جوقة الموسيقى العثمانية.. تستحضر الإنتصارات و عبق التاريخ المجيد
شاركت جوقة الموسيقى العسكرية العثمانية "مهتران"، جيوش الأتراك المسلمين فتوحاتهم، وقدّمت عروضاً ألهبت مشاعرهم، بأناشيدها الحماسية، التي صدحت على مدار 713 عاماً، ليستلهم منها كبار الموسيقيين والملحنين الأوروبيين أشهر سيمفونياته
هشام شعباني
اسطنبول – الأناضول
بدأت جوقة الموسيقى العسكرية العثمانية "مهتران"،أولى أناشيدها عام 1299، تخليداً لذكرى الأمير "عثمان بن أرطغرل"، المؤسس للدولة العثمانية،التي امتد حكمها سبعة قرون، وبسطت سلطتها على القارات الثلاث،آسيا وأوروبا وأفريقيا، وعندما أرسل له السلطان السلجوقي "علاء الدين كيقباد الثالث"، جوقة موسيقية نحاسية سلطانية،ترافقها فرقة طبول، تعبيراً عن تقديره العميق، لما قدّمه الأمير الشاب، من خدمات كبيرة للسلاجقة، كخطوة رمزية، تؤكد مبايعته بتسليمه راية الجهاد، بعد أن بدأ نجم السلاجقة بالأفول، ومنحه ، لقب "حارس حدودنا المخلص العالي الجاه الغازي عثمان باشا"، إضافة إلى الجوقة المذكورة.
أعتبر ذلك التاريخ، بداية حقبة الدولة العثمانية، واستلامها الراية من الدولة السلجوقية.
وجرت العادة أن يقف الجميع، احتراماً للسلاطين السلاجقة، والعثمانيين، عندما تقرع طبول الجوقة، إلى أن ألغى السلطان محمد الفاتح (الثاني) ذلك التقليد، الذي استمر 200 عام.
وذكر الموقع الرسمي لجوقة الموسيقى العسكرية العثمانية "مهتران"، على شبكة "الإنترنت"، في معرض سرده لتاريخ الجوقة، أن السلطان العثماني "محمود خان الثاني"، أصدر في 15 حزيران/يونيو 1826، فرماناً (قراراً) قضى بإلغاء جوقة الـ "المهتران"، في إطار تعديلاتٍ على الهيكل التنظيمي للدولة العثمانية، كما شمل قرار الإلغاء، الفرق الإنكشارية العسكرية، وفرق الـ "القابي قولي"، التي كانت تابعة للسلطان، بشكل مباشر، وأسس عوضاً عنها، جوقة أخرى، أطلق عليها اسم "الفرقة السلطانية الموسيقية "، مما يدل على الأهمية التي شغلتها الجوقة في التاريخ التركي والعثماني.
وأضاف الموقع، أن جوقة للموسيقى العسكرية أسسها، كلاً من "أحمد مختار باشا"، الذي كان قائداً للقوات العثمانية، على جبهة القفقاس، إبان الحرب العثمانية الروسية، عام 1877 – 1878، وهوعالم فلك شهير وكاتب ومربي وسياسي، إضافة إلى منصب الصدر الأعظم (رئيس وزراء)، في الدولة العثمانية عام 1912، و"جلال أسعد آرسون"، الذي كان أحد أبرز الكتاب والمؤرخين، في الدولة، إضافة إلى كونه مسرحياً وأديباً ورسّاماً، وعضواً في مجلس المبعوثان (مجلس الأمة)، وابناً للصدر الأعظم أحمد أسعد باشا.
وكان هدف الفرقة،إحياء الجوقة العسكرية العثمانية، بطرازها التقليدي، عام 1911، وما أن حل عام 1914، حتى دخلت الجوقة الجديدة، بروتوكولات ومراسم الدولة الرسمية، وحملت اسم "المهتران الخاقاني"، لتلحق بعد ذلك بوزارة الدفاع إبان الحرب العالمية الأولى.
و رافقت الجوقة، الجيوش العثمانية في عدّة جبهات، رغم الظروف الصعبة التي شهدتها الحرب العالمية الأولى، و لعبت دوراً بارزاً، في تحفيز المقاتلين إبان حرب الاستقلال، إلا أن انهيار الدولة العثمانية، وتأسيس الجمهورية التركية، على طراز حديث، أدى إلى توقف عمل الجوقة، ومن ثم إلغائها عام 1935، ليعيد رئيس أركان الجيش التركي "نوري ياموت"، إحيائها عام 1952، وتعاود عزف موسيقاها الحماسية، وترديد أناشيدها التاريخية، التي تعبر كل واحدة منها، عن لوحة من تاريخ السلاجقة والعثمانيين، وفتوحاتهم المجيدة، وانتشارهم على القارات الثلاثة.
وشاركت الجوقة عام 1953، بالاحتفالات الضخمة، التي أقيمت بمناسبة الذكرى الـ 500، لفتح إسطنبول، ونالت أناشيدها، التي يرجع بعضها، إلى أكثر من 700 سنة، إعجاب الجماهير الغفيرة، التي ترقبت بشوق وفرح، عودة جوقة الموسيقى العسكرية العثمانية "مهتران"، التي ارتبطت بتاريخ الجيوش التركية المسلمة، وفتوحاتها، متقدّمة الاستعراضات العسكرية، التي أقيمت عبر مئات السنين.
وتمتلك اليوم، العديد من البلديات، والمراكز الثقافية، وإدارات الدولة والجيش، جوقات خاصة بها، تحيي من خلالها، المناسبات الدينية والوطنية، وتفتتح بأناشيدها المشاريع الحيوية، وتشارك بها في المهرجانات والفعاليات الثقافية والعسكرية، داخل وخارج البلاد.
يذكر أن العديد من الملحنين والموسيقيين العالميين، تأثروا بألحان جوقة الموسيقى العسكرية العثمانية "مهتران"، واستلهموا منها ألحانهم وسيمفونياتهم، أمثال الموسيقي الألماني، صاحب الأعمال العالمية الخالدة "بيتهوفن"، في سيمفونيته التاسعة، والمؤلف والموسيقي النمساوي "موزارت"، في سيمفونيته التي حملت اسم (Rondo a la Turca)، والتي تعني "النشيد التركي".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.