السياسة, دولي, التقارير

إيران في "قره باغ".. سياسات تنذر باضطرابات داخلية (مقال)

طهران تمتلك موقعًا بالغ الأهمية ولاسيما وأنها تتبع سياسة داعمة لأرمينيا، ما دفع بأتراك إيران للاحتجاج على السياسات الخارجية لبلادهم حول قضية "قره باغ".

21.10.2020 - محدث : 21.10.2020
إيران في "قره باغ".. سياسات تنذر باضطرابات داخلية (مقال)

Istanbul

إسطنبول/ طه كرماني/ الأناضول

تحول نزاع "قره باغ"، الذي بدأ بهجمات عسكرية نفذتها أرمينيا صباح 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، واستمر على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، إلى البند الرئيسي على جدول أعمال عديد من البلدان، بما في ذلك إيران التي تستفز سياساتها المواطنين الإيرانيين من أصل تركي (أذربيجاني)، لاسيما في مدينة تبريز، ذات الغالبية الأذربيجانية، وثالث أكبر مدن إيران بعد العاصمة طهران ومشهد.

وعلى الرغم من أن إيران نادراً ما تُذكر على طاولة المفاوضات في قضية "قره باغ"، إلا أنه من الممكن القول إن طهران تمتلك موقعًا بالغ الأهمية في هذه القضية، ولاسيما وأنها تتبع سياسة داعمة لأرمينيا، ما دفع بأتراك إيران للاحتجاج على السياسات الخارجية لبلادهم حول قضية "قره باغ"، والنزول إلى الشوارع الأحد الماضي، احتجاجًا على استمرار فتح إيران بوابتها الحدودية مع أرمينيا.

هذه الاحتجاجات دفعت الكثيرين للتساؤل حول ما إذا كانت طهران ستقوم بتغيير سياستها في "قره باغ"، والرضوخ للضغط الشعبي المتزايد من قبل مواطنيها الأتراك.

- احتجاجات تبريز

بغض النظر عن الوضع السياسي أو الاجتماعي في إيران، لطالما اعتبر تنظيم الاحتجاجات خطاً أحمر، إذ لا يمكن تنظيم احتجاجات في الشوارع إلا بموافقة "القيادة السياسية" وإشرافها، وعلى سبيل المثال، سيكون من السذاجة للغاية التفكير في احتفالات ومسيرات إحياء ذكرى "الإبادة الجماعية للأرمن" المزعومة التي تقام في العاصمة طهران كل عام في 24 أبريل/ نيسان، دون موافقة وتنظيم مباشر من رأس الهرم في القيادة السياسية الإيرانية.

لذلك، يجب الاعتقاد بأن أعمالا من قبيل إحراق العلم التركي أمام سفارة تركيا في طهران، وإطلاق شعارات مناهضة لتركيا خلال تلك المظاهرات، لا يمكن أن يتم إلا بموافقة وإرادة من القيادة السياسية.

إيران، التي تمر بفترة صعبة للغاية اقتصاديًا، مستعدة من الداخل للدخول في موجة احتجاجات شعبية واسعة النطاق، تتخطى أبناء المكون التركي في البلاد، وخلال الأشهر الماضية، اكتسبت الاحتجاجات التي بدأت في الغالب كرد فعل على غلاء المعيشة في جميع أنحاء البلاد، أبعادًا سياسية، وتحولت لكابوس يقض مضجع القيادة السياسية، ولهذا السبب، تعمل القيادة السياسية على منع ظهور أي حراك شعبي في البلاد، وقمع أي حراك بأشد القسوة خشية توسعه.

إن قدرة أتراك إيران على تنظيم مظاهرات احتجاجية في العديد من المدن، وخاصة تبريز وطهران، بعد تصاعد التوتر في "قره باغ"، هي علامة على مدى ارتفاع إمكانية اندلاع مظاهرات شعبية في البلاد، وبالنظر إلى احتجاجات تبريز يوم الأحد الماضي، يمكننا أن نفهم بسهولة مدى عدم ارتياح أتراك إيران من سياسات بلادهم الخارجية".

وقبل بدء الاحتجاجات، حذرت قوات الأمن العشرات من النشطاء من المشاركة في التظاهرة، واعتقل عدة أشخاص قبل المظاهرات كإجراء احترازي، إلا أن تلك الإجراءات وغيرها، لم تستطع وضع حد لتفاقم الغضب في صفوف المكون التركي، على خلفية الدعم الإيراني لأرمينيا في "قره باغ"، بل عززته خاصة مع ورود أنباء عن اعتقال أكثر من 100 شخص في المظاهرات الاحتجاجية.

إلى ذلك، عجزت إيران في الواقع، عن إقناع الجمهور المحلي والأجنبي بأنها محايدة. وعلى الرغم من كل الضغوط، لم تتمكن من منع الاحتجاجات الشعبية على سياساتها الخارجية، حيث شهدت إيران احتجاجات شعبية رافضة لسياسات طهران في سوريا على سبيل المثال، إلا أن النظام الإيراني وقتها لم يتراجع ولو خطوة واحدة إلى الوراء، إلا أن المظاهرات الاحتجاجية التي نظمها أتراك إيران، يبدو أنها دفعت القيادة السياسية في البلاد إلى التراجع عدّة خطوات إلى الوراء.

بعد هذه المرحلة، يبدو أنه من غير المرجح أن تغلق إيران بوابتها الحدودية مع أرمينيا، كما طالبت شوارع تبريز، لكنها بدأت تدرك على الأقل أن فاتورة تقديم جميع أنواع الدعم لأرمينيا، التي تحتل أراضٍ أذربيجانية، قد بدأت تدخل في حساب طهران، كما أن هذا الوضع سيؤثر بشكل كبير على علاقات أذربيجان مع إيران بعد الحرب، كما أشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.

- قدرة إيران على المناورة باتت محدودة.

إيران من جانب آخر، ما فتئت تتخذ مواقف محابية لأرمينيا في قضية قره باغ، رغم مساعيها بالانفتاح على منطقة جنوب القوقاز عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

وفي هذا السياق، بدت أذربيجان، ذات الغالبية الشيعية، العنوان الأكثر جاذبية للإدارة الإيرانية، إلا أن التطورات التي جرت في هذا البلد، لم تكن كما كان متوقعًا من إيران التي تهدف إلى إقامة نفوذ في جنوب القوقاز.

حتى اسم جمهورية أذربيجان، كان مثيراً للمشاعر القومية بالنسبة للأتراك القاطنين في أذربيجان الجنوبية الإيرانية، لاسيما أن هذه المرحلة تزامنت مع خروج إيران من سنوات طويلة من الإنغلاق على العالم الخارجي بعد انتهاء حقبة الخميني، حيث بدأت رياح جديدة تهب في البلاد، فيما قلوب أتراك إيران كان قد بدأت تخفق على الأنغام القادمة من باكو.

على الرغم من جهود طهران في تهميش أتراكها واستبعادهم لسنوات، إلا أن تلك السياسات المستمرة منذ العهد البهلوي لم تنجح في الواقع بسبب اتساع قاعدة المكون التركي في إيران وضخامة انتشاره.

في الواقع، لم يتمكن الأتراك من العثور على ما كانوا يأملونه من الثورة، وعادوا أكثر فأكثر إلى جذورهم، ما دفع شريحة واسعة منهم إلى الشعور بالحماسة عقب تمكن أشقاءهم في الشمال (جمهورية أذربيجان)، في الحصول على الاستقلال عقب تفكك الاتحاد السوفييتي (1991).

وفي هذا الإطار، بدأت طهران تشعر بقلق شديد من وجود جمهورية أذربيجانية مستقلة على حدودها الشمالية، مع وصول الجبهة الشعبية في أذربيجان (قومية تركية) بقيادة أبو الفضل آلجي بك إلى السلطة، بدأت قضية أذربيجان الجنوبية تطفو على السطح بشكل علني.

أصبح الموقف القومي لـ"آلجي بك"، الذي تحدث كثيرًا عن أذربيجان كاملة، بجنوبها وشمالها، كابوسًا بالنسبة لإيران. وفي هذه البيئة تصاعدت مشكلة "قره باغ" تدريجياً، في ظل ترتيب إيران لخياراتها تجاه هذه القضية، في الوقت الذي بدأت فيه جمهورية أذربيجان بالتحول إلى "مصدر إلهام" لأتراك إيران، ما دفع طهران لدعم أرمينيا في قضية "قره باغ" لتحويل القضية إلى أزمة طويلة الأمد.

تراجع دور إيران كوسيط في قضية قره باغ، جاء بعد قيام أرمينيا باحتلال مدينة شوشا في "قره باغ" (تمثل رمزية قومية خاصة لدى الأتراك الأذربيجانيين)، عقب اتفاق لوقف إطلاق النار جرى التوقيع عليه بين أرمينيا وأذربيجان في طهران، في 8 مايو/ آذار 1992، بمبادرة من الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني.

إيران شكلت شريان الحياة لأرمينيا، التي تعتمد بشكل كامل على طهران في توفير موارد الطاقة، خاصة في أوقات الحرب، وقد أدى هذا الاعتماد إلى تعزيز صورة إيران كداعم لأرمينيا ضد أذربيجان وفق وجهة نظر باكو.

اليوم، وعلى الرغم من أن إيران لديها نفس المخاوف، إلا أن توجهات السياسة الخارجية الإيرانية باتت تتأثر بجملة من العوامل تجعل القضية مختلفة عن فترة التسعينيات، ولاسيما فيما يتعلق بالتعاطي مع قضية "قره باغ"، في ظل تحول جمهورية أذربيجان إلى عنصر قوي في المنطقة، قد يتمكن من تحرير كامل منطقة "قره باغ" والأراضي المحتلة الأخرى.

وبعد أن فقدت قدرتها على المناورة في ميدان الدبلوماسية، تحولت إيران إلى أداة روسية بالكامل، في ظل انزعاجها من تزايد النفوذ التركي في أذربيجان، وتحول طهران إلى بلد محكوم لأرمينيا في علاقاته بجنوب القوقاز، وتحول جمهورية أذربيجان إلى مصدر إلهام لتبريز العاصمة التاريخية لأذربيجان الجنوبية.

إن الدعم الإيراني لأرمينيا، ضد أذربيجان، أظهر في الواقع الطابع القومي الفارسي للدولة الإيرانية، وهذا الوضع دفع أتراك إيران إلى الابتعاد أكثر عن طهران، في تناقض الخطاب الرسمي القائم على الانتماء الإسلامي الطائفي للإدارة الإيرانية، مع الممارسات الداعمة لأرمينيا ضد أذربيجان على الأرض، ما يزيد من سخط تبريز، بما تتمتع به من ثقل ديمغرافي في إيران، وزيادة ابتعادها عن طهران، ما يعني استبعاد جزء كبير من المجتمع عن الحياة السياسية.

** طه كرماني صحفي إيراني بدأ عمله الصحفي في إيران ويتابع نشاطه الإعلامي في تركيا كصحفي مستقل.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın