الدول العربية, التقارير, الجزائر

"رقصة البارود".. فولكلور يخلد مقاومة الجزائر للاستعمار الفرنسي (تقرير)

الرقصة خاصة بالرجال وتعد من أبرز الفنون الشعبية المتوارثة في الجنوب الجزائري، ويشكلها الراقصون بلباس موحد تدور من اليمن إلى اليسار وتتوسطها مجموعة عازفين

05.07.2022 - محدث : 05.07.2022
"رقصة البارود".. فولكلور يخلد مقاومة الجزائر للاستعمار الفرنسي (تقرير) "رقصة البارود".. فولكلور يخلد مقاومة الجزائر للاستعمار الفرنسي

Algeria

الجزائر / حسام الدين إسلام / الأناضول

ـ الرقصة خاصة بالرجال وتعد من أبرز الفنون الشعبية المتوارثة في الجنوب الجزائري
ـ حلقة يشكلها الراقصون وبلباس موحد تدور من اليمن إلى اليسار وتتوسطها مجموعة عازفين

يشكل الرقص الشعبي جزءا من التراث والتقاليد التي يحافظ عليها الجزائريون ويعتدون بها، على اختلاف أشكالها وأنواعها.

من بين هذه الرقصات الشعبية "رقصة البارود" التراثية الفولكلورية، التي ترتبط بالمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي (1830 ـ 1962).

وإلى جانب رقصات شعبية وفولكلورية معروفة بالجزائر، مثل الرقص القبائلي ورقص العلاوي، تشتهر رقصة البارود في جنوب البلاد خاصة بمحافظة أدرار (جنوبي غربي البلاد).

اسم الرقصة مشتق من كلمة البارود، مسحوق يُصنع من الكبريت ونيترات الصوديوم والفحم وهو مادة صلبة قابلة للاشتعال والتفجير، يستعمل ذخيرةً للبنادق التقليدية أو لصنع القنابل التقليدية.

قبيل افتتاح المهرجان المحليّ للموسيقى والأغنية الوهرانية (26 ـ 28 يونيو/ حزيران 2022) بمحافظة وهران (غرب)، صنعت فرقتا "الخيمة الخضراء" و"أولاد الصحراء" (محليتان) أجواء جميلة واستثنائية بتقديمهما لرقصة البارود خارج المسرح الجهوي "عبد القادر علولة" (حكومي).

** رقصة للرجال

بحسب مختصّين، تعتبر رقصة البارود من أبرز الفنون الشعبية المتوارثة جيلاً بعد جيل في الجنوب الجزائري، وارتبطت بتاريخ المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.

والرقصة خاصة بالرجال، وتسمّى أيضاً حلقة البارود، تتمثل في حلقة دائرية تدور من اليمن إلى اليسار، يشكلها الراقصون وبلباس موحّد، بحسب ما لاحظناه عند فرقة أولاد الصحراء من محافظة وهران.

وتختلف أزياء فرق رقص البارود على صعيد الألوان والطرز والخياطة، من منطقة لأخرى في الصحراء الجزائرية.

زي الفرق يتمثّل بعباءة تكون مطرّزة غالباً، والشاش الذي يوضع على الرأس حسب كل جهة ومنطقة، وهو خاصّ بالرجال فقط، فيما يحمل كل راقص ما يسمى "مكحلة" في اللهجة الجزائرية، وتعني "البندقية".

وتتجلى ملامح الرقصة في تشكيل الراقصين الرجال لحلقة دائرية، تتوسّطها مجموعة عازفين.

ويؤدي الراقصون الذين يفوق عددهم 30 شخصاً، مقاطع غنائية روحية تتضمّن ابتهالاتٍ ومدائح دينية في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وترديد الأذكار وأدعية الخير.

** أصل رقصة البارود

يشرح الصحفيّ الجزائري المختصّ في الشأن الثقافي فيصل مطاوي، أنّ "رقصة البارود تراث وفولكلور شعبي موجود في بعض مناطق الجزائر، خاصة في محافظة أدرار (جنوب غربي البلاد) وتمنراست (جنوب)، وبخنشلة (شرق)، وفي محافظات الغرب الجزائري مثل وهران".

وقال مطاوي للأناضول، إنّ "الرقصة لديها عدّة معانٍ من حيث الكلمات، وتكون على شكل دائرة، وتستعمل البارود كتعبير عن الفحولة والرجولة والشجاعة والإقدام".

وأضاف: "في الوقت نفسه، البارود يستعمل في الأفراح، لذلك هذه الرقصة هي رقصة حفلات وأفراح ومناسبات يرحّب من خلالها بالضيوف".

وبحسب مطاوي "رقصة البارود موروثٌ ثقافيّ عن الأجداد، كان أداة نضالٍ وصوتَ مقاومة ضد المحتل قبل أكثر من قرن".

من جانبه، قال أمين بلحفيان، رئيس جمعية الخيمة الخضراء (مستقلة) إنّ "رقصة البارود ورقصات تراثية أخرى تقدّمها فرقة فولكلورية شعبية، من بينها فرقة البارود التي تنتمي لجمعية الخيمة الخضراء".

وأضاف بلحفيان في حديث للأناضول، أنّ "الجمعية والفرقة تنشط داخل وخارج الوطن، وكانت لها مشاركات دولية وحصدت جوائز خارج البلاد".

وبخصوص أصل "رقصة البارود"، أوضح أنها "نشأت عند سكان الصحراء في الجنوب الجزائري، وظهرت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر".

وأشار بلحفيان إلى أنّ "رقصة البارود موروثٌ ثقافي أصيل يمسّ الجانب الروحيّ أكثر من الجانب النفسيّ أو الجسدي، من خلال مضمون الرقصة والكلمات التي يردّدها الراقصون حول مدح النبي محمد".

ولفت إلى أن الرقصة مستوحاة من تاريخ المقاومة للاستعمار، حيث اندلعت مقاومات شعبية متفرقة بعدة مناطق جزائرية، ضد فرنسا كانت البنادق البسيطة أهم وسيلة للحرب، وتقام بعد الانتصار في المعارك حفلات رقص لمقاومين يحملونها.

ووفق بلحفيان "هذا النوع من الرقص تطوّر في وقتنا الراهن، على صعيد الكلمة وطريقة إلقاء الأغاني، غير أنّ جوهرها لم يتغيّر، وبقي محافظاً على طابع الرقصة وروحها".

وبخصوص الآلات المرافقة للرقصة، قال إنّها ثلاث آلات رئيسية وهي:

آلة "القلاّل"، ويسمّى أيضا (الخلاّف)، وهي آلة إيقاع يضرب عليها باليد، مصنوعةٌ من الطين والجلد.

آلة "الربّاع"، وهي عبارة عن طبل جلديّ متوسط الحجم، و"التبقّاي"، وهو آلة صغيرة عبارة عن طبل جلديّ أصغر حجماً من الأول والثاني، تنسّق وتكمل ما تبقى من نغمتي الآلة الأولى والثانية لتصدر بشكلٍ جميل".

إضافة إلى آلتين ثانويتين هما "المزمار"، آلة نفخ مصنوعة من الجلد، و"القرقابو"، آلة إيقاعية مصنوعة من المعدن، لها قرصان محدّبان في الوسط ويقرعان فيما بينهما باليد.

من جهته، قال الطيب بيداري، رئيس فرقة أولاد الصحراء من محافظة وهران، إنّ "الفرقة بدأت ممارسة فن رقصة البارود سنوات التسعينيات من القرن الماضي، لكنّه ظهر خلال حقبة الاستعمار الفرنسي".

وأضاف بيداري للأناضول: "رقصة البارود، من التراث الجزائري، توارثناه عن الأجداد والآباء، هو طابع صحراوي يحمل معاني روحية، كما رقصات أخرى مثل العلاوي والفانتازيا".

واعتبر أنّ رمزية هذه الرقصة ليست روحية فقط، بل ارتبطت بمقاومة المستعمر الفرنسي، وكانت أداة مقاومة ونضال بالكلمة والعزف والأداء.

وبحسب بيداري، مع مرور الوقت تطوّرت هذه الرقصة الشعبية وأصبحت تؤدّى في المناسبات الوطنية والأفراح والمهرجانات الموسيقية.

وأوضح أنّ رقصة البارود تتشكل من مجموعة من الراقصين يجمعهم لباس واحد، يستعملون في رقصاتهم بندقيةً تقليدية لإطلاق البارود، إلى جانب آلات موسيقية تقليدية مرافقة لها، مثل القلّال.

وحول تسمية الفرقة "أولاد الصحراء"، وأفرادها من المحافظة الساحلية وهران، أوضح بيداري أنّ التسمية جاءت نسبة إلى أصل رقصة البارود، وهي الصحراء.

وتبقى رقصة البارود فولكلورا شعبيا متوارثا، ورمزا للمقاومة والأفراح، خاصة في جنوب البلاد، ويعكس أصالة وتاريخ الصحراء الجزائرية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.