هل تجبر قرارات سعيّد "النهضة" على مراجعة أدائها (تقرير)
ما تزال قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد المتعاقبة، تلقي بظلالها على البيت الداخلي لحركة النهضة، خاصة بعد إقرار مجلس شوراها في اجتماعه الأخير، بضرورة المراجعة الذاتية لأداء الحركة وتصحيحه، وهو ما يفتح الباب أمام تغيير في سياساتها خلال المرحلة المقبلة
Tunisia
تونس/يسرى ونّاس/الأناضول
** الدبلوماسي جلال لخضر: هناك إقرار من الحركة بأنها تتحمل مسؤولية ما حصل بعد انسداد الآفاق والأزمة الاقتصادية والاجتماعية.- قد يكون رئيس الحركة راشد الغنوشي معني بمغادرة المشهد السياسي في مؤتمرها القادم المتوقع نهاية العام الجاري.
- هناك أطراف من خارج الحركة ومساندة للرئيس سعيد تريد التخلص من الغنوشي من خلال أبناء النهضة أنفسهم.
**الباحث قاسم الغربي: النهضة ومن خلال بيانها الأخير مطمئنة للموقف الدولي المساند لموقفها.
الحركة ستؤجل النقد الذاتي إلى حين انعقاد المؤتمر العام.
المرحلة ستشهد في القريب شكلا من أشكال عودة البرلمان.
ما تزال قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد المتعاقبة، تلقي بظلالها على البيت الداخلي لحركة النهضة، خاصة بعد إقرار مجلس شوراها في اجتماعه الأخير، بضرورة المراجعة الذاتية لأداء الحركة وتصحيحه، وهو ما يفتح الباب أمام تغيير في سياساتها خلال المرحلة المقبلة.
وأثار إعلان مجلس شورى الحركة، الدعوة إلى العمل على تصحيح أدائها والاعتذار عن الأخطاء، ردود أفعال وتساؤلات، بين من يرى هذا الإقرار يعكس مرونة مواقفها في ظل الأزمة السياسية والدستورية التي تمر بها البلاد، ومن يعتبره انعكاسا لحالة انقسام تشهدها قواعد الحركة.
والخميس، دعا شورى "النهضة"، في ختام اجتماع عقده، إلى "إطلاق حوار وطني للمضي في إصلاحات سياسية واقتصادية"، وإنهاء تعليق اختصاصات البرلمان، مع قيام الحركة بـ "المراجعات الضرورية وتجديد برامجها"، في ضوء "رسائل الشارع".
اجتماع شورى النهضة هو الأول بعد قرارات الرئيس سعيد في 25 يوليو/ تموز الماضي، تمثلت بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة، ولاحقا أصدر أوامر رئاسية بإقالات وتعيينات.
ما جاء في بيان الشورى، حمل بين طياته نوعا من المرونة تجاه قرارات الرئيس قيس سعيد لم تبدها الحركة سابقا إلا أنّها أبقت على توصيف ما حصل يوم 25 يوليو "بالانقلاب على الدستور".
الحركة التي عرفت بالتزامن مع انعقاد اجتماع الشورى، تباينا في المواقف بدا جليا مع ما أعلنه بعض قياداتها على صفحاتهم عقب نشر تدوينة نسبت لرئيس الحركة راشد الغنوشي أكد فيها "على ضرورة تحويل إجراءات سعيد إلى "فرصة للإصلاح وأن تكون مرحلة تحول ديمقراطي".
وهناك من القيادات من اعتبر أن ما حصل لا يمكن أن يكون سوى "انقلاب على الدستور".
** نقد ذاتي
الدبلوماسي السابق جلال لخضر، يعتبر أن بيان شورى حركة النهضة ينقسم إلى 3 أجزاء، أولها "اعتبار ما حصل يوم 25 يوليو انقلابا على الدّستور وذلك حتى لا تقع في تناقضات مع قواعدها".
ويضيف لخضر في حديث مع الأناضول: "ثانيا وقع تجاوز الإشكال بالاستعداد للحوار وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وهناك إقرار بأن الحركة تتحمل مسؤولية ما حصل بعد انسداد الآفاق والأزمة الاقتصادية والاجتماعية ما ترتب عنه نزول المحتجين يوم 25 يوليو".
ويشير إلى أن الجزء الثالث يهم الشأن الداخلي لحركة النهضة ويتمثل في إجراء نقد ذاتي وإعادة تقييم الموقف السياسي وتغيير الوجوه السياسية "وبذلك قد يكون رئيس الحركة راشد الغنوشي معني بمغادرة المشهد السياسي في المؤتمر القادم (متوقع عقده أواخر العام الجاري)".
ويتابع لخضر أن "مجلس الشورى أكد على استئناف الحياة السياسية واستعداد النّهضة لمسايرة رئيس الجمهورية في الإصلاح".
ويرى الدبلوماسي أن "الرئيس سعيد سيحترز على هذا الموقف لأنه يريد موقفا واضحا يتمثل في إقرار الحركة بمسؤولية ما آلت إليه الأمور وينتظر منها أن تدين الفساد وتسايره في الخطوات التي يقوم بها لمقاومته وإجراء إصلاحات في المنظومة الأمنية التي يقول إنها مخترقة حتى يجد معها أرضية للحوار".
ويضيف لخضر: "سعيد يعتبر أن النهضة تتحمل جزءا من مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية واستشراء الفساد ومشاكل البرلمان لأنها لم تتفاعل مع ما يحصل أو تغافلت عنه ولم تقاومه".
ويلفت إلى أن سعيد "يريد من النهضة أن ترتقي إلى مستوى الحدث حتى يجد أرضية للحوار وللتفاهم معها".
**اطمئنان للموقف الدولي
من جانبه يقول الباحث في الفلسفة السياسية قاسم الغربي إنه "قبيل اجتماع شورى النهضة وصدور بيانه وضع احتمالين اثنين إما إقالة أو استقالة الغنوشي وأنه إذا حدث ذلك فإنّ النهضة ستكون قد فقدت السند الشعبي وأن الغنوشي قد فقد السند الدولي".
ويضيف الغربي للأناضول: "أمّا الاحتمال الثّاني هو التمسك بالقيادة الحالية وبتوصيف ما وقع بالانقلاب والعودة إلى الدستور وهو ما يعبر على أن الغنوشي مازال لديه الثقة في السند الدولي".
ويعتبر أن "النهضة ومن خلال بيانها الأخير مطمئنة للموقف الدولي المساند لموقفها بعودة المؤسسات الدستورية".
ويشير الغربي إلى أن النهضة "قامت ببعض الإشارات في علاقة بوضعها الداخلي ولفتت إلى ضرورة المراجعة وهي لا تخير أن تكون تحت ضغط الوضع السياسي الرّاهن وستؤجل النقد الذاتي إلى حين انعقاد المؤتمر".
ويلفت إلى أن "الحركة وعدت بأن المؤتمر سيكون نهاية هذه السنة وأنه في المستقبل القريب ستشهد المرحلة تشكيل جبهة وطنية لعودة مؤسسات الدولة للاشتغال".
**انقسامات
وحول إمكانية حدوث انقسام داخل النهضة، يقول الدبلوماسي لخضر "منذ عام كانت الشرارة الأولى للانقسامات في صلب الحركة، تحديدا عندما تم الإعلان عن عريضة ممضاة من قبل 100 قيادي فيها تطالب الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم".
ففي سبتمبر/ أيلول 2020، وقع 100 قيادي من النهضة، بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي ومجلس الشورى والكتلة البرلمانية (54 من أصل 217 نائبا بالبرلمان)، عريضة موجهة إلى الغنوشي طالبوه فيها بالإعلان عن عدم الترشّح لرئاسة الحركة في المؤتمر المتوقع عقده نهاية عام 2021 الجاري.
ويتابع لخضر:" اليوم انفجر الوضع أكثر (..)، فبعد 25 تموز خلقت انقسامات حتى في الدائرة القريبة من الغنوشي نفسه، ليصبحوا من أكبر النّاقدين له"، في الإشارة للانتقادات التي خرجت مؤخرا من بعض أعضاء الحركة.
ومؤخرا خرجت انتقادات علنية من قيادات بارزة بالنهضة لسياسات الحركة، أبرزها ما قاله القيادي فيها سمير ديلو، في 29 يوليو، بأن أغلبية القيادات الحالية في النهضة ساهمت بشكل كبير في تردي الأوضاع وتفاقم الصراعات والانقسامات داخل الحزب.
ويعتبر لخضر أن "الاجتماع الأخير للنهضة حمل نقاشا حادا، بينما هناك أطراف من خارج الحركة ومساندة للرئيس سعيد تريد التخلص من الغنوشي من خلال أبناء النهضة أنفسهم".
ويتابع: "هناك أطراف حتى خارج تونس (لم يُسمّها) كانت تدعم هذا التوجه".
ويشير لخضر إلى أن "النهضة تبحث عن أرضية تلتقي معها لإيجاد فرصة لإعادة الاقتراب من رئيس الجمهورية وإيجاد حلول ترضي الجميع".
فيما، يعتبر قاسم الغربي أنّ "الانقسام الحاصل داخل الحركة يعبر عن الخلاف القديم بين من يقدمون أنفسهم على أنهم التيار الاصلاحي داخل الحركة (لم يحددهم)، والموالين للغنوشي".
وزاد أنّ "بيان مجلس الشورى ليس فيه إشارة لاستقالة الغنوشي أو شيء من ذلك القبيل وإنما كان هناك صراع قديم فجرته الأحداث الحالية وليس هناك اختلاف داخل جسم النهضة حول ما حصل يوم 25 يوليو".
** احتمالات عديدة
واعتبر لخضر أنّ "البلاد أمام عديد الاحتمالات وتعيش في ظل وضع استثنائي فكل السلطات بيد سعيد الذّي لديه هواجس الوضع الأمني والاقتصادي والبحث عن حلول".
وأشار إلى أنّ" القيام بإصلاحات هيكلية تتطلب اللجوء لشركاء تونس من المؤسسات المالية على غرار صندوق النقد مثلا التي لديها وجهة نظر بالتأكيد على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة واحترام دولة الحقوق والمؤسسات".
واعتبر لخضر أنّ "المعادلة صعبة أمام قيس سعيد، تتمثل في كيفية إيجاد صيغة متوازنة ترضي قواعده الغاضبة على الوضع وترضي في الآن نفسه المؤسسات المالية ويحافظ على الحقوق والحريات".
من جانبه يقول الغربي أنه "بالاستناد إلى مختلف ما كتب فإن المرحلة ستشهد في القريب شكلا من أشكال عودة البرلمان، وبعد الاتفاق على القانون الانتخابي وتركيز المحكمة الدستورية فإن الحل سيكون انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة".