Istanbul
نواكشوط/ محمد البكاي/ الأناضول
- وفق محللين، ستمضي مالي في المفاوضات لنشر المئات من عناصر الشركة الروسية على أراضيها.- يأتي ذلك في ظل تراجع الدور الفرنسي بدول مجموعة الساحل الخمس، ذات الموقع الاستراتيجي والغنية بالموارد الطبيعية.
- محلل سياسي: العديد من النخب الإفريقية باتت تدفع للخروج عن النفوذ الفرنسي.
- صحفي: لن تدخر باريس جهدا في منع موسكو من دخولها.
رجح محللون سياسيون أن تمضي حكومة مالي في مفاوضاتها مع شركة "فاغنر" الروسية لنشر المئات من عناصرها المسلحة في البلاد المنهكة بالحرب.
يأتي ذلك في ظل تراجع واضح للدور الفرنسي بدول مجموعة الساحل الخمس التي تشكل ساحة تنافس دولي نظرا لموقعها الاستراتيجي كنقطة ربط بين مختلف دول القارة السمراء وثرائها بالموارد الطبيعية.
وتعتبر روسيا من البلدان التي بدأت تولي اهتماما خاصا بدول مجموعة الساحل الإفريقي الخمس: موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر.
وكانت وكالة رويترز، ذكرت أن الحكومة الانتقالية المشكلة في مالي بعد الانقلاب، والتي يهيمن عليها الجيش، على وشك توقيع اتفاق مع الشركة الروسية، ينص على تدريب الجيش وحماية كبار المسؤولين بالبلاد.
وتأتي مساعي باماكو لإبرام اتفاق مع "فاغنر"، بعد إبرام موسكو اتفاقات عسكرية مع عدد من دول الساحل، فقد وقعت روسيا اتفاقات عسكرية مع عدد من دول المجموعة كان آخرها مع موريتانيا في 24 يونيو/ حزيران المنصرم، واتفاقات عسكرية مشابهة مع مالي عام 2015، والنيجر في 2017.
ويعمل عناصر "فاغنر" على تدريب الجيوش المحلية للدول المتواجدين فيها، وحماية الشخصيات المهمة ومحاربة المتمردين أو الجماعات الإرهابية وحماية مناجم الذهب والماس واليورانيوم في النقاط الساخنة.
** مفاوضات متقدمة
وأشار الباحث الموريتاني المتخصص في شؤون دول الساحل، أحمد ولد محمد المصطفى، لوجود مؤشرات تدل على أن الحكومة المالية وصلت مراحل متقدمة في التفاوض مع شركة "فاغنر" بشأن نشر المئات من عناصر الأخيرة في البلاد.
وذكر المصطفى للأناضول، أن بيانات الرفض لهذه الاتفاق التي صدرت من الحركات الأزوادية النشطة في شمال مالي والعديد من الدول الأوروبية، تؤكد أن المفاوضات بين "فاغنر" وباماكو، وصلت مراحل متقدمة، وأن هناك جدية لدى السلطات المالية في المضي قدما بهذا الاتفاق.
كما أفاد المحلل السياسي الموريتاني، أحمد سالم ولد يب خوي: "بات من الواضح للجميع أن السلطات في مالي لديها رغبة حقيقة في الخروج من دائرة النفوذ الفرنسي، ما يعني أنها ستدفع بقوة لتوقيع الاتفاق".
ولفت ولد يب خوي، في حديث للأناضول، أن العديد من النخب الإفريقية باتت تدفع للخروج عن النفوذ الفرنسي.
بدوره، يري الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية، محمد جوب، أن المعلومات المتداولة والعلاقة التي تربط عددا من كبار قادة الجيش المالي مع روسيا، تظهر أن سلطات مالي ستمضي في توقيع الاتفاق مع "فاغنر".
** حضور روسي متسارع
واعتبر المصطفى، أن الحضور الروسي في مالي ودول الساحل تسارع خلال الفترة الأخيرة، موضحا أن العلاقات التي تربط كبار ضباط الجيش المالي بموسكو ستساهم بشكل كبير في إتمام الاتفاق مع "فاغنر" رغم الرفض الدولي الواسع.
وأشار أن الموقف الروسي بدول الساحل يعززه أيضا علاقة موسكو بالدولة الأقوى في المنطقة وهي الجزائر، وحجم الإحباط من التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة.
وأردف: "عموم المشهد يوحي بأن لدى روسيا فرصة لتعزيز نفوذها في الساحل ولن تدخر أي جهد في أن يتعزز حضورها أكثر من خلال إبرام اتفاق نشر عناصر شركة فاغنر في مالي".
** عقبات قد تواجه موسكو
يرى الصحفي السنغالي المتخصص في الشؤون الإفريقية، محمد جوب، أن مساعي روسيا لإيجاد موطئ قدم لها بدول الساحل ستواجه صعوبات، من أبرزها، كون المنطقة تابعة للنفوذ التقليدي الفرنسي، ولن تدخر باريس جهدا في منع موسكو من دخولها.
وأضاف جوب للأناضول: "بالإضافة إلى كون فرنسا تعتبر منطقة الساحل منطقة نفوذ لها، فإن لها مصالح اقتصادية كبيرة في المنطقة، منها استثمارات في مجال اليورانيوم والغاز".
وأكد أن روسيا ستواجه مصاعب قوية في التغلغل بمنطقة الساحل.
فيما أفاد الباحث المصطفى: "المنطقة تغص بالأجندات المتصارعة، فأمام الروس إذا دخلوا، النفوذ التقليدي للفرنسيين والوافدين الأمريكيين الجدد الذين يسعون لموطئ قدم بالساحل واتخذوا من النيجر بوابة لذلك، كما أن لتركيا مساعيها لإيجاد موطئ قدم هناك".
وشدد المتحدث، قائلا: "كل المؤشرات تدل على أن الدور الفرنسي في الساحل سيشهد تراجعا كبيرا خلال الفترة القادمة، إذ يرى الرأي العام في مالي ودول الساحل أن الأوضاع الأمنية تدهورت أكثر رغم مرور 8 سنوات على التواجد العسكري الفرنسي بالمنطقة".
** ارتباك فرنسي
وأفاد المصطفى، بأن "فرنسا تعاني من ارتباك شديد وهو ارتباك يمكن فهمه في سياق فشل كل الأجندات التي راهنت عليها خلال الفترة الأخيرة".
وأضاف: "الرهان الفرنسي بدأ أولا بمحاولة الحصول على قوة مشتركة لمجموعة دول الساحل من خلال الحصول لها على اعتماد في مجلس الأمن وفقا للبند السابع، لكن المشروع الفرنسي الذي قدم بهذا الصدد أجهضه التلويح الأمريكي بالفيتو، وهذا ما أجل الانطلاقة الفعلية لهذه القوة".
وزاد: "ثم راهنت فرنسا بعد ذلك على إيجاد قوة أوروبية تحل محل قواتها (برخان)، فأطلقت عملية أخرى لإحلال قوات أوروبية محل قواتها لكن هذه الخطوة أيضا واجهت تمنعا ألمانيا، برفض برلين الانخراط في هذا المسار وهو ما أجهض أيضا هذه المحاولة الفرنسية".
ولفت أن "باريس فشلت حتى الآن في الإجابة على السؤال: ماذا قدمت فرنسا لمالي ودول الساحل بعد 8 سنوات من وجودها العسكري؟".
ويتفق ولد محمد المصطفى، ومحمد جوب، و ولد يب خوي، على أن اتفاق السلطات المالية وشركة "فاغنر"، في حال توقيعه، سيكون بداية لتوسع روسي في جميع بلدان دول الساحل، وقد يتمدد إلى العديد من دول القارة السمراء.
وكانت فرنسا أطلقت عملية "برخان" العسكرية في مالي عام 2014، بهدف القضاء على الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي والحد من نفوذها.
** مجموعة دول الساحل
ومجموعة دول الساحل "جي 5"، هي تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون تأسس عام 2014، حيث يقع مقر أمانتها العامة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط.
ويهدف التجمع إلى مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والعمل على حشد تمويلات واستقطاب استثمار أجنبي للنهوض ببلدانه الأعضاء، وفق ما يعرف التكتل نفسه.
وتنشط بمنطقة الساحل الإفريقي العديد من التنظيمات المتطرفة، بينها فرع "القاعدة ببلاد المغرب"، حيث تشن هذه التنظيمات من حين لآخر هجمات تستهدف الثكنات العسكرية والأجانب بدول الساحل، خصوصا في مالي.
وفيما تحولت منطقة الحدود الثلاثة المشتركة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إلى معقل جديد للتنظيمات المتشددة، أخفقت عملية "برخان" الفرنسية، التي تضم 5100 جندي في تطهير المنطقة من المسلحين، رغم وجود قوات من الاتحاد الإفريقي ووصول دعم عسكري من دول أوروبية.
وأعلنت فرنسا، مطلع يوليو/ تموز 2021، أنها ستستأنف العمليات العسكرية المشتركة في مالي، بعد تعليقها مطلع يونيو الماضي، عقب انقلاب عسكري بالبلاد هو الثاني خلال أقل من عام.