"راجو".. ناحية استراتيجية قاومت الاحتلال في العهد العثماني
تُشير وثائق رسمية، اطلعت عليها الأناضول، إلى أن الأهمية الاستراتيجية لـ"راجو"، تأتي من كونها نقطة عبور لسكة حديد "الأناضول – بغداد" إلى منطقة "إصلاحية" في ولاية "غازي عنتاب" جنوبي تركيا
Ankara
أنقرة/ ديلدار بايكان/ الأناضول
تمتّعت ناحية "راجو" شمال غربي منطقة عفرين السورية، والتي حرّرتها القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر، من الإرهابيين، بأهمية استراتيجية كبيرة إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وحرب الاستقلال التركية.
وتُشير وثائق رسمية، اطلعت عليها الأناضول، إلى أن الأهمية الاستراتيجية لـ"راجو"، تأتي من كونها نقطة عبور لسكة حديد "الأناضول – بغداد" إلى منطقة "إصلاحية" في ولاية "غازي عنتاب" جنوبي تركيا.
سكة حديد "الأناضول – بغداد"، التي أنشئت عام 1914، كانت تنطلق من حلب وتمر من مدينة "تل رفعت" و"قطمة"، وعلى بعد 4 كيلومترات شمالي مركز مدينة عفرين، ثم "راجو" و"أكبس" من أجل الوصول الى "إصلاحية".
وخضعت ناحية "راجو" لسيطرة الدولية العثمانية بعد هدنة موندروس خلال الحرب العالمية الأولى وحرب الاستقلال، ليستخدمها الجيش التركي كممر لوجستي.
وهدنة موندروس، هي اتفاقية وُقّعت يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1918، لتنهي العمليات القتالية بين الدولة العثمانية وقوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا).
وبحسب وثائق دائرة التاريخ العسكري والدراسات الاستراتيجية في رئاسة الأركان التركية، فإن الوحدات العثمانية كانت متمركزة في "راجو" يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1918، لكن قائم مقائم الناحية وقائد القوات العسكرية غادراها في 3 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
ومطلع عام 1919 احتلت القوات البريطانية منطقة عفرين بالكامل، بما فيها راجو، على خلفية انسحاب جميع الوحدات العسكرية التركية والموظفين، من المنطقة.
** "راجو" ضد الفرنسيين إبان حرب الاستقلال (1919–1923)
أدّت "راجو"، أيضًا، دورًا استراتيجيًا كبيرًا لـ"قوات المقاومة الوطنية" خلال حرب الاستقلال، في عشرينيات القرن التاسع عشر، حيث حاربت مفارز تركية وكردية جنبًا إلى جنب ضد القوات الفرنسية.
هذه المفارز، قامت بتفكيك سكة الحديد الواصلة بين "قطمة" و"راجو"، الأمر الذي تسبب بخروج القطارات من السكة خلال نقلها قوات احتلال فرنسية إلى الأناضول، وتمكنت من تكبيد هذه القوات خسائر فادحة.
وفي عام 1921 تمكنت "قوات المقاومة الوطنية"، التابعة لقيادية "أضنة"، من تكبيد الفرنسيين خسائر كبيرة من خلال شنّ هجمات على محطتي "أكبس" و"راجو" بأسلحة وذخائر وصلتها من أنقرة آنذاك.
وسيطرت "قوات المقاومة الوطنية" على خط راجو – أكبس شمالي عفرين، حتى نهاية عام 1921، ثم انسحبت الدولة العثمانية من المنطقة بموجب اتفاقية أنقرة (21 أكتوبر/ تشرين الأول 1921).
وكان المؤرخ والكاتب التركي أنس دمير، قال في حديث سابق للأناضول، إن القوات العثمانية لم تخسر عفرين حتى في الحرب العالمية الأولى، وظّلت مسيطرة على خط عفرين – تل رفعت – أعزاز حتى بعد هدنة موندروس.
وأضاف دمير أنه "في تلك الفترة كان الجيش السابع في القوات المسلحة التركية بقيادة مصطفى كمال باشا (أتاتورك)، ومقره ناحية راجو في عفرين، مسؤول عن قيادة العمليات في المنطقة".
كما كانت القوات التركية تمتلك مقراً آخر وسط مدينة عفرين، فيما أشرفت القوات التابعة للجيش الثالث على خط الدفاع الممتد بين بلدة دير جمال في منطقة اعزاز بمحافظة حلب حتى نهر عفرين، بحسب دمير.
وتابع: "رئاسة التشكيلات والعمليات في عموم سوريا المعنية بدعم وحدات المقاومة المحلية ضد القوات المحتلة الأجنبية، طلبت عام 1921 من الجيش الثاني (تركي) دعم القوات الوطنية التركية في عفرين بالأسلحة".
وأكد المؤرخ التركي استناداً للوثائق التاريخية أن "مصطفى كمال باشا استجاب للطلب، ودعم القوات الوطنية في عفرين بالأسلحة التي تم جلبها من أضنة (جنوب)".
وأضاف دمير: "رغم بدء سريان هدنة موندروس، فإن بريطانيا هاجمت في مارس/ آذار 1919 عفرين، وأقدمت على احتلالها بصورة غير مبررة ولا مشروعة، منتهكة بنود الهدنة والقانون الدولي".
وأوضح أن القوات المحتلة البريطانية والفرنسية واجهت مقاومة باسلة من سكان المنطقة الأتراك والأكراد والعرب الذين انتظموا في صفوف القوات الوطنية، وقد أمدّها أتاتورك بالدعم اللازم، لكن القوات الغازية لم تتوانَ عن سلخ هذه المنطقة.
دمير في نهاية حديثه، أشار إلى أن قوات الجيش السوري الحر المنضوية تحت لواء عملية غصن الزيتون في يومنا هذا، تمثل القوات الوطنية التي قارعت المحتلين الأجانب في تلك المرحلة.
ويعيش حاليًا في مركز ناحبة "راجو" والقرى المحيطة بها، نحو 20 ألف نسمة من العرب والأكراد والأزيديين، بعد ان كانت تضم الأكراد والتركمان في المراحلة السابقة.
والسبت، تمكّن الجيشان التركي والسوري الحر، من تحرير مركز ناحية "راجو" ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة "عفرين" شمالي سوريا، من قبضة تنظيمات إرهابية.
و"راجو" هي الناحية الثانية، بعد "بلبل"، التي تم تحرير مركزها من قبضة الإرهابيين، في إطار "غصن الزيتون" المتواصلة في المنطقة منذ 20 يناير/كانون الثاني الماضي.
كما حررت قوات "غصن الزيتون" ناحية "شيخ الحديد" أمس الأحد، ليرتفع عدد النقاط المحررة في عفرين إلى 134، بينها 102 قرية، و6 مزارع، و22 جبلًا وتلة استراتيجية، وقاعدة عسكرية واحدة تابعة لإرهابيي "ي ب ك/ بي كا كا".