الصين وروسيا.. هل ينقذان إيران من مخالب ترامب؟ (تحليل)
الدب الروسي لا يملك أوراق كثيرة لحماية اقتصاد طهران، والتنين الصيني لديه البديل لكن شركاته العالمية تخشى العقوبات
Turkey
إسطنبول/ مصطفى دالع/ الأناضول
تحشد الولايات المتحدة الأمريكية مزيدا من قواتها الضاربة حول إيران، بشكل يشبه إلى حد ما بداية إرهاصات حرب الخليج الثانية في 1990 (قبل اندلاعها فعليا مطلع 1991)، رغم أن واشنطن وطهران تؤكدان أنهما لا تريدان الحرب.
حتى وإن كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبدي تشددا في التعامل مع إيران، إلا أنه يفضل خنقها اقتصاديا إلى الدرجة التي يجبرها فيه على الاتصال به للتوقيع على اتفاق نووي جديد، أشبه بمعاهدة استسلام، بحيث لا يكلف خزينة بلاده مليارات الدولارات في حال خاضت حربا ضد طهران، ناهيك عن آلاف الخسائر البشرية المتوقعة.
فترامب، رجل أعمال لا يحب الخسارة، وأعلنها في حملته الانتخابية أنه لا يريد أن تخوض واشنطن مزيدا من الحروب في الشرق الأوسط، لكنه مع ذلك يحب استعراض قوة الولايات المتحدة أمام الأمم، وأفضل سيناريو بالنسبة له قرار الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، التخلي طواعية عن برنامج بلاده النووي في 19 ديسمبر/كانون الأول 2003، حتى لا يلقى نفس مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي أطيح بنظامه قبل هذا التاريخ بأشهر.
أما النظام الإيراني، الذي يواجه أصلا أزمات اقتصادية خانقة، تجلت في تراجع عملته المحلية إلى أدنى مستوياتها، وارتفاع مستويات البطالة والفقر، فيقف أمام تحدٍ مصيري بعد قرار الولايات المتحدة تصفير صادراته النفطية، التي تمثل أكبر مورد مالي له بالعملة الصعبة، مما قد يفاقم أزماته الاقتصادية بشكل قد يدفع طبقاته الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة إلى الانتفاضة لإسقاط النظام.
وبالنظر إلى فارق القوة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الأخيرة تحاول الاعتماد على حلفائها الدوليين وعلى رأسهم روسيا والصين، للإفلات من الحصار الاقتصادي الذي تحاول واشنطن فرضه عليها، في ظل عدم قدرة شركائها الأوروبيين على الإيفاء بالتزاماتهم معها في مواجهة التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات على الشركات التي تخرق العقوبات.
لكن إلى أي درجة يمكن للصين وروسيا مواجهة التهديدات الأمريكية لإيران؟
** روسيا.. حليف بلا مخالب
روسيا التي تعتبر أكبر مصدر للأسلحة لإيران، لا تنظر للأخيرة كحليف استراتيجي، بالرغم من شراكتهما العسكرية في الدفاع عن النظام السوري، غير أن مستوى التبادل التجاري بين البلدين جد متواضع ولم يتجاوز 1.741 مليار دولار في 2018، منها 1.208 مليار دولار صادرات روسية، وأقل من 533 مليون دولار صادرات إيرانية.
فكلا البلدين يعتبران من كبار مصدري النفط والغاز الطبيعي، واقتصاديا يعتبران متنافسين على أسواق الطاقة أكثر منهما شريكين، لذلك من المستبعد أن تلعب موسكو دورا جوهريا في تخفيف الحصار الاقتصادي على إيران، رغم ارتفاع المبادلات بينهما 2 بالمئة في 2018، وإعلان موسكو مواصلة تطوير تجارتها بالنفط الإيراني، الذي تبيعه إلى بلدان أخرى، وفق اتفاق النفط مقابل البضائع مع طهران.
كما أدانت روسيا العقوبات الأمريكية، وحثت الدول الأجنبية على عدم تقييد علاقاتها الاقتصادية مع طهران، مؤكدة مواصلتها بناء محطة الطاقة النووية في مدينة بوشهر الإيرانية، ومواصلة العمل على تحويل مشروع تخصيب اليورانيوم في "فوردو" (بمحافظة قم).
ورغم أن الخارجية الروسية، أعلنت في بيان، أنها "تتفهم" قرار إيران وقف بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، إلا أنه بعد أيام من ذلك نصح الرئيس فلاديمير بوتين، إيران بالبقاء في الاتفاق النووي، بل ذهب أبعد من ذلك عندما قال "روسيا ليست فرقة إطفاء، ونحن غير قادرين على إنقاذ كل شيء، خاصة ما لا يعتمد على إرادتنا بالكامل".
فبوتين، يحاول أن يلعب دور الناصح والوسيط، أكثر من دور الحليف القوي، بل اتهم الأوروبيين بالعجز عن إنقاذ الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، قائلا "خرج الأمريكيون والاتفاقية تنهار، فيما لا تستطيع الدول الأوروبية فعل أي شيء لإنقاذها، وعاجزون (الأوروبيون) عن القيام بعمل فعلي مع إيران للتعويض عن خسائرها في القطاع الاقتصادي".
فالرئيس الروسي يعترف أنه لا يملك كل خيوط اللعبة لإنقاذ "الاتفاق النووي" من الانهيار، ناهيك عن فك الخناق الاقتصادي عن طهران، ويقول "الأمر لا يعتمد علينا فقط، بل يعتمد على جميع الشركاء، جميع اللاعبين، بما فيهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإيران".
وهذه التصريحات تعكس مدى افتقاد موسكو لكثير من الأوراق لحماية الاقتصاد الإيراني من الانهيار تحت ضغط العقوبات الأمريكية، ناهيك عن التدخل عسكريا لمنع أي غزو محتمل لأرض الفُرس، لكنها تبقى داعما دبلوماسيا مهما لطهران في مجلس الأمن، ومصدرا رئيسيا للأسلحة، وشريكا لاغنى عنه في إنتاج الطاقة النووية.
** الصين.. المصالح كبيرة والمخاطر أكبر
تمثل الصين أكبر شريك اقتصادي لإيران بإجمالي 37 مليار دولار، لذلك فبكين أكثر المتضررين من فرض عقوبات على طهران، خاصة وأنها تستورد منها أكثر من نصف مليون برميل نفط يوميا.
كما أن إيران تمثل سوقا يتجاوز 80 مليون مستهلك، مما يجعل الصين، الباحثة عن أسواق جديدة لاستيعاب صادراتها الضخمة، غير مستعدة للتخلي عن مصالحها مع طهران بسهولة.
وهو ما يفسر الموقف الصيني المعارض للعقوبات الأمريكية، وتأكيد بكين أن علاقاتها بطهران "استراتيجية"، لكن ليس واضحا إلى أي مدى يمكن للتنين الصيني تحدي النمر الأمريكي.
ففي 17 مايو/أيار الماضي، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن بلاده تعارض فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية على إيران، وتقف ضد ما أسماه بـ"الصلاحيات الأمريكية العابرة للحدود".
وشدد على أن "الصين وإيران، شريكان استراتيجيان، وينبغي على البلدين تعزيز التنسيق بينهما، سيما مع تطور الأوضاع الدولية والإقليمية بوتيرة سريعة".
وقبل توقيع الاتفاق النووي في 2015، كانت الصين اللاعب الرئيسي في الاقتصاد الإيراني، لكنها واجهت، بعد هذا التاريخ، منافسة قوية من شركات أوروبية دخلت السوق الإيرانية المتعطشة للمنتجات الغربية ذات الجودة العالية مقارنة بنظيرتها الصينية.
وانسحاب العديد من الشركات الأوروبية مؤخرا من الاستثمار في إيران تحت ضغط أمريكي، يشكل فرصة للشركات الصينية للاستحواذ على مزيد من الحصص في هذا السوق الخصب، خاصة وأن إيران شريك رئيسي في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
لكن الصين، المعروفة بطابعها المهادن، تواجه مخاطر اقتصادية عالية في حال تمسكها بـ"شريكها الاستراتيجي"، فتهديدات ترامب جدية، ومصالح بكين مع واشنطن أكبر، فإن كانت الأولى "مصنع العالم"، فالثانية سوقه، وحجم المبادلات التجارية بينهما تصل لنحو 600 مليار دولار، قرابة 500 مليار دولار منها صادرات صينية إلى الولايات المتحدة.
وضغوط واشنطن على بكين كبيرة، خاصة بعد فرضها رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى أسواقها لتقليص الفجوة في الميزان التجاري، لكن أخطر من ذلك تحرش الولايات المتحدة بالشركات الصينية ذات الانتشار العالمي، والتي يسهل فرض عقوبات عليها، على غرار شركة "هواوي" للاتصالات.
ويظهر أثر الضغوط الأمريكية على الشركات الصينية، إعلان شركة الصين الوطنية للبترول، ومجمع "سينوبك" الناشط في القطاعين النفطي والمصرفي ومجالات أخرى "تجميد الواردات النفطية من إيران وجميع العمليات هناك لفترة غير محددة"، وذلك في يناير/كانون الثاني 2018.
فالتنين الصيني، ورغم أنه يملك مصالح استراتيجية مع إيران، إلا أن حسابات الربح والخسارة تجعله يعيد تقييم أولوياته، والبحث عن خيارات أخرى للالتفاف على العقوبات الأمريكية، خاصة وأن بكين تتميز بمرونة في الدفع من خلال مقايضة السلع أو استعمال العملات المحلية في المبادلات التجارية.
فالدعم الروسي لإيران في مواجهة عقوبات ترامب، لطالما كان براغماتيا، خاصة وأن طهران ترفض أن تكون مجرد تابع لحلفائها الروس، الذين لا يملكون الكثير من الأوراق لدعم طهران اقتصاديا، على عكس الصينيين الذين يعد اقتصادهم تكامليا مع الاقتصاد الإيراني.
لكن إيران قد تتحول إلى ساحة صراع وسوق للمزايدات والمراهنات بين العمالقة الكبار، الدب الروسي والتنين الصيني، في مواجهة النمر الأمريكي وحلفائه، في ظل سياسة ترامب التصادمية مع القوى المنافسة في العالم.