ذكرى استقلال لبنان.. رحل الاستعمار مخلّفًا بذور الانقسام (تقرير)
يحتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال هذا العام وتعصف ببلدهم أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، ترافقها أزمات سياسية واضطرابات متتالية، لطالما أذكتها الانقسامات الطائفية والمذهبية.
Lebanon
بيروت/ نعيم برجاوي / الأناضول
- يحتفل اللبنانيون بالذكرى الـ78 لاستقلال بلادهم عن الاستعمار الفرنسي- يتزامن احتفالهم مع أزمات سياسية واضطرابات باتت تشكل خطرا وجوديا
- جزء كبير من الانقسامات والأزمات تعود جذورها إلى حقبة الاستعمار
** المؤرخ اللبناني حسان حلاق، في حديثه للأناضول:
- احتلال فرنسا للبنان أحدث انقسامات طائفية ومذهبية بين أبناء الوطن
- الطائفية والمذهبية ما زالت تنخر الكيان اللبناني وتضعفه
يحتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال هذا العام وتعصف ببلدهم أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، ترافقها أزمات سياسية واضطرابات متتالية، لطالما أذكتها الانقسامات الطائفية والمذهبية.
هذا الواقع دفع ببعض المسؤولين والخبراء مؤخرا إلى التحذير من أن البلد الذي نال استقلاله منذ 78 عاما، أصبح في خطر وجودي، وبات عرضة للتفتت نتيجة تراكم الأزمات.
جزء كبير من الانقسامات والأزمات في البلاد تعود جذورها الى حقبة الاستعمار الفرنسي الذي كرس الطائفية والمذهبية وجعلها عامود الأساس لنظام الحكم في البلاد، وهذا ما زال ساريا حتى اليوم.
** ظهور لبنان كبلد جديد
كانت المناطق اللبنانية مندمجة مع سوريا التي كانت جزءا من الولايات العثمانية طيلة أكثر من 4 قرون قبل أن يحل الانتداب الفرنسي في المنطقة تنفيذا لاتفاقية "سايكس – بيكو"، ويظهر لبنان كبلد جديد عام 1920.
وبعد 23 عاما، رحل الانتداب لكنه نثر خلفه بذور الانقسامات والخلافات، من خلال وضعه نظاماً سياسياً للبلد الناشئ حديثاً مبني على التقسيمات الطائفية والمذهبية في الحكم، وهذا ما شكل منطلقاً للاضطرابات المتلاحقة فيما بعد.
ويقول المؤرخ اللبناني حسان حلاق، إن "الانتداب هو مصطلح ملطف للاحتلال"، مبينًا أن "الممارسات الفرنسية في تلك الفترة كانت تعكس سياستها الاستعمارية التي كانت تكنها للبنان والمنطقة منذ منتصف القرن الـ19".
** الميثاق الوطني
ويتابع حلاق في حديثه للأناضول: "احتلال فرنسا للبنان أحدث انقسامات طائفية ومذهبية بين أبناء الوطن الناشئ، لكنهم توحّدوا فيما بعد حول الحرية والاستقلال ونجحوا بذلك".
الوحدة اللبنانية تجلت باتفاق "الميثاق الوطني" عام 1943 بين رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، حيث تخلى بموجبه المسيحيون عن حماية فرنسا، والمسلمون عن الوحدة مع العرب.
وهكذا نجح اللبنانيون في انتزاع استقلال بلدهم عن فرنسا في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1943، بعدما توحدت ردود فعل المسلمين والمسيحيين ضد الممارسات الاستعمارية الفرنسية.
** الفرنسيون رضخوا
ويستذكر حلاق الأيام القليلة التي سبقت الاستقلال عندما قام الرئيس الخوري ورئيس الحكومة الصلح، بتعديل الدستور اللبناني، وحذفا منه عبارة "عملا بصك الانتداب"، ما أثار غضب الفرنسيين وقاموا باعتقالهما إلى جانب قادة وطنيين آخرين.
الإجراء الفرنسي التعسفي جُوبه حينها بردة فعل موحدة من المسلمين والمسيحيين على السواء، فضلاً عن وقوف قادة عرب إلى جانب لبنان ودعمهم للخطوات الاستقلالية، بحسب حلاق.
رضخت فرنسا ونال لبنان استقلاله، إلا أن اللبنانيين صمموا على أن الاستقلال لا يكتمل إلا برحيل القوات الفرنسية، وهذا ما حصل عام 1946 مع جلاء آخر جندي عن لبنان في 31 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه.
** انقسامات طائفية
رحل الفرنسيون عن لبنان، لكن رواسب الانقسامات الطائفية التي رسخوها إبان فترة استعمارهم بقيت تخيّم على البلد الصغير طيلة العقود الماضية، وظلت تنعكس بين حين وآخر اضطرابات ونزاعات وحروب حتى يومنا هذا.
ويقول المؤرخ: "الاحتلال الفرنسي كرّس الطائفية والمذهبية في لبنان وفقا للدستور الذي وضعه للبلاد، كما أنه عمق الخلافات بين الطوائف بسبب انحيازه إلى فئة ضد أخرى، سيما فيما يتعلق بالمناصب الرسمية كاختيار الوزراء والنواب".
وهكذا بقيت الخلافات والانقسامات طاغية على الحياة السياسية اللبنانية حتى ما بعد الاستقلال، وورثها اللبنانيون من جيل إلى آخر، ولم يجنوا منها سوى التوترات والعنف.
وشهد لبنان منذ نيله استقلاله حتى اليوم عدة اضطرابات وصراعات مسلحة بين أبناء الوطن الواحد، أبرزها الحرب الأهلية التي استمرت طيلة 15 عاماً، وامتدت بين عامي 1975 و1990.
ويضيف حلاق، أن "الطائفية والمذهبية ما زالت تنخر الكيان اللبناني وتضعفه، في وقت أن القوى الدولية تستفيد من ذلك، وتستغل بعض الطوائف من أجل مصالحها الخاصة وأطماعها في لبنان والمنطقة".
وإلى اليوم ما زال لبنان واقع بين التجاذبات الدولية وصراعات المحاور، وفق حلاق الذي يقول: "لبنان أصبح في السنوات الاخيرة مرتهن بشكل او بآخر لبعض القوى الإقليمية".
** أطماع فرنسية مستمرة
واعتبر المؤرخ اللبناني أن "فرنسا أو سواها من الدول الاستعمارية، قد ترسل جيوشاً لتوسيع نفوذها في بعض الدول سعياً للمصالح الاقتصادية والسياسية، لكن في لبنان ليس من الضروري حالياً إرسال قواتها".
ويضيف أن "فرنسا قد تسعى لذلك (توسيع نفوذها) من خلال مشاريع استثمارية تطمع فيها كمشروع إعادة إعمار مرفأ بيروت، من خلال شركات فرنسية، وهذا ما تطمح إليه دول أخرى"، وفق تعبيره.
وفي 4 أغسطس/ آب 2020 وقع انفجار ضخم بالمرفأ أدى الى مصرع أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وتضرر أجزاء واسعة من العاصمة اللبنانية بيروت.
وبعد يومين من الانفجار، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بيروت معلنا عزمه تقديم مساعدات إنسانية، ثم زارها مرة ثانية بعد أيام قليلة مطلقاً "مبادرة" لحل الأزمة في البلاد بعد تقديم الحكومة لاستقالتها على خلفية الانفجار، وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي كانت وما زالت تعصف بلبنان منذ أواخر 2019.
إلا أن مراقبين اعتبروا لاحقاً أن "مبادرة" ماكرون فشلت، سيما وأن الفراغ الحكومي استمر 13 شهراً قبل تأليف حكومة نجيب ميقاتي في سبتمبر / أيلول الماضي، فيما لا تزال الأزمة الاقتصادية تتصاعد حتى اليوم.
** أزمة تنذر بالأسوأ
ويرى حلاق أن الأزمة التي يعيشها اللبنانيون اليوم لم يشهدوا مثيلاً لها منذ الاستقلال، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ويعرب عن تخوفه من "الأسوأ" ومزيد من الهجرة إلى الخارج.
ويضيف أن "القرار اللبناني اليوم للأسف ليس لبنانيا، إنما يخضع للضغوط الإقليمية والدولية"، مؤكدًا أن الاستقلال عن القوى الخارجية لا يمكن أن يتحقق إلا بوحدة اللبنانيين والابتعاد عن الانقسام المذهبي والطائفي.
ومؤخراً يمر لبنان بأزمة سياسية تتمثل بتعليق اجتماعات الحكومة منذ 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد خلافات بين السياسيين حول قرارات المحقق العدلي بقضية انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار الذي تتهمه جماعة "حزب الله" (حليفة إيران) وبعض حلفائها بالتحيز وتطالب بإبعاده عن التحقيق.
ومنذ نحو عامين، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة، صنفها البنك الدولي واحدة من بين 3 أسوأ أزمات في العالم، أدت الى انهيار مالي غير مسبوق، وتفشي الفقر والبطالة، وارتفاع بمعدلات الجرائم.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.