اجتماع برلمان تونس "المجمد".. هل يبدأ صراع شرعيات؟ (تحليل)
للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر، عقد مكتب البرلمان التونسي "المجمد"، الاثنين، اجتماعا افتراضيا (عبر اتصال مرئي)، تمهيدا لجلسة عامة افتراضية الأربعاء تستهدف التصويت على إلغاء إجراءات رئيس البلاد قيس سعيد الاستثنائية، وفق بيان للمكتب.
Tunisia
تونس / علاء حمّودي / الأناضول
- عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات: الدعوة إلى عقد جلسة عامة للبرلمان (الأربعاء) هي دعوة لتفكيك الدولة عبر شرعيات مختلفة.. ونطالب الرئيس بفرض وحدة الدولة- محلل سياسي مراد علالة: الغنوشي يريد رفع نسق التفاوض وإحراج سعيد وقد دخلا حربا معلنة.. ومن غير المجدي حشر المؤسستين الأمنية والعسكرية في الصراع السياسي
- محلل سياسي بولبابة سالم: ضغوط عديدة من الداخل والخارج للعودة إلى المسار الديمقراطي.. ونواب كانوا مساندين لسعيد تراجعوا الآن مع وضوح وجود انحراف في السلطة
- رئيسة حزب الدستوري عبير موسي: قمنا بواجبنا في التصدي لمخطط إدخال البلاد في أزمة تضارب الشرعيات.. وندعو سعيد إلى عدم منح حركة النهضة والأحزاب المعارضة مزيدا من "الأوكسجين"
للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر، عقد مكتب البرلمان التونسي "المجمد"، الاثنين، اجتماعا افتراضيا (عبر اتصال مرئي)، تمهيدا لجلسة عامة افتراضية الأربعاء تستهدف التصويت على إلغاء إجراءات رئيس البلاد قيس سعيد الاستثنائية، وفق بيان للمكتب.
هذه الإجراءات بدأها سعيد تدريجيا منذ 25 يوليو/ تموز 2021، ومنها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل المجلس الأعلى للقضاء.
وحذر سعيد، مساء الاثنين، من محاولات البرلمان "المجمد" عقد جلسات قائلا: "من يريد أن يعبث بالدولة أو أن يصل إلى الاقتتال الدّاخلي، فهناك قوات ومؤسسات ستصدّهم عن مآربهم".
وعقب اجتماع مكتب مجلس البرلمان وتحذير سعيد، اشتعلت نقاشات في تونس حول ما سينتج عن هذا الصِّدام: الذهاب إلى طاولة حوار بحثا عن حل للأزمة الحادة أم بدء انقسام عبر سلطتين متوازيتين وصراع شرعيات.
ويُرجح متابعون أن تأخذ الأزمة مسارا جديدا، خاصة بعد ثمانية أشهر اكتفت فيها المعارضة بالبحث عن سبل للعودة إلى طاولة الحوار وحلحلة الأزمة أو بالنزول إلى الشارع رفضا لإجراءات سعيد الاستثنائية.
وترفض غالبية القوى السياسية والشعبية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، فيما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك، زين العابدين بن علي.
أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال إن إجراءاته هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، وأعلن انتخابات برلمانية مبكرة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
واعتبر سعيد، الاثنين، أن "الاجتماعات التي سيتم الدعوة لها (من جانب البرلمان) هي محاولات بائسة بسبب خوف البعض من الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الفترة المقبلة"، بحسب تعبيره.
** "تفكيك الدولة"
واعتبر عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات، في حديث للأناضول، أن "الدعوات لعودة عمل البرلمان وانعقاد جلساته أمر غير قانوني وانتهى مع تاريخ 25 يوليو 2021".
وقال إن "ما قام به رئيس البرلمان راشد الغنوشي بعقد اجتماع لمكتب مجلس البرلمان والدعوة لجلسة عامة الأربعاء هو دعوة لتفكيك الدولة عبر شرعيات مختلفة (شرعية البرلمان وشرعية الرئيس)".
وأضاف أن "حركة الشعب تلقت دعوة لحضور جلسة البرلمان، ونحن نرفض ذلك".
وتابع أن "فرض وحدة الدولة هو مطلبنا من الرئيس، حيث لا شرعية للبرلمان، وللدولة قانون يحكمها".
وأردف: "لا نرغب أن تتحول تونس إلى دولة خاصة بأشخاص بعينهم (يقصد رئيس البرلمان) عبر دعوات تخريبية ستتسبب في تفكيك وحدة الدولة".
** تضارب شرعيات
متفقةً مع عويدات، قالت رئيسة حزب الدستوري الحر عبير موسي، عبر مقطع مصور، إن حزبها "قام بواجبه في التصدي لمخطط إدخال البلاد في أزمة تضارب الشرعيات".
وتابعت: "احتكمنا إلى سلطة القانون واحتمينا بالسلطة القضائية وطلبنا منها وقف نزيف ضرب الأمن القومي قبل فوات الأوان".
واستدركت: "لكن القضاء خذل تونس قبل 25 يوليو، ولم يطبق القانون على المعتدين والتكفيريين وفتح الباب إلى ما آلت إليه الأوضاع حاليا".
ودعت سعيد إلى "تدارك أمره ووقف تغول (حركة) النهضة (برئاسة الغنوشي رئيس البرلمان) والأحزاب المعارضة وعدم منحهم مزيدا من الأوكسيجين"، وفق تعبيرها.
وفي 12 فبراير/ شباط الماضي، اتهمت موسي الرئيس سعيد بـ"توظيف تطبيق الاستشارة الإلكترونية لأغراض ذاتية"، ووصفتها بـ"عملية تزوير تاريخية".
وانتهت في 20 مارس/ آذار الجاري، استشارة شعبية إلكترونية كان سعيد أعلن إطلاقها منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، بهدف استطلاع آراء المواطنين بشأن "عملية التحول الديمقراطي"، وفق الرئاسة.
بينما تقول قوى معارضة إن هذه الاستشارة تمهد لإجراء تعديلات، لا سيما على الدستور، لتعزيز عملية جمع كل السلطات بيد الرئيس سعيد.
** حرب معلنة
ووفق المحلل السياسي مراد علالة، في حديث للأناضول، فإن "رئيس البرلمان الغنوشي والرئيس سعيد دخلا في حرب معلنة بعقد اجتماع مكتب مجلس البرلمان والدعوة إلى جلسة عامة".
وأضاف أنه "في خطاب سعيد الاثنين، لاحظ التونسيون أنه لم يسم الأشياء بأسمائها، بعدم ذكره حركة النهضة ورئيسها الغنوشي".
واعتبر علالة أن "رفض تسمية من يقصدهم (سعيد) في خطاباته أمر غير مقبول في السياسة، خاصة أنه المسؤول عن حماية ووحدة الدولة، وعليه مراجعة هذا التمشي السياسي".
وتابع: "غالبا اجتماع الرئيس بمجلس الأمن القومي الاثنين تطرق إلى إجراءات يمكن اتخاذها في حال عقد رئيس البرلمان جلسة عامة افتراضية الأربعاء".
وشدد على أنه "من غير المجدي حشر المؤسستين الأمنية والعسكرية في الصّراع السّياسي".
وأردف أنه "في حال تجاوز القانون من قبل أي طرف، فدور النيابة العمومية والقضاء هو أن يسود القانون، واعتماد قوة القانون لمنع انعقاد جلسة البرلمان قد يكون الملاذ الأخير لسعيد".
واستطرد: "ذاكرة التونسيين تدرك أن الغنوشي أعلن بعد 25 يوليو أن مكتب مجلس البرلمان والبرلمان في حالة انعقاد دائم بناء على ما يقره الفصل 80 من الدستور الذي اعتمده سعيد في إقرار الإجراءات الاستثنائية".
وتحدث عن "الوضع الاجتماعي والمهني الخاص لعدد من النواب (حوالي 120 نائبا من أصل 217) الذين لا يتقاضون أجورا لأشهر بسبب تجميد أعمال البرلمان".
وأعرب عن اعتقاده بأن هؤلاء "هم المستفيدون من هذه الخطوة التّصعيدية (الجلسة المرتقبة)، بجانب استهداف النهضة رفع نسق التفاوض وإحراج الرئيس أكثر من أي شيء آخر".
والتصويت على إلغاء الإجراءات الاستثنائية يتطلب اكتمال النصاب القانوني، وهو 109 نواب من أصل 217.
ورجحت تقارير إعلامية أن يشارك 120 نائبا من كتل مختلفة في جلسة الأربعاء.
** ضغوط عديدة
أما المحلل السياسي بولبابة سالم فاعتبر أن "ما يحصل يأتي في سياق مختلف بوجود ضغوط عديدة من الدّاخل والخارج على الرئيس سعيد".
وأضاف سالم للأناضول أن "عددا من النواب، وحتى من كانوا مساندين لسعيد، تراجعوا الآن بعد ثمانية أشهر ووضوح وجود انحراف بالسلطة، ما يتطلب وفق دعواتهم عودة عمل البرلمان وإنهاء تعليق أعماله".
وتابع: "الضغوط الخارجية غالبا هي التي وراء هذه الخطوة التصعيدية، والزيارات الأمريكية المتتالية".
وخص بالذكر "زيارة وكلية وزارة الخارجية الأمريكية المكلفة بحقوق الإنسان (عُزرا زِيّا)، التي التقت في الأيام الماضية الفاعلين السياسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني والمنظمات العمالية لفرض رأي والمطالبة بالعودة إلى المسار الديمقراطي".
واعتبر أن "هذه الضغوط تؤكد الحرص الأمريكي على الحفاظ على المسار الديمقراطي في تونس وعدم الانحراف به".
وتابع أنه "ترد الأمريكيين تقارير من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان في ظل محاكمات لمدنيين أمام القضاء العسكري والتضييق على حرية التعبير وغيرها".
وزاد بأن "الولايات المتحدة هي الضامن لتونس أمام صندوق النقد الدولي، وانعقاد جلسة عامة للبرلمان ليست ببدعة، فحتى في أعتى الديكتاتوريات توجد سلطة الرئيس وتوجد سلطة البرلمان".
واستطرد سالم: "وهنا لا يوجد انقسام للسلطة، وتدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي يفرض وجود بوصلة واضحة وتنفيذ إصلاحات ملموسة".
واستبعد سالم أن "ترافق جلسة البرلمان الأربعاء إجراءات أمنية أو إيقافات؛ لأن هؤلاء النواب منتخبون كما انتُخب الرئيس.. والرئيس لم يعلن حل البرلمان بشكل رسمي".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.