مؤذن "السلطان أحمد" بإسطنبول.. بعين القلب يُلهم أصحاب الهمم (تقرير)
المؤذن الكفيف إبراهيم ألتونطاش: كنت أتعلم بالسمع فقط، ليندهش من حولي بقدرتي على الحفظ رغم أنني كفيف

Istanbul
إسطنبول/ أنس طه أرسن/ الأناضول
**المؤذن الكفيف إبراهيم ألتونطاش:- كنت أتعلم بالسمع فقط، ليندهش من حولي بقدرتي على الحفظ رغم أنني كفيف
- مع تطور التكنولوجيا وانتشار قصص النجاح، أصبح الناس يؤمنون بإمكانات ذوي الإعاقة
- نظرات الحيرة تحوّلت إلى إعجاب، وباتت ردود الفعل في الغالب إيجابية ومشجعة
- الاعتماد على الذات هو مفتاح الاندماج، والمجتمع بحاجة إلى قصص النجاح لتغيير الصورة النمطية عن ذوي الإعاقة
في قلب إسطنبول التاريخية، وتحديدًا في جامع السلطان أحمد الشهير، يقف المؤذن إبراهيم ألتونطاش مثالًا حيًا على الإرادة والتحدي، بعد أن كرّس أكثر من 13 عامًا من حياته لخدمة المصلين، متجاوزًا إعاقته البصرية بإيمان راسخ وثقة بالنفس ألهمت أصحاب الهمم.
ولد ألتونطاش عام 1976 في قضاء "قره مرسل" بولاية قوجا ايلي التركية (شمال غرب) كفيفًا، ورغم هذه الإعاقة، أدرك منذ صغره أن فقدان البصر لا يعني فقدان المستقبل، ليبدأ رحلته مع القرآن الكريم من خلال الاستماع إلى أشرطة كاسيت لقرّاء معروفين، كان يجلبها له والده وشقيقه.
و في حديث للأناضول، قال ألتونطاش عن تلك الفترة: "كنت أتعلم بالسمع فقط، ليندهش من حولي بقدرتي على الحفظ رغم أنني كفيف".
وأوضح ألتونطاش أنه واجه تحديات في التعليم بسبب عدم وجود مدارس خاصة بالمكفوفين في ولايته، فانتسب إلى مدرسة للمكفوفين في ولاية "نيدة" التركية (وسط)، ثم أكمل تعليمه الإعدادي والثانوي بطريقة الدراسة عن بُعد.
وذكر أنه بعد إتمامه لحفظ القرآن الكريم، اجتاز في عام 1998 اختبارًا خاصًا نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية لذوي الإعاقة، ما أهله ليبدأ مسيرته المهنية كمؤذن في مسجد "قايهان" بمدينة بورصة.
لاحقًا، التحق بمعهد الكونسرفتوار (معهد الموسيقا) التابع لبلدية بورصة، وتلقى دورات في الموسيقا والآذان والخطابة، وهو ما طوّر من أدائه وقدراته الصوتية بشكل ملحوظ.
ومنذ عام 2012، يشغل ألتونطاش منصب مؤذن جامع السلطان أحمد، أحد أكثر المساجد شهرة في العالم الإسلامي.
** من الدهشة للإعجاب
وفي معرض حديثه عن الدهشة التي كانت تعتري كل من يعرف بأنه مؤذن كفيف، سواء في بورصة أو في إسطنبول، قال ألتونطاش: "من يراني للمرة الأولى كان يصاب بالدهشة والذهول. كثيرون يتساءلون كيف يؤدي هذا الرجل مهمته؟ كيف يعرف توقيت الأذان؟ كيف يصل إلى الميكروفون ويقوم برفع الأذان؟".
لكن ألتونطاش أكد في الوقت نفسه أن المجتمع بات أكثر تقبّلًا اليوم لمؤذنين من ذوي الإعاقة البصرية، وقال: "مع تطور التكنولوجيا وانتشار قصص النجاح، أصبح الناس يؤمنون بإمكانات ذوي الإعاقة. نظرات الحيرة تحوّلت إلى إعجاب، وباتت ردود الفعل في الغالب إيجابية ومشجعة".
** فائدة التكنولوجيا
وأشار ألتونطاش إلى أن التعليم الديني أصبح متاحا بشكل أكبر لذوي الإعاقة البصرية في تركيا، بفضل توفر نسخ من القرآن الكريم بطريقة برايل، وتزايد أعداد المعلمين المختصين، والدورات التدريبية الخاصة التي تنظمها الجهات الرسمية.
وتابع: "لدينا اليوم دورات لتعلم قراءة وحفظ القرآن الكريم، مخصصة لذوي الإعاقة البصرية، وهناك بيئة تعليمية داعمة، سواء في المساجد أو عبر الإنترنت. لقد تراجعت حالات العزلة عن المجتمع والإقصاء".
** رسالة أمل
وشدد ألتونطاش على أن الإعاقة لا تعني نهاية الطريق، قائلا: "الضعف في حاسة ما يقابله قوة في حواس أخرى. الله قد يأخذ منك شيئًا، لكنه يمنحك بالمقابل نعمًا أخرى. المهم أن نثق بأنفسنا، ونؤمن بأننا قادرون على العطاء".
وأضاف: "رسالتي إلى إخوتي من أصحاب الهمم، لا تبقوا في الظل، انطلقوا، طوّروا أنفسكم، وابحثوا عن طريقكم. لا يوجد شيء مستحيل. يمكنكم أن تكونوا أئمة، مهندسين، معلمين أو قادة في مجالاتكم".
** دعم مؤسسي
كما أشار ألتونطاش إلى وجود مراكز تأهيل خاصة في إسطنبول تستهدف المكفوفين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم الرسمي.
وتابع: "هذه المراكز تساعد على تطوير المهارات اليومية، وتوفر دعمًا نفسيًا واجتماعيًا، وتُعدّ خطوة أساسية نحو الاستقلالية والاعتماد على الذات".
وختم المؤذن ألتونطاش حديثه بالقول: "الاعتماد على الذات هو مفتاح الاندماج، والمجتمع بحاجة إلى قصص النجاح لتغيير الصورة النمطية عن ذوي الإعاقة. أنا لست حالة فريدة، بل واحد من آلاف يستطيعون تقديم المزيد لو أُتيحت لهم الفرصة".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.