فقد البشر والحجر.. صحفي غزي يتفقد أنقاض بيته المحتضن جثامين أسرته
ما زال ركام منزل الصحفي المتعاون مع الأناضول "رمزي أبو القمصان" يحتضن بين ركامه جثامين أمه وزوجته وطفلته وشقيقتيه وزوجيهما وأطفالهما رغم مرور 14 شهرا على استشهادهم بقصف إسرائيلي.
Gazze
غزة/ الأناضول
أمضى الصحفي المتعاون مع الأناضول "رمزي أبو القمصان" الساعة الأولى من دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، بحثا عن منزله المدمر الذي ما زال يحتضن بين ركامه جثامين أمه وزوجته وبنته، رغم مرور 14 شهرا على استشهادهن بقصف إسرائيلي.
هذا المنزل يقع في منطقة "الترنس" بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، المحافظة التي غادرها أبو القمصان منذ أكثر من 3 شهور نازحا إلى مدينة غزة عقب بدء عملية عسكرية إسرائيلية مكثفة في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
واشتهرت "الترنس" قبل اندلاع حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بـ"حيويتها وازدحامها" بالمواطنين حيث كانت تضم سوقا مركزيا يرتاده الآلاف.
هذه المنطقة التي عاش فيها أبو القمصان أكثر من 36 عاما لم ينجح في التعرف عليها بعدما وصلها سيرا قادما من مدينة غزة إلا من خلال بعض الأشخاص.
وتحولت "الترنس" بفعل آلة الحرب الإسرائيلية إلى كومة من الركام بلا أي معالم للحياة كأنما ضربها زلزال أو قنابل نووية.
واصل أبو القمصان سيره باحثا عن بقايا منزله الذي عاش فيه سنوات حياته فتجاوزه دون أن يدركه إلى أن وصل إلى نهاية الشارع.
عاد أدراجه محدقا بأكوام الركام المتلاصقة حتى اهتدى أخيرا إلى ما تبقى من سقف منزلهم المائل والمدمر.
وقال: "وقفت لدقائق مصدوماً، فهذه الحارة الصغيرة احتضنتني لأكثر من 36 عاماً، وُلدت وتربيتُ في أكنافها، لكن الحال لم تعد كما هي".
وتابع: "أقف اليوم وحيداً على أنقاضها، والسكون المخيف يحيط بي من كل جانب، فجلست أواسي نفسي برائحة أهلي: والدتي، زوجتي، ابنتي ذات الأعوام الخمسة، واثنتان من شقيقاتي، وزوجيهما وأبناؤهما، حيث تقبع جثامينهم تحت الأنقاض".
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي قصف منزلهم فوق رؤوسهم في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 فيما لم يتمكن من انتشال جثامين عائلته من تحت الأنقاض لعدم توفر المعدات اللازمة لذلك.
** تلهف للعودة
ليلة إعلان وقف إطلاق النار، قال أبو القمصان إنه لم ينم إلا قليلا حيث انتابته آنذاك مشاعر مختلطة تنوعت بين فرحة البقاء على قيد الحياة وألم وحسرة فقدانه أحبائه وأفراد أسرته ومنزله الدافئ.
كان الشوق للحظة عودة أبو القمصان إلى مخيم جباليا سيد الموقف آنذاك رغم علمه المسبق أنه لن يجد ما يسره هناك بعدما فقد أهله ومنزله، لكنه "الحنين إلى محضن طفولته"، كما قال.
ومع بزوغ الفجر، لم ينتظر أبو القمصان لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار فحزم أمتعته ومستلزمات التصوير الخاصة بـ"مهنة المتاعب" وخرج للتوجه إلى محافظة الشمال ليجد في طريقه أفواجا من النازحين بينهم أصدقاؤه وجيرانه.
في مشهد يعكس شوقهم للعودة، كان النازحون يخرجون من كل شارع وزقاق قبل نحو ساعتين من الوقف المفترض لإطلاق النار مسرعين الخُطى نحو الشمال المدمر ومتلهفين للعودة إلى أنقاض منازلهم، كما قال.
كان هؤلاء النازحون، الذين يتوجهون للشمال مشيا على الأقدام، يعرفون حجم الدمار الذي لحق بالمحافظة إلا أنهم تأملوا أن يجدوا من آثار منازلهم ومن فقدوا من أحبائهم ولو القليل.
** دمار هائل
وثق أبو القمصان بعدسته حجم دمار هائل في جباليا يفوق الدمار الذي تسببت به حادثة إلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي باليابان، كما قال.
وتابع: "رأينا في جباليا رأي العين شيئاً مشابهاً لآثارهما، فحجم ما ألقي على شمال غزة من نار وبارود خلال 471 يوماً، ربما لا يوازيه شيء مما وقع في الحروب على مر التاريخ، بالنظر إلى المساحة الجغرافية التي ألقي عليها".
وأشار أبو القمصان إلى أنهم قضوا ساعات من المشي المتواصل للوصول إلى الشمال حيث تعجز وسائل المواصلات القليلة العاملة خوض هذا الوحل من الركام والدمار.
وقال واصفا: "لا شوارع ولا ساحات بقيت على حالها، سوى ما شقّته دبابات الجيش الإسرائيلي وآلياته من ممرات بين الركام كانت تعيث فيها قتلاً ونسفاً وتخريباً طوال أزيد من ثلاثة أشهر".
وبعدما مر بمحطة صادمة لعدم تعرفه السريع على منزله المدمر بما يحتضنه من جثامين أفراد عائلته، نهض أبو القمصان مواصلا رحلة توثيق الدمار والخراب.
فلم يجد أي شيء من مقومات الحياة في منطقة سكنه ما زاد من "شعور الحسرة في قلبه وحالة الكمد التي تعتريه"، كما قال.
وتابع: "لم يبقَ فرن الخبز الصغير الذي كان مقابلاً لبيتنا ووجدت مكانه شارعاً قد شقه الجيش لآلياته، ومطعم الفلافل المقابل له بات أثراً بعد عين، والصيدلية المجاورة كأنها تبخرت، المسجد القريب، والدكان، ومحل الأدوات المنزلية، كأنها لم تكن".
بعد أن أنجز مهمته الصحفية، عاد أدراجه مسرعا إلى مكان نزوحه غرب مدينة غزة بعدما وثق عدم وجود أي مقومات تصلح للحياة في المخيم.
أمضى أبو القمصان باقي ساعات يومه في حالة من "الضيق والحسرة" في حين لم يخفف من وطأتها إلا مشاهد عملية التبادل التي وقعت مساء الأحد، حينما سلمت كتائب القسام الأسيرات الإسرائيليات الثلاث للجنة الدولية للصليب الأحمر في ساحة السرايا بمدنية غزة في مشهد قال إنه "مهيب".
وختم قائلا: "هذا المشهد لا يدل على شيء أبلغ من أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يموت".
وصباح الأحد، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، يستمر في مرحلته الأولى لمدة 42 يوما، ويتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة.
ومن المقرر أن تطلق حماس في المرحلة الأولى سراح 33 أسيرا وأسيرة إسرائيليين، مقابل أسرى فلسطينيين يتوقف عددهم على صفة كل أسير إسرائيلي إن كان عسكريا أم "مدنيا".
وفي الدفعة الأولى، سلمت حماس 3 أسيرات إسرائيليات الأحد مقابل خروج 90 أسيرا فلسطينيا من فئة النساء والأطفال.
ويتكون اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما.
وتشمل المرحلة الأولى وقفا مؤقتا للعمليات العسكرية المتبادلة، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة بما فيها محور نتساريم إلى مناطق بمحاذاة الحدود، إضافة إلى بنود أخرى.
وتتعلق المرحلة الثانية من الاتفاق بعودة الهدوء المستدام التام، وتبادل أعداد أخرى من الأسرى والمحتجزين، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل إلى خارج غزة.
أما المرحلة الثالثة فتركز على بدء خطة إعادة إعمار غزة على مدى 3 إلى 5 سنوات، وتبادل جثامين ورفات الموتى الموجودة لدى الطرفين، وفتح جميع المعابر والسماح بحرية حركة الأشخاص والبضائع.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 157 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.