فلنة: جنود إسرائيليون جرونا مكبلين وضربوا رؤوسنا بالجدران (تقرير)
الأسير الفلسطيني المحرر محمد فلنة الذي أفرج عنه ضمن الدفعة الثالثة من صفقة التبادل وأبعد قسرا إلى قطاع غزة يروي تفاصيل الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم لحظة الإفراج عنهم
Gazze
غزة / الأناضول
في مشهد يجسد الوحشية التي تعامل بها إسرائيل المعتقلين الفلسطينيين داخل سجونها، اقتادت إدارة مصلحة السجون الأسرى ضمن الدفعة الثالثة من صفقة التبادل مكبلي الأيدي والأقدام ومعصوبي الأعين، وهي تجرهم بعنف وتضرب رؤوسهم بالجدران والأبواب.
الأسير المحرر محمد فلنة ضمن الدفعة الثالثة، من بلدة صفا غرب مدينة رام الله بالضفة والمبعد قسرا إلى قطاع غزة، يقول للأناضول إن هناك مفارقة كبيرة بين طريقتي الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين والأسرى الإسرائيليين.
هذا التعامل تعرض له المعتقلون الفلسطينيون لحظة الإفراج عنهم، في وقت أطلق فيه سراح الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة بملابس نظيفة ومرتبة محملين بهدايا، ومودعين الفلسطينيين الذين احتشدوا ليكونوا شهودا على هذه اللحظة بـ"ابتسامة وتلويح يد".
وهو ما أثار غضب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفق ما نقلته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصدر أمني، السبت.
وقال المصدر للصحيفة: "أعرب الصليب الأحمر عن غضبه من الطريقة التي تعاملت بها مصلحة السجون الإسرائيلية مع السجناء الأمنيين خلال إطلاق سراحهم من سجن كتسيعوت (النقب الصحراوي)".
و"كان أكثر ما أثار غضب المنظمة الأممية هو اقتياد الأسرى الفلسطينيين بعد رفع أيديهم المكبلة بالأصفاد خلف رؤوسهم وهو وضع مؤلم"، وفق المصدر ذاته.
ونقلت الصحيفة عن المصدر الأمني أن "الصليب الأحمر تقدم بشكوى إلى مصلحة السجون حول سبب اقتياد السجناء مقيدين بأيديهم فوق رؤوسهم بطريقة تخدش كرامتهم، حسب زعمهم، مع وضع سوار على أيديهم مكتوب عليه عبارة الشعب الأبدي لا ينسى".
ونشرت "هآرتس" صورة لسوار حول معصم أحد الأسرى الفلسطينيين وعليه عبارة بالعربية "الشعب الأبدي لا ينسى، أطارد أعدائي وأدركهم"، في إشارة إلى عزم إسرائيل اغتيال أو ملاحقة المحررين وإعادة اعتقالهم.
والسبت، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيان، إن الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين المحررين تعكس كيف حوّلت إسرائيل سجونها إلى مراكز تعذيب ممنهج، ووصفها بأنها "قبور للأحياء".
وذكر أن "الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل ضمن تفاهمات الاتفاق تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات المهينة التي استمرت حتى اللحظة الأخيرة قبل الإفراج عنهم".
** تفاصيل المشهد
ويضيف فلنة المحكوم بالمؤبد وقضى 34 عاما داخل السجن، أنه بينما يخرج أسرى إسرائيل بملابس نظيفة وفرحين، يتعرض الفلسطينيون لـ"ذل وإهانة".
ويوضح أن مصلحة السجون الإسرائيلية تعكف على تكبيل أقدام الأسرى الفلسطينيين وأيديهم بالأصفاد وعصب أعينهم بقطع من القماش.
ويبيّن أن جنودا إسرائيليين يجرون الأسرى الفلسطينيين المكبلين بعنف ويضربون رؤوسهم بالجدران أو الأبواب، ومن ثم يسألونهم متهكمين: "هل أنتم عميان؟".
هذا التهكم، جاء بحسب فلنة، في وقت كان فيه الأسرى الفلسطينيون معصوبي الأعين وغير قادرين على الرؤية.
ويتابع أنه "بينما كان الأسرى يتجهزون للمغادرة بكت إحدى المجندات الإسرائيليات، لتجيب حينما سألها زميلها عن السبب: ’لأن هؤلاء (الفلسطينيون) غادروا أحياء، كان ينبغي أن يموتوا".
** ساعات من التعذيب
قبل مغادرتهم السجن، قضى الأسرى الفلسطينيون الذي كان من المفترض أن يخرجوا ضمن الدفعة الثالثة ساعات طويلة من التعذيب على أيدي مصلحة السجون الإسرائيلية.
ويقول فلنة عن ذلك، إنهم تعرضوا ليلة الإفراج عنهم منذ الساعة 3 فجرا وحتى 7 صباحا بالتوقيت المحلي إلى ضرب شديد وهم مكبلين.
وقبل انطلاق الحافلة التي تقلهم، تعمدت مصلحة السجون إبقاء الأسرى داخلها بنوافذها المغلقة وإطفاء جهاز التهوية الذي كان يخفف قليلا من حدة الأجواء.
ويكمل فلنة: "جلسنا في الحافلة نحو 4 ساعات وأغلقوا المروحة، اختنقنا بالداخل وطلبنا إعادة تشغيلها ليقولوا لنا: إن شاء الله تموتون!".
ويشير إلى أن الجيش الإسرائيلي وعلى غير العادة، تعمد إنزالهم من الحافلة قرب حدود غزة دون تسليمهم للصليب الأحمر، مع ضربهم بالأقدام والأيدي.
ويلفت إلى أن أحد الأسرى لم يكن قادرا على السير من شدة الضرب، وأنه "تمسك هذا الأسير بي ومشينا مسافة نحو كيلومتر حتى رأينا الصليب الأحمر وجاء لاصطحابنا".
ويبيّن أن الجيش الإسرائيلي هددهم بإطلاق النيران صوبهم في حال لم يلتزموا بالمسير دون الالتفات إلى الوراء.
**وحوش إسرائيلية
يقول فلنة، إن إدارة مصلحة السجون ومنذ أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 (عملية طوفان الأقصى)، تحولت إلى "وحوش" في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين.
و"طوفان الأقصى" عملية نفذتها فصائل فلسطينية، بينها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، بشن هجوم مباغت على مواقع عسكرية ومستوطنات محاذية لغزة، بالتزامن مع حصار إسرائيلي خانق على القطاع منذ 18 عاما، وتصعيد إسرائيل لانتهاكاتها بحق المسجد الأقصى.
ويضيف فلنة أنه "منذ ذلك التاريخ نواجه وحوشا داخل السجون يتعمدون تخريب الغرف وسكب الزيوت على الملابس وسحب الأجهزة الكهربائية فضلا عن الضرب المتعمد ورش الغاز المسيل للدموع".
ويستطرد عن ذلك: "كانوا يضربوننا بالأقدام، ويجرونا أرضا كما يجرون الكلاب، ونتعرض للشتم والإهانة".
ويزيد أنهم "كانوا يقتحمون الغرف ليلا برفقة الكلاب، ويتعرضون للأسرى بالضرب بينما يرفضون نقل المصابين" للعلاج.
ويروي فلنة قول أحد عناصر وحدات القمع الإسرائيلية حين طُلب منه نقل أسير فلسطيني أصيب أثناء الضرب: "دعوه.. عندما يموت نأخذه مثل الكلب إلى المقبرة".
** تجويع متعمد
إلى جانب ذلك، تعرض الأسرى الفلسطينيون لتجويع إسرائيلي متعمد ما تسبب بفقدانهم عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم.
ويقول فلنة إنه فقد نحو 35 كيلوغراما من وزنه خلال تلك الفترة بسبب عدم تقديم وجبات طعام كافية للأسرى الفلسطينيين.
ويردف: "في مواعيد الوجبات الثلاث نحصل على وجبة لا تكفي لطفل عمره عامان".
ويفيد بأن شكله جراء فقدان الوزن تغيّر بشكل كبير إلى درجة أنه لم يتعرف على نفسه حين أجرى اتصالا مرئيا مع عائلته في رام الله.
ويتابع أنه بينما كان يتحدث عبر الاتصال المرئي وإذ به يرى شخصا غريبا في خانته الخاصة، قبل أن يفاجأ لاحقا بأنها صورته.
ويذكر فلنة أن "المرايا ممنوعة داخل السجون وكانوا يضربون الأسرى حين يجدون ولو قطعة صغيرة منها معهم".
وفي 19 يناير/ كانون الثاني المنصرم، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار الذي يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، ويتم خلال الأولى التفاوض لبدء الثانية والثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وإجمالا، أفرجت فصائل فلسطينية في غزة منذ 19 يناير الماضي وحتى السبت، في أربع دفعات عن 13 أسيرا إسرائيليا، إضافة إلى 5 تايلانديين خارج الصفقة.
ويبقى لدى الفصائل 20 أسيرا إسرائيليا سيتم الإفراج عنهم قريبا، ضمن المرحلة الأولى الجارية، ليكون الإجمالي وفق الاتفاق 33 أسيرا.
في المقابل، أفرجت إسرائيل منذ سريان الاتفاق عن 583 أسيرا فلسطينيا على أربع دفعات في إطار المرحلة الأولى من الاتفاق.
وارتكبت إسرائيل بدعم أمريكي، بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 159 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.