ريشي سوناك.. أول رئيس وزراء "غير أبيض" يقود بريطانيا
سوناك تعهد أيضا بمنح البرلمان صلاحية التحكم في عدد المهاجرين القادمين إلى المملكة المتحدة..
İngiltere
لندن/الأناضول
أصبح ريشي سوناك أخيرا قائدا لحزب المحافظين ورئيسا لوزراء بريطانيا بالتزكية، بعد محاولات سابقة من الحزب في ثنيه عن هذا المنصب عندما فضل ليز تراس عليه في انتخابات الحزب السابقة والتي أسفرت عن تولي تراس رئاسة الوزراء في سبتمبر/أيلول المقبل، قبل أن تستقيل بعد 6 أسابيع فقط من تعيينها.
واليوم، وصل وزير الخزانة السابق ريشي سوناك إلى المنصب الذي انسحب منه قبل أشهر بهدوء على خلفية رفضه وتشكيكه في خطة تراس الاقتصادية، وهي الخطة التي تكللت فعليا بالفشل وأجبرت تراس على الاستقالة، لتنهي بذلك أقصر فترة لرئيس وزراء في تاريخ المملكة المتحدة.
وأصبح سوناك (42 عاما) رئيسا لوزراء بريطانيا في أعقاب انسحاب وزيرة الدفاع السابقة بيني موردونت من المنافسة، وتخلي رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون عن محاولته العودة إلى السلطة.
وقالت موردونت في بيان إعلان انسحابها "قررنا الآن من سيكون رئيس وزرائنا المقبل، هذا القرار تاريخي ويظهر مرة أخرى تنوع حزبنا وموهبته".
وأضافت: "ريشي يحظى بدعمي الكامل، نحن جميعا مدينون للبلد ولريشي بأن نتحد ونعمل معا من أجل خير الأمة".
وتظهر تصريحات موردونت تحولا في نظرة نواب حزب المحافظين لسوناك، وارتفاع أسهمه بعدما صدقت توقعاته بشأن خطة تراس الاقتصادية.
وكان سوناك ركز خلال حملته لرئاسة حزب المحافظين في سبتمبر الماضي، على قضية واحدة بشكل أساسي وهي الحالة المتدهورة للاقتصاد البريطاني وخطته للتغلب عليها.
واعتبر أن خطة تراس "تجر على البلاد خسائر كبيرة".
رئيس وزراء من أصول آسيوية
ويشكل اختيار ريشي سوناك لمنصب رئيس الوزراء حدثا في تاريخ المملكة المتحدة، حيث أصبح أول رئيس وزراء "غير أبيض" من أصول آسيوية يصل إلى هذا المنصب.
وُلد ريشي سوناك في مدينة ساوثهامبتون البريطانية لأبوين هنديين هاجرا إلى المملكة المتحدة من شرق إفريقيا، امتهن والده الطب وكانت والدته تمتلك صيدلية.
تلقى سوناك تعليمه في مدرسة داخلية خاصة قبل أن يذهب إلى جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد وهو التخصص الذي تختاره النخبة السياسية البريطانية في تلك الجامعة العريقة.
وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، حيث تعرف على زوجته الحالية أكشاتا مورتي وهي ابنة ملياردير هندي.
ويُعرّف سوناك بأنه من أغنى السياسيين في البلاد، بفضل ثروة زوجته التي تعد من أغنى نساء المملكة المتحدة، وبلغت ثروتهما مجتمعة 730 مليون جنيه إسترليني (875 مليون دولار) منذ مطلع عام 2022.
وبينما ألقت هذه الزيجة والثروة الضخمة بظلالها على حياة سوناك العامة، حيث أثير حوله وزوجته الكثير من الجدل بعد الكشف عن استفادة شركاتها من الملاذات الضريبية بعيدا عن بريطانيا، إلا أنها لم تعرقل مسار سوناك المهني والسياسي بذريعة أنه عمل مستشارا لأكبر المؤسسات البنكية في العالم قبل انضمامه للحكومة في بريطانيا.
مواقفه السياسية
دخل سوناك إلى البرلمان البريطاني في عام 2015، ممثلا عن دائرة ريتشموند في مقاطعة شمال يوركشاير، شمالي المملكة المتحدة.
صوّت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016 بشأن خروج بريطانيا من التكتل، ثم جاء دوره الحكومي الأول في عهد رئيسة الوزراء آنذاك تيريزا ماي، عندما اختير في منصب وزاري صغير قبل أن يعينه بوريس جونسون سكرتيرا أول في وزارة الخزانة.
وبعد استقالة ماي، أيد سوناك محاولة بوريس جونسون لرئاسة الوزراء، واعتبر البعض اختياره لمنصب السكرتير الأول في وزرارة الخزانة وهو بمثابة الرجل الثاني في الوزارة بعد الوزير كأنه "رد للجميل".
واستمر سوناك في الصعود بالتزامن مع استقالة وزير الخزانة آنذاك ساجد جاويد، على خلفية صدام مع مستشار جونسون الخاص دومينيك كامينغز بشأن قضية تتعلق بالموظفين.
وبعد استقالة جاويد، أصبح سوناك في فبراير/شباط 2020 وزيرا للخزانة، وبات ثاني أقوى رجل في السياسة البريطانية.
تحدي جائحة كورونا
لم يكن تولي منصب وزير الخزانة بالأمر السهل على سوناك.
بعد أسابيع قليلة من استلامه مهامه ضربت جائحة كورونا العالم، فتحول اسمه من مجرد وزير إلى شخصية تقود المرحلة وتحاول ضمان استقرار اقتصاد المملكة المتحدة.
وعلى هذا النحو، أدار سوناك الأزمة بمهارة واحترافية، ونفذ برنامج دعم اقتصادي واسع النطاق للبلاد وصل إلى مئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية، وقدم من خلال وزارته دعما شمل كل من أرباب العمل والموظفين عبر تمويل حكومي سخي.
وفي مداخلات صحفية متلفزة يومية، تناقض سلوكه الجذاب والمهني بشكل ملحوظ مع أسلوب رئيس الوزراء حينها بوريس جونسون والذي وصفه البعض بأنه "أسلوب فوضوي وغير محدد".
ومع تصاعد الانتقادات الموجهة لجونسون، كان الحديث يتزايد عن سوناك باعتباره خليفة محتملا لجونسون.
وانطلاقا من هذا المسار، يبدو أن المصادفات لعبت دورا كبيرا في حياة سوناك بدءا من توليه منصب وزير الخزانة في ظل حكومة كان رئيسها يدعمه مهنيا وبالتزامن مع وباء رفع من أسهمه لدى جميع فئات الشعب البريطاني، وصولا إلى استقالة منافسة سابقة على منصب رئاسة الوزراء بعد أسابيع معدودة بسبب خطة كان يراها "فاشلة"، ثم تنحي منافسة أخرى لتمهد الطريقة أمامه بسهولة للوصول إلى منصب رئيس الوزراء.
مواقف سياسية
شكلت استقالة ريشي سوناك من منصب وزير المالية في أعقاب فضيحة "بارتي غيت" ضربة قوية لجونسون وأجبرته على الاستقالة من منصبه.
واستقال سوناك بعد ورود اسمه في القضية التي اتهم فيها بوريس جونسون بخرق قواعد مكافحة فيروس كورونا عندما نظم حفلات في مقر الحكومة، وهو ما وضع الحكومة في أزمة دائمة تتعلق بالنزاهة والصدق.
وكان سوناك الذي أكد أنه لم يكن على علم بهذه الحفلات، ثاني وزير يستقيل من الحكومة لإحراج جونسون من أجل تقديم استقالته.
وعلى صعيد آخر، عرف سوناك بمواقف الداعمة لأي قرارات تحد من أعداد المهاجرين إلى المملكة المتحدة.
وفي يوليو/تموز الماضي، عندما كان سوناك ما يزال داخل المنافسة على قيادة حزب المحافظين أمام ليز تراس، تعهد سوناك بـ"تحديد المؤهلين" للحصول على حق اللجوء، ووضع "حد أقصى" لأعداد اللاجئين الذين يدخلون بريطانيا كل عام.
وذكرت شبكة "بي بي سي" أن سوناك وعد أيضا بفعل "كل ما يتطلبه الأمر" لإنجاح "خطة رواندا"، واصفا سياسة الهجرة في المملكة المتحدة بأنها "معطلة" و"فوضوية".
وفي أبريل/ نيسان الماضي، اعتمدت الحكومة البريطانية خطة لترحيل طالبي لجوء من أراضيها إلى رواندا، وفق اتفاقية هجرة وقعتها حكومة البلدين.
وتنص الاتفاقية على منح الأشخاص الإقامة والدعم في رواندا أثناء النظر في طلب اللجوء الخاص بهم.
كما وعد سوناك بمنح البرلمان صلاحية التحكم في عدد القادمين إلى المملكة المتحدة من خلال وضع "حد أقصى سنوي" لعدد اللاجئين المقبولين، مع إمكانية تغيير ذلك في حالات الطوارئ، حسب الشبكة.
وقال سوناك ضمن وعوده الانتخابية إنه سيقدم "سلطات معززة" لاحتجاز ومراقبة من يدخلون المملكة المتحدة بشكل غير قانوني.
وأضاف: "النظام الحالي فوضوي، حيث يرى المواطنون الملتزمون بالقانون قوارب مليئة بالمهاجرين غير الشرعيين القادمين من فرنسا الآمنة، ويبدو أن البحارة وخفر السواحل لدينا عاجزون عن منعهم".