في العالم" بحسب مراقبين
- استعاد الجيش القصر الرئاسي في الخرطوم بعد عامين من سيطرة قوات الدعم السريع
- تتجه الحرب في عامها الثالث للاشتعال بعدة مناطق بالبلاد لا سيما الغربية منها حيث تحتدم المعارك في دارفور 

رغم القتال العنيف والدمار الشديد وأزمة إنسانية غير مسبوقة، تستمر بالسودان منذ 15 أبريل/ نيسان 2023 حرب شرسة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية، وتتجه في عامها الثالث للاشتعال بعدة مناطق بالبلاد لا سيما الغربية منها.

واندلعت المواجهات أول مرة في العاصمة الخرطوم (وسط)، ثم امتدت إلى ولايات عدة، لتدخل البلاد في دوامة نزاع صنفه مراقبون بأنه أدى إلى "أكبر أزمة نزوح في العالم"، تاركًا ملايين المدنيين في مواجهة أوضاع إنسانية غاية في الصعوبة.

وفي تطور ميداني بارز، تمكنت قوات الجيش في 26 مارس/ آذار الماضي، من استعادة القصر الرئاسي بالخرطوم، والذي ظل خاضعًا لسيطرة "الدعم السريع" لنحو عامين.

ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تحوّل مهم في مجريات الحرب، لكنها لا تعني بالضرورة نهاية المعارك، بحسب ما أكده محللون ومصادر ميدانية.

وبعد فقدانها مواقعها بالقصر الرئاسي في الخرطوم، صعّدت "الدعم السريع" من وتيرة هجماتها على مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور غربي البلاد، والتي تفرض عليها حصارًا خانقًا منذ 10 مايو/ أيار 2024.

وتستعرض الأناضول آخر التطورات الميدانية في الخرطوم والجبهات الغربية للبلاد، بجانب تسليط الضوء على أطراف النزاع، وبداية الاشتباكات، وما خلّفته من دمار واسع.

** استعادة الخرطوم

ومطلع 26 سبتمبر/ أيلول 2024، أطلق الجيش السوداني عملية برية ضد مواقع قوات الدعم السريع في الخرطوم، وامتدت العمليات إلى ولايات أخرى، أسفرت عن إحكام السيطرة على أغلب مناطق ولاية سنار جنوبًا، وكامل ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وسط البلاد.

وفي الخرطوم، حققت القوات المسلحة السودانية تقدمًا ملحوظًا، إذ استعادت في 21 مارس الماضي القصر الرئاسي، الذي كان تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الاشتباكات في أبريل 2023.

وعقب الخسارة، بدأت قوات الدعم السريع بسحب عناصرها من العاصمة، متوجهة نحو الغرب عبر جسر "جبل أولياء" جنوبي الخرطوم.

وفي غضون ذلك، استعاد الجيش السيطرة على معظم أحياء العاصمة، وتمكّن من تحرير أكثر من 4 آلاف شخص كانت قوات الدعم السريع تحتجزهم كرهائن.

وفي 26 مارس الماضي، هبط رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في مطار الخرطوم الدولي، الذي كانت تستخدمه قوات الدعم السريع كقاعدة عسكرية، وانتقل منه إلى القصر الرئاسي.

وفي تصريحات أدلى بها من داخل القصر، أعلن البرهان "تحرير الخرطوم" بينما سيطرت قوات الجيش في 28 مارس المنصرم على "سوق ليبيا" في منطقة أم درمان غربي الخرطوم، والذي كان يُعدّ أحد أبرز معاقل الدعم السريع في العاصمة.

وبناءً على هذه التطورات، تمكن الجيش، بحسب خبراء، من فرض سيطرته على معظم مناطق العاصمة الخرطوم.

** نشأة "الدعم السريع"

وتعود جذور قوات الدعم السريع إلى "ميليشيا الجنجويد" التي استخدمها الرئيس السوداني السابق عمر البشير لقمع التمرّد الذي اندلع في إقليم دارفور غربي البلاد عام 2003.

واندلع ذلك التمرد بسبب شكاوى تجاه ما اعتبر "تمييزا ضد السكان غير العرب"، وردًّا على ذلك، استعان البشير بتلك الميليشيات التي كانت تتكوّن بغالبيتها من سكان محليين من أصول عرقية عربية، لقمع الجماعات المتمردة التي ينحدر أغلبها من أصول إفريقية.

وفي أعقاب مسار السلام الذي انطلق عام 2010، بدأت الحكومة السودانية جهودًا لدمج تلك الميليشيات ضمن الجيش، وعام 2013 تم ربطها بجهاز المخابرات تحت اسم "قوات حرس الحدود"، ثم أعيد تسميتها لاحقًا إلى "قوات الدعم السريع"، وتم الاعتراف بها رسميًا عام 2014.

ومنذ ذلك الوقت صار "محمد حمدان دقلو"، المعروف بـ"حميدتي" زعيمًا لقوات الدعم السريع، وتم ربط هذه القوات رسميا بالمؤسسة العسكرية في يناير/ كانون الثاني 2017، حينما أقرّ البرلمان السوداني "قانون قوات الدعم السريع".

واكتسب قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، نفوذًا إقليميًا واقتصاديًا بعد مشاركته في صراعات اليمن وليبيا، إلى جانب سيطرته منذ عام 2017 على عدد من مناجم الذهب في إقليمي كردفان ودارفور.

** تغييرات 2018

شهد السودان عام 2018 اندلاع احتجاجات شعبية واسعة على خلفية تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، تحولت لاحقًا إلى ثورة أطاحت بنظام البشير بعد 30 عامًا من الحكم.

وشارك الجيش وقوات الدعم السريع في الإطاحة بالبشير، وشكلّا معًا مجلسًا عسكريًا انتقاليًا، تولّى رئاسته قائد الجيش البرهان، بينما شغل محمد حمدان دقلو منصب نائب رئيس المجلس.

وبموجب اتفاق تقاسم السلطة، تشكّل ائتلاف حكومي مشترك بين العسكر وتحالف مدني بمسمى "قوى الحرية والتغيير"، إلى أن قام الجيش والدعم السريع بإقصاء المكوّن المدني من السلطة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

** شرارة الصراع

لاحقًا، بدأ التوتر يتصاعد بين الجانبين، لا سيما في ظل الخلافات حول آلية دمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش، إلى جانب تدخلات من أطراف خارجية، ما فاقم من الاحتقان السياسي والأمني في البلاد.

وفي تلك الأثناء، شدّد الجيش على ضرورة دمج قوات الدعم السريع خلال عامين فقط، بينما طالبت الأخيرة بمهلة لا تقل عن 10 سنوات لإنجاز هذه العملية.

وفي 13 أبريل 2023، أقدمت قوات الدعم السريع على تحريك وحدات كبيرة نحو مطار مروي والقاعدة الجوية العسكرية في شمال البلاد، وهو ما اعتُبر الشرارة الأولى التي فجّرت الصراع المسلّح الحالي.

وأعلن المتحدث باسم الجيش، نبيل عبد الله، حينها أن قوات الدعم السريع بدأت بالتحرك والانتشار في العاصمة وبعض المدن الأخرى دون أي تنسيق أو موافقة من قيادة القوات المسلحة.

وفجر 15 أبريل 2023، سُمعت أصوات إطلاق نار في عدد من المناطق المهمة في العاصمة الخرطوم، مثل حي أركويت، والمدينة الرياضية، والقيادة العامة للقوات المسلحة، والقصر الرئاسي، ومبنى التلفزيون الرسمي، والمنطقة التي تضمّ مقر إقامة رئيس مجلس السيادة البرهان.

بعدها، بدأت تسمع بأنحاء العاصمة أصوات الاشتباكات العنيفة، وتصاعدت أعمدة الدخان الكثيف في مناطق مختلفة، كما شهد محيط مطار الخرطوم الدولي تحركات عسكرية مكثفة، أدت على الفور إلى خروجه من الخدمة.

** عامان من الدمار

وطيلة العامين الماضيين، تعرّضت البنية التحتية في السودان لأضرار جسيمة جراء الحرب لا سيما في الخرطوم، إذ دُمّرت بعض الجسور، وتعرضت محطات الكهرباء والمياه للتخريب، وأُحرقت مبانٍ، وتعرضت أسواق ومتاجر لعمليات نهب.

وحتى المتاحف لم تسلم من الفوضى والنهب، في حين تضررت مصافي النفط بشكل بالغ، بينما لحقت أضرار جسيمة بمطار الخرطوم الدولي.

ووفق الأرقام الرسمية، فإن عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم مباشرة بسبب الاشتباكات بلغ 20 ألف شخص، غير أن التقديرات تشير إلى أن العدد الحقيقي تجاوز 150 ألفًا.

** أكبر أزمة نزوح

وتسببت الحرب بالسودان في ما وُصِف بـ"أكبر أزمة نزوح في العالم"، وأثّرت بشدة على النظام الصحي في البلاد.

وهربا من القتال، اضطر أكثر من 11 مليون شخص للنزوح داخليًا، بينما لجأ قرابة 4 ملايين إلى دول الجوار.

ووفق بيانات الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف سكان السودان، أي ما يزيد عن 30.4 مليون شخص، باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

وبات الأطفال في البلاد يواجهون مخاطر متعددة تشمل العنف، والانتهاكات، والنزوح القسري، وسوء التغذية، والأمراض.

ويُقدّر عدد الأطفال المعرّضين لخطر الإصابة بأمراض قاتلة نتيجة انهيار النظام الصحي بأكثر من 3 ملايين طفل، في حين أن 17 مليون طفل باتوا خارج مقاعد الدراسة.

** هجمات مكثفة غربا

ورغم استعادة الجيش لمعظم ولاية الخرطوم، لا تزال الاشتباكات مستمرة بولايات أخرى، مع إصرار قوات الدعم السريع على عدم التفريط بسيطرتها على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور، كما تستمر المعارك في ولايات غرب وجنوب وشمال كردفان (وسط).

وضمن ولايات البلاد الـ18، لم تعد الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب).

وبعد معارك الخرطوم، صعّدت قوات الدعم السريع هجماتها المكثفة على مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، والتي تخضع لحصار خانق منذ 10 مايو 2024، رغم أنها لا تزال تحت سيطرة الجيش.

وتواصل القوات المسلحة الحكومية وحلفاؤها الدفاع عن المدينة، في وقت تشير فيه التقارير إلى أن الوضع في مخيمات النازحين هناك، والتي تستضيف ملايين المشردين، "كارثي ومروّع".

ويشدد قادة الجيش على أنهم لن يتوقفوا قبل طرد قوات الدعم السريع من آخر نقطة في البلاد، بينما أعلن قادة الدعم السريع عن استعدادهم لشن هجمات على ولاية نهر النيل شمال السودان، وهي إحدى الولايات التي لم تصلها الحرب مثل ولايات الشرق.

بينما يرى خبراء أن الجيش السوداني، رغم الانتصارات التي حققها في الآونة الأخيرة، يواجه تحديات كبيرة وصعوبات ميدانية تعيق حسم النزاع بشكل نهائي.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.