المحرَّر "عقل": إسرائيل أبعدتني من فلسطين إلى فلسطين
حكم بالسجن 1584 سنة
ناصر حجاج
أنقرة/الأناضول
قال "وليد زكريا عقل"، الأسير الفلسطيني المحرَّر، عن حياته في تركيا، بعد أكثر من عام على قدومه إليها، إنه يشعر وكأنه يعيش في بلده، وبين أهله وأحبائه.
وتطرق "عقل"، الذي حرر ضمن صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين، مقابل الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، في حديث خاص لمراسل الأناضول، إلى ممارسات التعذيب التي تعرض لها أثناء التحقيق معه بعد اعتقاله بتهمة قتل إسرائيليين، قائلا: "لدى إسرائيل 250 أسلوبا من التعذيب، بعضها نفسي، وبعضها جسدي، وأعتقد أن الأسير الفلسطيني "عرفات جرادات" توفي إثر تعرّضه للتعذيب القاسي أثناء التحقيق".
كما شكر الأسير المحرَّر، تركيا حكومة وشعبا على ما قدمته من مساعدات ووفرته من خدمات، له ولعائلته ولجميع الأسرى المبعدين إليها.
- كيف تقرأ حادثة وفاة الأسير الفلسطيني "عرفات جرادات"؟
نحن نؤمن بالقضاء والقدر، وأن أجله قد انتهى، ولكن اعتقد أن سبب الموت نتيجة لما تعرض له الأسير البطل، من التعذيب مارسته قوات الشرطة أو أفراد الجيش الإسرائيلي بحقه، فالمحققون الإسرائيليون يمارسون أبشع أنواع التعذيب خلال فترات التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين.
- هل لك أن تشرح لنا تلك الممارسات؟
عملية التحقيق تبدأ منذ اللحظة الأولى للاعتقال، عند قدوم أفراد الجيش الإسرائيلي، وضباط المخابرات، وبرفقتهم الكلاب البوليسية الخاصة، ويقتحمون المنازل ويداهمون البيوت، ويقومون باحتجاز الأطفال والنساء، ووضعهم في غرفة صغيرة، ويتم تعرية الأسير الفلسطيني، وضربه وتوجيه الركلات واللكمات له، أمام أهله وزوجته وأبنائه، إضافة لإهانته، بالشتم، والسب والتلفظ بألفاظ نابية، وهذا نوع من التعذيب النفسي.
ويقوم أفراد الشرطة أو الجيش الإسرائيلي، بنقل المعتقل إلى أحد السجون المركزية، أو إلى معتقلات خاصة، ويعذبونه بشدة، فلديهم 250 أسلوبا للتعذيب، بعضها جسدي، وبعضها نفسي، فيقومون بإهانة المعتقل، وأحيانا يحضرون زوجته، أو أمه أو أبيه، أو أحد أبنائه، أو أقاربه، ويهددون المعتقل بتعذيب قريبه أو ارتكاب فعل قاسٍ أو فاحش معه، وذلك لإجبار المعتقل على الاعتراف.
وتستخدم السلطات الإسرائيلية، أساليب التعذيب الجسدي، مثل الصعق بالكهرباء، وخلع الأظافر، ونتف شعر اللحية والشارب، وتوجيه اللكمات إلى الأماكن الحساسة في الجسم، كذلك يضعون المعتقل في ثلاجة كبيرة في درجات الحرارة تحت الصفر المئوي، ويعرضونه إلى تيار بارد جدا، إضافة لمنع المعتقلين من النوم، وقد تعرضت أنا شخصيا للكثير من أساليب التعذيب خلال اعتقالي، مثل الضرب المبرح، حتى أنني وصلت إلى مركز التحقيق بعد اعتقالي، وأنا في شبه غيبوبة إثر اللكمات التي وجهوها لي.
- ما شعورك عندما سمعت بأن اسمك سيكون من ضمن المفرج عنهم في صفقة تبادل الأسرى وهل كنت تنتظر ذلك أم كان هذا مفاجئا؟
أنا كنت على اطلاع بقائمة أسماء الأسرى المفرج عنهمن وحددنا بعض الأسماء، بالتنسيق مع قيادة حركة حماس في الخارج، وكان هناك خط أحمر بشأن بعض الأسماء، الذين رفضت السلطات الاسرائيلية الإفراج عنهم، وكنت من ضمن هذه الأسماء، وقبلت إسرائيل إطلاق سراحي مع زملاء آخرين في اللحظات الأخيرة، ولكن بشرط مغادرتنا فلسطين.
- بعد الحكم عليك بـ 16 مؤبدا (1584 عاما) هل تخيلت يوما أنك ستخرج من السجن؟
كنت دائما على أمل وثقة ومنذ لحظة اعتقالي الأولى بأن أخوتنا في حركة حماس، لن يتركونا وأنها ستقوم بخطف أحد الجنود الإسرائيليين، وإبرام صفقة لإطلاق سراحنا، وقامت الحركة فعلا، بإحدى عشرة محاولة خطف جنود، ولكن الله لم يكتب لها التوفيق إلا عندما اختطفت "جلعاد شاليط".
- لماذا اخترت تركيا مع أن هناك دولتين عربيتين (قطر وسوريا) رحبتا باستقبالكم؟
تركيا وسوريا وقطر، دول محبة للفلسطينيين، ولكنني شعرت أن تركيا هي المستقبل بالنسبة لي، فهي دولة قوية، وتستطيع أن توفر لي الأمن، وتحميني من الاغتيالات، التي من الممكن أن أتعرض وزملائي لها، من قبل السلطات الإسرائيلية، فأنا أشعر بالأمان في تركيا، أكثر من أي دولة أخرى، إضافة إلى موقعها وسهولة التواصل، بالنسبة لأفراد عائلتي وأقاربي في قطاع غزة، الذين يزوروني دائما.
- ماذا قدمت لكم الحكومة التركية منذ مجيئكم إلى تركيا؟
الحكومة التركية منحتنا الجنسية التركية قبل شهرين تقريبا، وقد استقبلتنا بكل حفاوة عند مجيئنا إليها مبعدين من فلسطين، وقدمت لنا الكثير من المساعدات، التي لا يمكن حصرها، ومنحتنا الحماية والأمان، وأمّنت لنا السكن، وقدمت لنا كل ما يلزم من تسهيلات للمعيشة في تركيا، وسهلت زيارة أهلنا وأقاربنا، وقدمت منظمة الإغاثة التركية (IHH)، لنا كل ما نحتاجه في تركيا، فنقدم بالغ شكرنا لتركيا حكومة وشعبا، على كل ما قامت به تجاهنا. ولن ننس ذلك ما حيينا.
- كيف تقيّم العلاقات الفلسطينية التركية؟
الأتراك يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم الخاصة، فقد وقفت تركيا إلى جانب فلسطين على مر السنين، خاصة أن فلسطين كانت تعتبر ولاية تابعة للدولة العثمانية، وقد استشهد العديد من الأتراك في الدفاع عن الأراضي الفلسطينية في العهد العثماني. والحكومة التركية الحالية تسير على نفس منهاج الخلافة العثمانية، ولقد اختلط الدم التركي بالدم الفلسطيني، باستشهاد تسعة أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة التي قدمت إلى فلسطين قبل 3 أعوام، لفك الحصار المفروض على قطاع غزة.
- كيف تعامل الشعب التركي معكم كأسرى فلسطينيين محررين، وهل استطعتم الاندماج معهم؟
الشعب التركي شعب طيب وعريق جدًا ومتدين، وأنا أشعر بأنني أعيش في بلدي، وتربطنا علاقة وطيدة بجيراننا الذين لا يبخلون بجهد من أجل إسعادنا وراحتنا، وقدموا لنا مساعدات كثيرة، ونتبادل معهم الزيارات، من فترة إلى أخرى، وفي المناسبات والأعياد، وقبل فترة قلت في محاضرة لي في إحدى الجامعات التركية بأنني مبعد من فلسطين إلى فلسطين.
هل لديك عمل في تركيا وكيف تقضي وقتك؟
قدمت لنا الحكومة التركية منحة تعليمية، وسألتحق بكلية الشريعة في جامعة أنقرة، والآن أتعلم اللغة التركية، في أحد المراكز التعليمية في العاصمة "أنقرة".
يذكر أن "وليد زكريا عقل"، من مواليد مخيم النصيرات في قطاع غزة عام 1963، وهو من مؤسسي "كتائب القسام" ، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، اعتقلته السلطات الإسرائيلية عام 1992، بتهمة قتل 16 إسرائيليا، وحكم عليه بـ16 مؤبدا (1584 عاما)، وأطلق سراحه في 2010/10/18، ضمن صفقة تبادل الأسرى، التي أبرمتها حماس، مع السلطات الإسرائيلية، بوساطة مصرية، والتي حرر بموجبها عن 1027 أسير وأسيرة فلسطينية، مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، الذي اختطفته المقاومة الفلسطينية، في منتصف عام 2006. وأبعد "عقل" مع 10 من زملائه إلى تركيا.