Ankara
أنقرة / الأناضول
الهند التي لطالما حافظت على تنوع ثقافي ولغوي وديني وعرقي، بدأت في السنوات الأخيرة تبتعد تدريجيا عن نهج الانسجام والتماسك الاجتماعي لصالح القوميين الهندوس.
نهجُ تجلى من خلال خطوات يتخذها حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي تولى السلطة للمرة الثانية في انتخابات مايو/أيار 2019؛ لتعزيز حلم المنظمة القومية الطوعية (راشتريا سوايامسيفاك سانغ) بتحويل الهند إلى دولة هندوسية.
ويجنح حزب "بهاراتيا جاناتا" نحو تطبيق عقيدة "هندوتفا"، التي تزعم أن الهندوس يجب أن يهيمنوا على الهند، وأن على الدولة أن تكون ذات هوية هندوسية، وهو ما يتعارض ويقوض القيم الديمقراطية في البلاد.
وأدى تصعيد حزب "بهاراتيا جاناتا" لخطابه الإقصائي وخطواته التي تعزز النزاعات بين مختلف الطبقات في البلاد، إلى تحويل أكثر من 200 مليون مسلم يعيشون في البلاد إلى كبش فداء، وإثارة روح الفرقة بينهم وبين بقية المكونات في الهند.
** عصابات هندوسية
تحولت المظاهرات المناهضة لقانون الجنسية المثير للجدل التي بدأت في المقاطعات الشمالية الشرقية اعتبارًا من ديسمبر/كانون الأول الماضي وانتشرت في جميع أنحاء البلاد تقريبًا، إلى مظاهرات مناهضة لسياسات الحكومة الهندية ووصلت تلك المظاهرات إلى العاصمة نيودلهي منذ الأحد الماضي.
وبعد تصريحات أدلى بها السياسي من حزب "بهاراتيا جاناتا"، كابيل ميشرا، الأحد الماضي، ووجه من خلالها "إنذارًا للشرطة لتهدئة الأحداث"، بدأت عصابات القوميين الهندوس المتطرفة في شن هجمات ضد الجماعات المناهضة للقانون المثير للجدل في المناطق الشمالية الشرقية من العاصمة.
وعمدت شرطة العاصمة إلى تشجيع العصابات الهندوسية المتطرفة على مساعدتها في إخماد المظاهرات المناهضة للحكومة، وفق صور ومشاهد جرى نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما شجع العصابات الهندوسية على زيادة الهجمات التي تشنها على المسلمين.
ومنذ الأحد، لقي 40 مدنيا، وعدد من الموظفين الحكوميين، حتفهم جراء الهجمات التي شنتها العصابات الهندوسية المتطرفة، والتي استهدفت المسلمين والمساجد في العاصمة.
فيما ارتفع عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم في الاحتجاجات المستمرة منذ مطلع ديسمبر/كانون أول الماضي إلى 67.
** عقيدة "هندوتفا"
لعبت تدخلات البريطانيين الهادفة إلى تغيير الثقافة الاجتماعية في البلاد خلال الحكم الاستعماري دورا مهما في تحديد اتجاهات تشكل الوعي القومي في الهند.
وأثرت منظمات مثل "براهمو ساماج" و"آريا ساماج"، التي ظهرت في الهند بهدف إصلاح المؤسسات الدينية الهندوسية، في سياقات تطور الهندوسية كدين ووعي قومي.
وصاغ الناشط السياسي الهندي فيناياك دامودار سافاركار (1883-1966) فلسفة "هندوتفا"، وهو مفهوم يشير عموما إلى القومية الهندوسية.
وأصبح كتاب "أساسيات هندوتفا" الذي كتبه سافاركار عام 1923 أحد النصوص الأكثر أهمية لأنصار القومية الهندوسية؛ حيث أشار سافاركار إلى أن الأمة الهندية هي في الأساس أمة هندوسية.
وأشار سافاركار، الذي يعرّف الهندوس على أنهم ثقافة وجغرافيا وروابط دموية وبلد وأمة متجذرة في التاريخ الإنساني، إلى أن الهند تعتبر وطنا للهندوس وأرضا مقدسة لأتباع هذه الديانة.
وبناءً على ذلك، أصبحت نصوص سافاركار وعقيدة "هندوتفا" تشكل المفهوم الأساسي ومصدر الإلهام للقومية الهندوسية والمنظمات القومية الهندوسية.
** المنظمة القومية الطوعية
تأسست المنظمة القومية الطوعية (راشتريا سوايامسيفاك سانغ) عام 1925 على يد الناشط الهندوسي كيشاف باليرم هيدجوار، ولعبت المنظمة دورا مهما في تطوير عقيدة "هندوتفا" والبعد العرقي للقومية الهندوسية.
وتحولت المنظمة إلى واحدة من أقوى الحركات الدينية والسياسية في البلاد، بقيادة رئيسها الثاني، مادهاف ساداشيف جولوالكار.
ووصف جولوالكار، المعروف بأنه منظّر عقيدة "هندوتفا"، في كتابه "باقة من الأفكار"، المسلمين والمسيحيين والشيوعيين بأنهم "أكبر تهديد داخلي" للهند.
وقال المؤرخ الهندي الشهير راماشاندرا جها، إن كتاب "باقة من الأفكار"، الذي كتبه جولوالكار، تحول إلى كتاب مقدس بالنسبة لأولئك المؤمنين بعقيدة "هندوتفا".
ومع جولوالكار، مؤسس عقيدة "هندو راشترا" القومية، أصبحت المنظمة القومية الطوعية حركة ذات أهداف سياسية.
إلا أن المنظمة واجهت قرارات بالحظر عدة مرات من قبل الحكومة الهندية على مدى تاريخها البالغ 100 عام؛ لاتهامها بالضلوع في أحداث مثل مقتل المهاتما غاندي وهدم مسجد بابري الشهير بالبلاد.
أما اليوم، فتعيش المنظمة القومية الطوعية أقوى فتراتها في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يعتبر الوجه السياسي لهذه المنظمة المتطرفة.
وتمتلك المنظمة أكثر من 50 ألف فرع في جميع أنحاء البلاد، وتعمل من خلال هذه الفروع على إعطاء المنتسبين من الشباب "تدريبات بدنية" وشحنهم بعقائد القومية الهندوسية.
** مودي والمنظمة القومية الطوعية
وُلد ناريندرا مودي في ولاية كجرات شمال غربي الهند العام 1950، والتحق بصفوف المنظمة القومية الطوعية؛ حيث شارك في التدريبات التي تقيمها فروع المنظمة في سن مبكرة.
وبدأ مودي، الذي كان عضوا في المنظمة عندما كان في العشرينات من عمره، العمل في مجال السياسة خلال منتصف الثمانينيات.
وفي تلك الفترة، انتسب مودي إلى حزب "بهاراتيا جاناتا"، وعمل في مختلف مستويات الحزب، حتى أصبح مرشحا لحزبه في الانتخابات المحلية المقامة في ولاية كجرات عام 2001.
وفاز مودي في الانتخابات، وأصبح رئيس وزراء في الولاية المذكورة، كما واجه اتهامات بعدم إخماد أعمال الشغب التي وقعت في الولاية عام 2002، وأدت لمقتل أكثر من ألفيْ شخص.
وجرى انتخاب مودي، الذي شغل منصب رئيس وزراء ولاية كجرات لمدة 3 ولايات، رئيسا للوزراء في الهند عقب فوزه في دورتين انتخابيتين عامي 2014 و2019.
وهكذا، تمكن التيار القومي الهندوسي الذي بدأ بالتصاعد في البلاد اعتبارا من تسعينيات القرن الماضي، من الوصول إلى السلطة عبر بوابة "بهاراتيا جاناتا"، المدعوم من قبل المنظمة القومية الطوعية.
وخلال فترة رئاسة مودي للحكومة الهندية، تحول المسلمون في البلاد إلى هدف مباح للعصابات الهندوسية القومية المتطرفة؛ ما أدى إلى الإضرار بالتجربة التي عاشها الهند منذ قرون، والتي سادها التعايش بين مختلف القوميات والأديان والحفاظ على التقاليد العلمانية في البلاد.