5 أكتوبر 1988.. "الربيع الجزائري" الذي أجهضه العنف المسلح
مظاهرات ذلك اليوم كانت وراء إنهاء حكم الحزب الواحد والتوجّه الاشتراكي للدولة، غير أن الصدام الدامي بين النظام والإسلاميين تسبب في تعطيل أهدافها.
يوسف ضياء الدين
الجزائر ـ الأناضول
يخلد الجزائريون يوم الجمعة الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الذكرى الرابعة والعشرين لمظاهرات عام 1988 التي خرجت للمطالبة بالحرية والديمقراطية.
وكانت تلك المظاهرات وراء إنهاء حكم الحزب الواحد والتوجه الاشتراكي للدولة، غير أن الصدام الدامي بين النظام والإسلاميين أجهض ما سمي مؤخرا بـ "الربيع الجزائري" تأثرا بالوصف الذي أطلق على الثورات العربية الأخيرة المطالبة بتحقيق الديمقراطية؛ حيث خرجت مظاهرات 1988 لنفس المطلب.
ففي صبيحة الخامس من أكتوبر تشرين الأول عام 1988، خرج الجزائريون في مظاهرات عمت كل أرجاء البلاد وبصفة خاصة العاصمة للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، واستهدف الشباب الغاضب كل ما يرمز للدولة من مؤسسات ومقرات لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لتخلف تلك الأحداث حسب حصيلة رسمية 144 قتيلاً، فيما قالت منظمات حقوقية إن عدد الضحايا وصل الـ 500 قتيل وآلاف الجرحى.
وعاشت الجزائر نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أزمة اقتصادية بعد انهيار أسعار النفط الذي يعد أهم مصدر للدخل القومي بشكل أثّر على القدرة الشرائية للمواطن وأدى إلى نقمة على نظام الحكم المبني على حكم الحزب الواحد بحسب محللين.
واختلفت التحليلات السياسية حتى اليوم بالجزائر حول خلفيات انفجار الوضع في البلاد، وهل الأحداث كانت مفتعلة من النظام أم عفوية رغم التقائها عند نقطة واحدة أن الوضع الذي كان سائدًا هو عنصر هام في ما حدث بحكم تردي الوضع الاقتصادي واستشراء الفساد في مفاصل الدولة؟
وأكد الصحفي والمحلل السياسي عابد شارف لوكالة الأناضول أن "نظام الحكم في ذلك الوقت كان يعيش صراعًا محتدمًا بين أجنحته الفاعلة حول توجهات البلاد وهذا الصراع خرج إلى الشارع الذي أعطاه بعدًا آخر وأضحى عنصرًا فاعلاً في المنحى الذي أخذته الأحداث".
وأوضح شارف الذي ألّف كتابًا حول تلك الأحداث بعنوان "شغب أطفال" أن "النقطة الأهم التي لم تبرز في التحاليل التي تناولت الأحداث في ذلك الوقت أن السلطة كانت تبحث عن مخرج من الأزمة وقد بدأت فعلاً في إصلاحات لتغيير الوضع بفعل السخط الشعبي ضدها وحول شخص رئيس الجمهورية آنذاك الشاذلي بن جديد" قبل أن ينفجر الوضع في الشارع.
وتابع المتحدث الذي غلّب نظرية المؤامرة في كتابه "ذكرت في مؤلفي أن أهم القوانين التي تمهّد لإصلاح اقتصادي شامل تبناها البرلمان شهر يناير عام 1988 فيما اندلعت الأحداث شهورًا بعد ذلك بشكل يطرح استفهامات حول سبب حجب هذه الحقيقة في التحليلات".
والتفسير الوحيد لذلك، حسب رأيه، هو أن "أجهزة في السلطة كانت ضد التفتح الديمقراطي هي من حاولت حجب إرادة الإصلاح قبل أحداث أكتوبر".
وبعد يومين من اندلاع الأحداث، خرج الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد الذي حكم البلاد منذ عام 1979 في خطاب تلفزيوني دعا فيه المواطنين للتعقل ووعدهم بغد أفضل، وبإصلاحات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية وكانت الأوضاع قد هدأت في أغلب مناطق البلاد.
وتسارعت الأحداث في الجزائر بعد هذا الخطاب حيث صدر في 23 فبراير/شباط دستور جديد للبلاد بعد استفتاء شعبي، أقر لأول مرة التعددية السياسية والإعلامية والتحول نحو اقتصاد السوق بشكل أدى إلى ظهور عشرات الأحزاب والصحف المستقلة.
وكان إجراء أول انتخابات برلمانية تعددية في البلاد في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991 منعرجًا آخر في تاريخ البلاد بعد أن اكتسحها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في دورها الأول ثم جاء قرار قادة الجيش بإلغاء نتائجها، كما أجبروا الرئيس الشاذلي بن جديد على الرحيل في يناير/كانون الثاني 1992 لتدخل البلاد في دوامة عنف مسلح استمرت لسنوات خلفت بحسب أرقام رسمية 200 ألف قتيل.
ويرى المحلل عابد شارف، في حديثه لوكالة الأناضول، أن "النظام الحاكم آنذاك استعمل الإسلاميين لإجهاض هذا التحول الديمقراطي" بدعوى أنهم خطر على البلاد والمحيط الإقليمي والدولي.
ومع اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع العام 2011 والتي ظلت بعيدة عن الجزائر تبرر السلطة الحاكمة في الجزائر والأحزاب المحسوبة عليها هذا "الاستثناء الجزائري" بالقول أن "الجزائريين صنعوا ثورتهم عام 1988" في إشارة إلى أحداث 5 أكتوبر/ تشرين الأول التي دفعت نحو تغيير نمط الحكم في البلاد.
وبرأي عابد شارف فإن "الجزائر لم تسبق دول الربيع العربي بثورتها ولكنها أضحت نموذجًا لفشل الثورات في تحقيق أهدافها".
وأوضح "التجربة الجزائرية لا بد أن يقتدى بها من ناحية السلبيات والأخطاء التي يتوجب تفاديها بالنسبة للدول التي عرفت الثورة حديثا".
وبشأن صحة الطرح الرسمي القائل بأن الجزائر "استثناء" في موجة الربيع العربي، يقول محدثنا "أعتقد أن الجزائر بعيدة عن هذه الموجة من الثورات لسبب بسيط هو أن الجزائري عانى وضحى طيلة السنوات التي أعقبت أحداث 1988 ولكن النتيجة لم تكن في مستوى آماله والفشل مشترك بين السلطة والمجتمع".
وتابع: "الحل الأمثل لهذا الوضع هو أن السلطة لابد أن تستبق مثل هذه الأحداث بإجراء إصلاحات عميقة قبل وقوع أي كارثة".
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.