دولي, أخبار تحليلية

أفغانستان.. أزمة ولدتها "فقاعة محاربة الإرهاب" (تحليل)

- الولايات المتحدة أنفقت نحو تريليون دولار على مدار عشرين عاماً للسيطرة على أفغانستان ويبدو أنها قررت أن تصبح هذه النفقات مشكلة دول المنطقة

14.08.2021 - محدث : 14.08.2021
أفغانستان.. أزمة ولدتها "فقاعة محاربة الإرهاب" (تحليل)

İstanbul

إسطنبول/ محمد أ. كانجي/ الأناضول

- ستؤدي موجات الهجرة من أفغانستان في اتجاه أوزبكستان- طاجيكستان- تركمنستان إلى تأجيج الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة 
- الولايات المتحدة أنفقت نحو تريليون دولار على مدار عشرين عاماً للسيطرة على أفغانستان ويبدو أنها قررت أن تصبح هذه النفقات مشكلة دول المنطقة
- الإدارة الأمريكية تترك حصان طروادة على أبواب منافسيها ليثقل كاهلهم بالأعباء المادية الضخمة ويشكل لهم مصدر قلق على المستويين المالي والأمني
 

مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في 14 أبريل/ نيسان 2021 انسحاب قوات بلاده وقوات حلف الناتو من أفغانستان، بدأت صفحة جديدة في تاريخ البلاد. إلا أن الأحداث التي شهدتها أفغانستان في الأربعة أشهر التي أعقبت التصريح كانت أشبه بكابوس بالنسبة للمجتمع الدولي.

ومع بدء انسحاب القوات الأجنبية أصبحت حركة طالبان تسيطر على الحدود مع إيران وباكستان وطاجيكستان، بعد أن كانت مسيطرة على المناطق الريفية فقط في بداية العام الجاري.

وفي الأسبوع الأول من شهر أغسطس/ آب الجاري سيطرت طالبان على عواصم 5 ولايات خلال 72 ساعة فقط. وتتقدم الحركة حاليا للسيطرة على حكم البلاد دون أن تكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها في السابق عندما استولت لأول مرة على حكم أفغانستان عام 1996. وحتى 10 أغسطس كانت طالبان تسيطر على 85 في المئة من الأراضي الأفغانية.

لكن كيف لم يدرك صانعو القرار العسكري في الولايات المتحدة أن طالبان يمكن أن يكون لديها القوة الكافية للإطاحة بالحكومة الوطنية في أفغانستان خلال هذه المدة القصيرة؟ ما هي النقطة التي أخطأت فيها الولايات المتحدة في موضوع طالبان؟ أم أنها لم تخطئ في الأساس؟

هل يمكننا أن نفسر الوضع الذي تسببت فيه الولايات المتحدة في أفغانستان بأنه "انعدام بصيرة أُضيفت إليه مجموعة من الإخفاقات"؟ أم أن واشنطن تركت عامدة متعمدة "حصان طروادة" جديد في وسط وجنوب آسيا، على أبواب الشرق الأوسط؟

كيف وجد المجتمع الدولي نفسه أمام حالة من الفوضى ومجموعة من المشاكل المتداخلة بينما كان يظن أن السلام سيعم أفغانستان مع انتهاء احتلالها بانسحاب القوات الأمريكية؟

- تغير الخطاب الأمريكي

لمعرفة الإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نلقي نظرة على تصريحات وإجراءات البنتاغون والدبلوماسيين الأمريكيين في الفترة من 6 إلى 9 أغسطس الجاري.

حتى مطلع أغسطس كانت الولايات المتحدة تعتقد أن الحكومة الأفغانية ستحافظ على توازن القوى في الميدان من خلال الدعم الجوي الذي تقدمه لها وأنها ستتمكن من إقناع طالبان بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وعندما أصبح الوضع على الأرض مناقضاً للرسائل التي حاولت الولايات المتحدة تصديرها للعالم اضطرت لتغير لغة الخطاب التي تستخدمها.

في تصريحات له خلال مؤتمر صحفي بتاريخ 9 أغسطس، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي إن حركة طالبان حققت مكاسب ميدانية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب ملمحاً إلى أن تقدم الحركة حالياً غير مرتبط ارتباطاً مباشراً بقرارات الرئيس بايدن.

وبعكس تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي كانت تؤكد أن طالبان لن يمكنها السيطرة على عواصم الولايات قال كيربي إن سيطرة مسلحي طالبان على عواصم 5 ولايات خلال 72ساعة فقط، أمر مثير للقلق، ملقياً بمسؤولية الدفاع عن المدن على الشعب الأفغاني وحكومته.

من التصريحات المهمة الأخرى للمتحدث باسم البنتاغون إجابته عن سؤال حول ما إذا كان الدعم الجوي الأمريكي للجيش الوطني الأفغاني سيستمر بعد 31 أغسطس، حيث قال كيربي إن الإجابة على هذا السؤال الآن ستكون أمراً مثيراً للجدل، ملمحاً بذلك إلى أن الدعم الجوي إذا استمر سيكون على نطاق محدود.

وبالرغم من أن قاذفات القنابلB-52 الأمريكية تسببت في خسائر فادحة لحركة طالبان إلا أن التكلفة الباهظة للعمليات يجعلها غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل.

استخدمت واشنطن سابقا، القوة المدمرة لقاذفات B-52 خلال حرب فيتنام وكانت النتيجة التي حصلت عليها هي إجبار فيتنام الشمالية على قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات. إلا أن احتمال أن يؤدي استخدام السلاح نفسه ضد طالبان إلى النتيجة نفسها لا يعدو كونه مجرد توقع.

علاوة على ذلك أرسلت واشنطن مبعوثها الخاص لأفغانستان زلماي خليل زادة إلى العاصمة القطرية الدوحة في 8 أغسطس الجاري، لرؤية مدى تأثير استخدام قاذفات القنابل B-52 على حركة طالبان ولإيقاف سيطرة الحركة على مراكز الولايات.

إلا أن الشواهد حتى اليوم تشير إلى أن تأثير المكتب السياسي لطالبان الذي يجري المباحثات مع خليل زاده محدود جداً. وحتى اليوم لم يتضح وجود أي تأثير لممثلي طالبان في الدوحة على اللجنة العسكرية الموجودة بالميدان.

لم تتمكن الولايات المتحدة حتى اليوم من عقد لقاءات مباشرة مع زعيم حركة طالبان هبة الله آخوند زاده، ولا نائبه للشؤون السياسية ملا عبد الغني برادر. كذلك لم تتمكن من تأسيس أي علاقات مباشرة مع المسؤول عن العمليات العسكرية بالحركة ملا محمد يعقوب.

ولم تنجح الولايات المتحدة ولا دول المنطقة في عقد مباحثات مع حركة طالبان، أو مع مسؤولين أعلى من الدرجة الرابعة بالحركة. وهذا الوضع يجعل مضمون محادثات الدوحة وموسكو وطهران مخالف تماماً للتطورات في الميدان.

- موجات هجرة جديدة

أدت مراحل الاحتلال والصراعات والحرب الداخلية المستمرة في أفغانستان منذ 40 عاماً إلى موجة هجرة غير منتهية. فهناك حوالي مليونين و800 ألف مواطن أفغاني من أصل 40 مليون، يعيشون في باكستان بصورة رسمية أو غير رسمية.

أما في إيران وهي الدولة التي استقبلت ثاني أكبر موجة هجرة من أفغانستان فيعيش فيها نحو 800 ألف أفغاني وفقاً لبيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وتستضيف تركيا حوالي 200 ألف لاجئ أفغاني وفقاً لبيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وخلال الفترة من 2014 إلى 2021 وصل إلى تركيا حوالي 500 ألف مهاجر أفغاني.

ومن المؤكد حدوث موجة هجرة كبيرة جديدة من أفغانستان إلى استراليا وأوروبا ووسط آسيا حال فرضت طالبان سيطرتها على كامل البلاد.

لمعرفة المخاطر التي يمكن أن يجازف بها الراغبون في الهروب من نظام طالبان، يكفي التذكير بحادث اختطاف طائرة الركاب الأفغانية في 6 فبراير/ شباط عام 2000 عندما قام 9 مواطنين أفغان باختطاف طائرة ركاب متجهة من كابل إلى مزار شريف وكانت تقل 180 راكباً وأجبروها على الهبوط في إنجلترا.

وليس صعباً أن نخمن أن المواطنين الأفغان الراغبين في الهجرة يمكن أن يجازفوا ويتعرضوا لمآسٍ أشد في سبيل الهجرة في ظل الظروف الحالية.

وفي حال بدأت موجة الهجرة الكبيرة من أفغانستان فإنه من المتوقع أن تكون أعداد المهاجرين أضعاف الذين هاجروا من سوريا. وستكون موجات الهجرة في اتجاه أوروبا وأستراليا ودول آسيا الوسطى، وسيسبب ذلك أيضاً أعباء مالية من الصعب تحملها على الدول الواقعة على طريق الهجرة.

يؤدي تقدم طالبان أيضاً إلى حصولها على كميات ضخمة من الأسلحة ففي أثناء تقدمهم، استولى مسلحو الحركة على العديد من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمركبات التي حصلت عليها قوات الأمن الأفغانية من الدول الغربية.

كما أظهرت القنوات الإخبارية الإنجليزية كيف استولى مقاتلو طالبان على حاويات ممتلئة بقذائف الهاون كانت القوات الأمريكية قد تركتها أثناء انسحابها من القواعد العسكرية.

وسنشهد في الأيام القادمة انتقال هذه الأسلحة التي تفوق حاجة طالبان إلى أيدي مقاتلي المجموعات الإرهابية المرتبطة بداعش في الفلبين وتايلاند وأوزبكستان وطاجيكستان وإفريقيا والشرق الأوسط.

دافعت الولايات المتحدة عن فكرة اجتياحها أفغانستان في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبررت ذلك بأنه ليس احتلالاً، بل عملية للقضاء على تهديد تنظيم القاعدة.

وأثناء انسحابها قالت إنه لم يعد هناك خطر يهدد أمن الأراضي الأمريكية من أفغانستان. ولكن ألن تستمر المجموعات الإرهابية المنبثقة عن داعش وطالبان والتي ترى أفغانستان منطقة آمنة بالنسبة لها في تهديد أمن آسيا والشرق الأوسط؟

يبدو أن الولايات المتحدة التي أنفقت نحو تريليون دولار على مدار عشرين عاماً للسيطرة على أفغانستان قررت أن تصبح هذه النفقات مشكلة دول المنطقة وفي مقدمتها روسيا والصين.

وبذلك تكون الإدارة الأمريكية تركت حصان طروادة على أبواب منافسيها ليثقل كاهلهم بهذه الأعباء المادية الضخمة ويشكل لهم مصدر قلق على المستويين المالي والأمني.

ستؤدي موجات الهجرة من أفغانستان في اتجاه أوزبكستان- طاجيكستان- تركمنستان إلى تأجيج الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة وخاصة فيما يخص الأمن الغذائي والمائي.

كما سينجم عنها زيادة تأثير الإرهاب على الممر الجنوبي والأوسط لطريق الحرير الحديدي الممتد من الصين لأوروبا، فضلا عن أن التدريبات العسكرية التي بدأتها روسيا من الآن لمواجهة خطر الإرهاب على حدود جمهوريات وسط آسيا فرضت أعباء اقتصادية جديدة على ميزانيات الدفاع في روسيا وفي تلك الدول.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın