archive, الدول العربية

لوحة الغوري.. آخر آثار "درب الحج" بسيناء

اللوحة الأثرية تصف إنجازات السلطان المملوكي قنصوه الغوري في تمهيد الطريق الذي كان يسلكه حجاج مصر والمغرب العربي لبيت الله الحرام.

21.10.2012 - محدث : 21.10.2012
لوحة الغوري.. آخر آثار "درب الحج" بسيناء

محمد أبوعيطة

العريش (مصر) - الأناضول

 لاتزال بعض آثار طريق الحجيج من دول المغرب العربي ومصر المار بصحراء  شبة جزيرة سيناء، للحجاز، باقية حتى اليوم، تشهد على ما قدمته إمبراطوريات ودول متعاقبة على هذا المكان لخدمة حجاج بيت الله الحرام.

ويمتد طريق الحجيج في سيناء لمسافة تقارب  350 كم تبدأ من قناة السويس غربا، وتنتهى عند منطقة طابا بالجنوب الشرقي للمحافظة الحدودية، يسير خلالها عبر دروب رملية بمناطق صحرواية قاحلة وممرات صخرية ضيقة، وأودية تخترق سفوح  سلاسل جبلية وعرة.

 وانقسم طريق الحج القديم إلى ثلاث مراحل متقاربة تبدأ من القاهرة، حتى مدينة "عجرود" في محافظة السويس بطول 150كم والثانية حتى مدينة "نخل" بطول 150كم أيضاً أما الثالثة فتنتهى بمدينة "عقبة أية" بطول 200كم، وكانت كل مرحلة تستغرق مسيرة 3 أيام على ظهور الإبل.

ومن أبرز آثار هذا الطريق الباقية لليوم، كما رصدها مراسل وكالة أنباء الأناضول بسيناء، لوحة أثرية نقشت على بطن جبل يسمى "دبة البغلة" بوسط سيناء، وحملت توقيع السلطان المملوكي " قنصوه الغوري".

 ومن بين عباراتها الآيات الأولى من سورة الفتح  "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا" صدق الله العظيم.

وكذلك عبارة تنسب فضل تمهيد الطريق للغوري جاء فيها "مهد طريق المسلمين الحجاج لبيت الله تعالى وعمار مكة المكرمة والمدينة الشريفة والمناهل عجرود ونخل وقطع الحبل عقبة إيلا وعمار القلعة والآبار وقلعة الأزلم والموشحة ومغارب ونبط الفسافي وطرق الحج الشريفة، مولانا المقام الشريف والإمام الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري نصره الله نصراً عزيزا".

وتشكل هذه اللوحة معلما أثريا  في المنطقة، إذ أحاطت الجهات المسئولة الموقع بسور شائك، ومع ذلك بقى مزارا للعابرين  من هذا الطريق الصحراوي  الذين ترك بعضهم توقيعه على سفح ذاك الجبل الواقع في بداية منخفض على طريق دولي يربط شمال سيناء بجنوبها.

وعن هذه النقوش يشير الأثري عبدالرحيم ريحان مدير منطقة آثار نويبع  بسيناء، في دراسة منشورة له  الى أنها تحدد معالم هذا الطريق بوسط سيناء وتقع بين مدينة نخل وصحراء النقب، وهي عبارة عن نقش على الصخر للسلطان الغوري صاحب اليد الشريفة في إعمار طريق الحج بسيناء والعقبة والحجاز، وتمثل آيات قرآنية ونصا عن إعمار طريق الحج، ولأهميته الكبرى قام المجلس الأعلى للآثار بحمايته من خلال إنشاء سور حوله على الطراز الإسلامي.

ويلفت ريحان إلى أن هذا الطريق  "كان ينبض  بالحياة في الماضي مع حلول موسم عبور الحجاج وعودتهم، وكانت مدينة نخل -التي تبعد عن العاصمة المصرية القاهرة 240 كيلو متر- أهم محطاته".

 فكان يقام بالمدينة سوق ضخم، تباع فيه كافة الفواكه السيناوية، وتضم أفراناً لإنتاج الخبز، ويتوسطها قلعة نخل التي تحوي آباراً وبركاً لحفظ المياه، وأحواضا لشرب الدواب، وخانا (فندقاً) لمبيت الحجاج، وأبراجا دفاعية، وحواصل لذخائر الحجاج، ومسجدا، وجميعها في مبنى واحد، بحسب ريحان.

ويضيف الباحث الإنثروبولجي أشرف العناني  لمراسل وكالة الأناضول "قبل شق قناة السويس لم يكن درب الحج مجرد طريق يعبر من خلاله  المحمل الشريف (موكب كسوة الكعبة) في موكب أسطوري من ديار المحروسة في القاهرة إلى مكة المكرمة، لكنه أخذ  اسمه هذا من قوافل الحجيج التي كانت تأتي من كل مغارب العالم الإسلامي لتعبره  في موسم الحج كل عام".

"ولم يكن هذا كل شيء – يستطرد الباحث- فعلى مدار العام كانت القوافل التجارية لا تنقطع عن هذا الدرب تحمل معها البضائع والقيم الثقافية والحكايات التي تنتقل من شرق العالم إلى غربه والعكس فكان هذا الطريق بمثابة جسر ثقافي".

وأشار العناني إلى أن "أحد أشهر الهجرات العربية بأساطيرها وحكاياتها ومآسيها التراجيدية  هي التغريبة الهلالية من الجزيرة العربية إلى تونس الخضراء حيث تمت عبر هذا الدرب بشكل أساسي".

  وبلهجة يعلوها الفخر يقول "علينا أن لا ننسى أيضاً  أن على هذا الدرب كانت أول محاولة للكتابة الأبجدية غير  الصورية (مثل الكتابة الهيروغليفية) تلك الكتابة التي تعرف في علم الإنثروبولجي باسم الكتابة السينائية، ولا أظنني أبالغ إن قلت بأن درب الحج البري  ظل الشريان التاجي لجسد الحضارة الإنسانية القديمة بلا منافس إلى أن شقت قناة السويس".

درب الحج في الماضي كان هو طريق حجاج دول المغرب العربي ومصر، يسيرون عبره بالآلاف، سالكين دروبه الوعرة على ظهور الإبل في  أيام وليال طوال، قد تزيد عن الشهر.

 

واستمر الطريق يؤدى خدمات لحجاج مصر وافريقيا حتى عام 1885م حين اتخذت موانئ البحر الأحمر طريقاً بحرياً إلى جدة.

 واليوم تغير المشهد، فثمة عابرين له ولكن بأعداد قليلة، وبواسطة حافلات سياحية مكيفة تنقلهم من السويس بغرب سيناء أو من العريش بشمالها لتصل بهم خلال 4 ساعات فقط إلى  ميناء نويبع المصري ومنه إلى نظيره الأردني.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın