archive, الدول العربية

"التبوريدة".. تراث مغربي يحتفي بانتصارات الماضي

فروسية تقليدية بالمغرب، لا تخلو منها قرية أو مدينة، وتقام على مدار السنة مواسم ومهرجانات لإحياء هذا الفن العريق

17.10.2012 - محدث : 17.10.2012
"التبوريدة".. تراث مغربي يحتفي بانتصارات الماضي

 الرباط - الأناضول

 سارة آيت خرصة

يعتلي الفارس صهوة حصانه، ترافقه زغاريد النساء وتصفيق الحاضرين، يتأكد أن سرج الحصان مثبت بإحكام، يحرص على تلميع بندقيته الخشبية المزينة بزخارف مغربية، وينضم "لسرب الخيال"، استعدادًا لانطلاق العرض.

يصطف الفرسان في صف مستقيم، يتقدمهم "العلام" (قائد سرب الخيالة)، يرتدي الجميع لباسًا مغربيًا تقليديًا (جلباب وسلهام)، وما أن يعطي قائد الفرقة الإشارة حتى ينطلق الفرسان في حركة منتظمة، تتصاعد سحابة من الغبار تثيرها حوافر الأحصنة، لتُخْفي عن الأنظار "الخيالة"، تعقبها طلقات بارود تدوي متناسقة من البنادق الخشبية إيذانًا بنهاية العرض، فيما تصدح جنبات الميدان بأغانٍ شعبية وأهازيج.

 ذاك واحد من مشاهد عروض فن "التبوريدة المغربية" (فروسية تقليدية في المغرب)، لا تخلو منه قرية أو مدينة في المغرب حيث تقام على مدار السنة مواسم ومهرجانات لإحياء هذا الفن التراثي العريق.

 ففن التبوريدة (الفنتازيا) استمد اسمه نسبة للبارود الذي يطلقه الخيالة حين وصولهم لخط النهاية، ويُؤرخ حسب الدارسين للمعارك التي خاضها المغاربة لدحر المستعمر الأجنبي، مع بداية الهجمات الإسبانية على الثغور المغربية خلال القرن الخامس عشر  الميلادي، ويظهر جانبًا من الاحتفالات التي كان يقيمها المحاربون بعد كل انتصار.

 أما على جنبات ميدان "التبوريدة"، فتتحلق أفواج المتابعين لعروض تقدمها تباعًا فرق توافدت من كل أنحاء المغرب، لكن أكثرها تنظيمًا وأحسنها تمويلاً، تلك القادمة من السهل الغربي، فالمنطقة تمتاز بطابعها العربي البدوي، ويتواجد بها فلاحون وأصحاب ضيع يحتضنون هذا التقليد العريق، فالمشغوفون به كثر، غير أن نفقات تجهيز الخيول والاعتناء بها وتكاليف شراء البارود قد تحول دون ممارسته.

 ففن التبرويدة توارثته عائلات وقبائل مغربية أبًا عن جد، فلطالما كانت المشاركة في "سرب الخيالة" دليل تميز الفارس في قبيلته، ومنبع حظوة وفخر لدى أبنائها، دون أن يمنع ذلك هواة ومحبين آخرين لهذا الفن من التمرس على قواعده، والمشاركة في "حرْكاته" التي تحاكي هجمات الفرسان على معاقل العدو.

وقبل ذلك يخضع "البارْدي" (الفارس الذي يشارك في التبوريدة) لمراحل تكوين صارمة، غالبًا ما يشرف عليها الأب أو أحد كبار أفراد القبيلة.

تكوين الفارس يبدأ بتعليمه كيفية التعامل مع حصانه وترويضه، تثبيت سرجه وتنظيف إسطبله، مرورًا بتلقين الفارس تقنيات خاصة لإطلاق البارود، لا تخلو من حركات بهلوانية خطرة أحيانًا، لإثارة الناظرين. لكن نجاح "حَرْكة سرب الخيالة" يحتاج لإشاعة روح جماعية قوية بين الفرسان، وخلق ألفة خاصة بين كل "بارْدي" وحصانه، يُطَوع إيقاع عدوه ليتواءم مع إيقاع الخيالة الآخرين.

 توقيع نهاية العرض بطلقات بارود يتردد صداها في آذان المتابعين، وكأنها انطلقت من فوهة البندقية نفسها، دليل على نجاح "الحَرْكة"، يقابله الجمهور بتصفيق وعبارات الاستحسان، وحال فشل الفرسان في إطلاق طلقة موحدة، يعود السرب إلى خط البداية، ليشرع في محاولة جديدة على إيقاع نغمات شعبية صاخبة منها أمازيغية وأخرى عربية.

 تتناوب فرق "البارْدية"(الخيالة) على دخول الميدان، فمنها المنحدرة من منطقة "الشاوية" أو "زعير" (السهل الغربي المطل على المحيط الأطلسي)، وأخرى قادمة من الريف المغربي في الشمال، فيما ينتمي بعضها للصحراء بالجنوب، لكن دخول فرقة من الفارسات إلى ميدان العرض، وقد رصصن صفوفهن بانتظام لا يقل عن من سبقهن من الخيالة، يثير انتباه الجمهور وتعقبه زغاريد النساء، فالتبوريدة اليوم فن تشارك فيه النسوة، وقد حصلن على تدريب سمح لهن بإمتاع الجمهور وكسب استحسانه.

 حين يسدل الستار على يوم طويل من التنافس المحموم بين أسراب الخيالة، وقد تكون قد استعادت كل مدينة أو قبيلة عبر عروض "سرب الخيالة" الذي ينتسب إليها روائح أمجاد مضت، وقد استقبلت وفودًا من الزائرين، ما كانوا ليضيعوا فرصة متابعة خيول تعدو بين كر وفر، في مشهد صُمم ليحاكي غزوات التحرير، ويذكرهم بذلك الرابط الفريد بين الإنسان العربي والخيل، زمن الحرب، وأيام الاحتفال.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın