الدول العربية

قناة موزمبيق.. "المقبرة البحرية" المنسية من قبل أوروبا

- تربط بين أرخبيل جزر القمر وجزيرة "مايوت" التابعة لفرنسا، وتشكّل معبرا لآلاف المهاجرين غير الشرعيين ممن يحلمون بظروف عيش أفضل

Leila Thabti  | 07.01.2016 - محدث : 08.01.2016
قناة موزمبيق.. "المقبرة البحرية" المنسية من قبل أوروبا تربط بين أرخبيل جزر القمر وجزيرة "مايوت" التابعة لفرنسا، وتشكّل معبرا لآلاف المهاجرين غير الشرعيين ممن يحلمون بظروف عيش أفضل

Tunis

باريس/ بلال موفتوأوغلو/ الأناضول

 هي امتداد بحري بالمحيط الهندي، يربط بين جزر مدغشقر وساحل جنوب افريقيا، وتحديدا الساحل المطلّ على جمهورية موزمبيق. قناة موزمبيق، والتي يعتبرها البعض صورة مصغّرة للبحر الأبيض المتوسّط، من حيث الكمّ الكبير من المهاجرين الذين لقوا حتفهم عرض مياهها، في محاولة للعبور نحو جزيرة "مايوت" التابعة لفرنسا، نالت، وعن جدارة، لقب "المقبرة البحرية"، ضمن آفة قديمة تعود إلى 1995، وتتفاقم بمرور الزمن، في ظلّ تعتيم إعلامي شبه كامل سواء في فرنسا أو في أوروبا عموما.

فلئن إلتهمت مياه المتوسّط أكثر من ألفي و500 مهاجر، في 2015، ضمن محاولات فاشلة للعبور إلى الجانب الشمالي منه والوصول إلى أوروبا، فإنّ قناة موزمبيق شكّلت مقبرة لنحو 10 آلاف شخص، تملّكهم أيضا حلم العبور إلى جزيرة مايوت الخاضعة للإدارة الفرنسية، والتي تعتبر، جغرافيا، جزء من أرحبيل جزر القمر، وتقع في الطرف الشمالي من القنال الفاصل بين موزمبيق ومدغشقر.

ففي كلّ عام، يتسلّل الآلاف من سكّان جزر القمر عبر الامتداد البحري الفاصل بين جزيرتي "أنجوان" و"مايوت"، على أمل الوصول إلى الجزيرة الأخيرة، والتي تعتبر أكثر جزر المنطقة رفاها، كما أنها خاضعة للإدارة الفرنسية، منذ حصول جزر القمر على الاستقلال في يوليو/ تموز 1975.  وفي 2011، أصبحت "مايوت" القسم الفرنسي رقم 101، وفي 2014، حظيت باعتراف الاتحاد الأوروربي، غير أنها لم تحظ باعتراف كلّ من جزر القمر، والاتحاد الأفريقي، إضافة إلى الأمم المتحدة.

ومع أنّ ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى هذه الجزيرة تعود إلى 1995، أي منذ أن قرّر رئيس وزراء فرنسا السابق، إدوارد بالادور، فرض تأشيرة الدخول إلى مايوت على سكان جزر القمر، إلا أنها تفاقمت، بشكل لافت، منذ إعلانها تابعة لفرنسا والاتحاد الأوربي في مرحلة موالية.

ونظرا للكم الهائل من المهاجرين الذين يقضون في عرض مياهها، متسلّلين عبر قوارب الصيد الصغيرة في محاولة لقطع الكيلومترات الـ 70 الفاصلة بين "أنجوان" و"مايوت"، نالت قناة موزمبيق ألقابا عديدة، مثل "المقبرة البحرية"، و"قناة الموت"، غير أنّ الحصول على معطيات دقيقة بشأن هذه الظاهرة يظلّ أمرا صعبا، في ظلّ عدم تحيين الأرقام الرسمية المتوفرة، وغياب التعامل المباشر مع الظاهرة من قبل المنظمات الدولية، خلافا للإهتمام الذي تحظى به في البحر الأبيض المتوسط، من قبل "الوكالة الأوروبية لإدارة التعاون العملياتي في الحدود الخارجية للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي" (فرونتكس).

وبحسب سلطات "مايوت"، فإنه لم يقع، في 2014، اعتراض سوى 597 قارب صيد يقلّ 12 ألف و879 مهاجرا غير شرعي، على حدود الجزيرة التابعة لفرنسا، مع أنّ حيثيات الواقع، وبعض المصادر الأخرى تكشف عن أرقام مفزعة ذات صلة بموجة الهجرة، من ذلك عدد المهاجرين غير الشرعيين، أو أولئك الذين قضوا في الطريق، حيث تحدّث تقرير معلوماتي صادر عن الجمعية الوطنية (إحدى غرف البرلمان الفرنسي)، يعود لـ 2009، عن 60 ألف مهاجر غير شرعي في "مايوت"، أي ما يعادل ثلث سكان الجزيرة، غير أنّ اللافت هو أنّه من المنتظر أن يبلغ عدد هؤلاء السكان الـ 100 ألف نسمة، وأنّ 70 % من الولادات متأتّية من نساء يقمن في الجزيرة بطريقة غير شرعية، وفقا لـ "المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية" (حكومي).

أما بخصوص عدد الوفيات في البحر، فقد ذكر تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، أن ما بين 7 آلاف إلى 10 آلاف شخص قضوا بين 1995 و2012. رقم "قد يكون أكبر من ذلك بكثير"، بحسب ماري دوفلو، الأمينة العامة لـ "المجمّع المعلوماتي ودعم المهاجرين" في فرنسا، بما أنّ "الرقم المقدّم يستند على ما وقعت رؤيته في المياه الإقليمية لجزيرة مايوت، حتى أن السلطات المحلية تتحدث عن 50 ألف شخص ممن لقوا مصرعهم في قناة موزمبيق منذ 1995"، مضيفة، في مقابلة سابقة لها مع الأناضول، أنّ "الأرقام تقريبية حتى في ما يتعلّق بالبحر الأبيض المتوسط، رغم أن الأخير يحظى باهتمام أكبر من قبل دول الفرونتكس، خلافا لأرخبيل جزر القمر".

ومع أنّ ظاهرة الهجرة غير الشرعية بين جزر القمر و"مايوت" تعتبر أقدم بكثير وأكثر بشاعة من حيث عدد ضحاياها من نظيرتها في المتوسّط، إلا أنها لم تحظ بتغطية إعلامية كافية على الصعيد الدولي وحتى في فرنسا، وهذا ما يفسر، في مرحلة موالية غيابها عن جدول أعمال القمة الأوروبية الإفريقية التي عقدت، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في مالطا، لمناقشة موجة الهجرة بين القارتين.

وبالنسبة لماري دوفلو، فإن ضعف الاهتمام الموجّه لظاهرة الهجرة إلى "مايوت" يعود لعدة عوامل إقليمية ودولية، تتعلق أساسا بـ "ضعف الوسائل المتاحة لسكان جزر القمر، باعتبارهم الأكثر تضررا من الآفة، للتعبير"، إضافة إلى "التحدّيات الإقتصادية الإقليمية التي تلقي، بلا شك، بثقلها على فرنسا".

"نميل إلى رسم ما يحدث في جزيرة صغيرة ونائية بشكل كاريكاتوري ساخر"، تتابع دوفلو، وهذا ما "سمح بإقصاء مايوت من الحقوق المكتسبة في الأقسام الأخرى التابعة لفرنسا". أما دوليا، فقالت إن الظاهرة ينظر إليها على أنها "شأن فرنسي".

ومن وجهة نظر السلطات الفرنسية، فإنّ القضية تندرج، في المقام الأول، في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية والتعاون مع جزر القمر، حيث عقد مجلس مشترك بين البلدين، في يونيو/ حزيران 2013، لـ "تسهيل حركة الأشخاص وتحسين الأمن البحري، من أجل وقف مأسي البحر"، بحسب ما ذكرته مصادر دبلوماسية في وزارة الخارجية الفرنسية في تصريحات سابقة للأناضول.

مساعي تبلورت من خلال توقيع "إعلان باريس بشأن الصداقة والتعاون"، في يونيو/ حزيران 2013، بين فرنسا وجزر القمر، بحسب المصادر نفسها، وخصوصا من أجل "اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التعاون والعمليات المشتركة اللازمة لضمان الأمن البحري".

ومع إعلان فرنسا لحالة الطوارئ على خلفية الهجمات التي استهدفت باريس، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سارعت "مايوت" إلى فرض النظام نفسه على أراضيها، بهدف عرقلة الهجرة غير القانونية، من خلال تعزيز المراقبة على الحدود، والتثبّت من شرعية إقامة السكان.

فرض تدابير أمنية استثنائية على المهاجرين، لاقى تنديدا من قبل منظمات الدفاع عن حقوق المهاجرين، بينها "سيماد"، والتي رأت في ذلك "اتهاما ضمنيا يطرح تشبيها بين مهاجرين تستقطبهم مايوت لأسباب صحية واقتصادية ومقاتلي داعش"، حيث دعت المنظمة، في رسالة مفتوحة، سلطات "مايوت" إلى وقف "الخلط بين الهجرة والإرهاب"، وإلى "التخلّي عن السياسة القمعية للمراقبة على الحدود، والتي لا تفعل شيئا سوى أنها تخفي نقضا على مستوى التفكير العميق في سبل تحسين الأوضاع في مايوت وأرخبيل جزر القمر"، بحسب نص الرسالة.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.