إسرائيل تتنفس تطرفا.. جماعات "تدفيع الثمن" للبطش بفلسطينيي الضفة (إضاءة)
بدأت الجماعات في الظهور عام 2008 متبنية فكرة "ردع الحكومة عن إخلاء البؤر الاستيطانية"
Istanbul
خالد يوسف/ الأناضول
- بدأت الجماعات في الظهور عام 2008 متبنية فكرة "ردع الحكومة عن إخلاء البؤر الاستيطانية"- ترى الجماعات في الشعب الفلسطيني "العدو الحقيقي الذي ينبغي البطش به والتخلص منه"
- يتعمد أعضاء الجماعات ترك شعارات عنصرية مثل "الموت للعرب" في مسرح عملياتها ضد الفلسطينيين
- يستخدم أعضاءها أساليب إرهابية ضد الفلسطينيين منها إغلاق طرق وإتلاف وإحراق سيارات وحقول
منذ ظهورها عام 2008، تترك جماعات "تدفيع الثمن" الإسرائيلية المتطرفة توقيعاتها في مسرح جرائمها ضد الأهالي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة من خلال عبارات مثل "الموت للعرب" و"الانتقام" و"التهجير القسري".
وتنفذ جماعات "تدفيع الثمن" أو "جباية الثمن" اعتداءات على ممتلكات الفلسطينيين، وتتعمد ترك توقيعات وشعارات عنصرية في مكان عملياتها المتركزة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية والقدس المحتلة.
ويستخدم أعضاء تلك الجماعات أساليب وطرقا إرهابية في أعمال عنف يمارسونها ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، تشمل إغلاق طرق وإتلاف وإحراق سيارات وحقول وأشجار ومساجد وكنائس وإلقاء حجارة، وغيرها من أعمال العنف.
ولعل أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها إحدى مجموعات "تدفيع الثمن" قبل سنوات، هي إحراق منزل لعائلة "دوابشة" الفلسطينية، في قرية "دوما" جنوبي مدينة نابلس شمال الضفة.
وراح ضحية ذلك الاعتداء، رضيع ووالديه حرقا، بعد إلقاء المتطرفين الإسرائيليين زجاجات حارقة على منزلهم أثناء نومهم.
وقالت صحيفة "هاآرتس" العبرية، في 31 يوليو/ تموز 2015، إن مرتكبي الجريمة هم من جماعة "تدفيع الثمن"، حيث تركوا شعارات مثل "الانتقام" و"يعيش الملك الماشيَّح" ، ورسموا نجمة داود على حائط المنزل المحترق من الخارج.
ويعتبر "الملك الماشيَّح" عند اليهود هو الملك الأخير من نسل النبي داوود، والذي سيقيم مملكة الرب الأخيرة، وفق الأساطير اليهودية.
** النشأة والأهداف
نشأت جماعة "جباية الثمن" في يوليو 2008، بهدف السطو على الأراضي الفلسطيني والتنكيل بالفلسطينيين ومنعهم من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفق ما ذكرته صحيفة "هاآرتس" العبرية في السابع من أغسطس/ آب 2015.
غير أن الصحيفة نفسها نشرت في 13 يناير/ كانون الثاني 2020، أن عام 2006 شهد ولادة "تدفيع الثمن" كفكرة نظرية في كتيب لحركة "الشيوعية اليهودية.. الروح والبطولة من أجل أرض إسرائيل"؛ لكن الحركة تشكلت فعليا عام 2008.
ودشن الحركة الحاخام غرشون ميسيكا، الرئيس السابق لمجلس مستوطنات الضفة الغربية، والذي وصفته الصحيفة نفسها بأنه "وزير خارجية مستوطنات الضفة" لكونه أحد المساهمين وبقوة في زيادة رقعة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وأكدت "هاآرتس" في 13 يناير 2024، أن "هدف التنظيم قائم على تغيير النسق الفكري للمستوطنين من فكرة الدفاع إلى الهجوم، بهدف تحقيق أكبر مكاسب ممكنة".
وأوضحت أن وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يعد أيضا أحد مؤسسي الحركة.
وفي 29 يونيو/ حزيران 2008، أوضحت القناة السابعة العبرية، أنه "من أجل إجبار الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تغيير سياستها، وإرغامها على تحقيق مطالب أعضائها، عملت جماعة "تدفيع الثمن" على دفع حكومة إيهود أولمرت (2006 - 2009) لزيادة رقعة الاستيطان، ومن هنا يعود تسمية الحركة بتدفيع الثمن".
وقامت الحركة على تبني فكرة "ردع الحكومة عن إخلاء البؤر الاستيطانية"، من خلال القيام بعمليات شغب وخلق فوضى من قبل الناشطين الميدانيين الذين أثاروا الفوضى والإرهاب في مناطق مختلفة من مستوطنات الضفة، وفق القناة
** أفكار متطرفة
تضم "تدفيع الثمن" مجموعات من المستوطنين اليهود المتشددين، أغلبهم من صغار السن من تلامذة الحاخام يتسحاق غينزبورغ، ويتعلمون في مدارس بمستوطنات الضفة الغربية، وهم في مجملهم من غلاة اليمين المتطرف في إسرائيل.
وتحدثت "هاآرتس" في كثير من كتابتها عن حركة "تدفيع الثمن"، فلا يذكر اسم الحركة، إلا ويذكر معه اسم الصحيفة العبرية، بدعوى أن الأخيرة تتبنى النهج اليساري، خلافا لنهج الجماعة.
وفي السياق، قال غادي غبريهو، المحلل السياسي بالصحيفة، في مقال له بتاريخ 22 أغسطس 2015، إن أغلب الخطوط الرئيسة للحركة مأخوذة من كتاب "شريعة الملك.. شريعة قتل الأغيار"، للحاخام يوسف إليتسور، الصادر عام 2009.
وأوضح أن الحاخام إليتسور يعتبر أن "الشعب الفلسطيني هم العدو الحقيقي الذي ينبغي استعمال وسائل القوة المتعددة ضده باستمرار والبطش به وهزيمته والتخلص منه".
وتسعى الحركة للانتقام من الشعب الفلسطيني، بزعم "أن الفلسطينيين وفق معتقدهم الديني والتوراتي موجودون على هذه الأرض بغير وجه حق، كما يسعون لدفع الفلسطينيين للهجرة والرحيل عن أرضهم"، وفق الصحيفة.
ويستند أعضاء الحركة في قيامهم بتلك الأعمال إلى فتاوى متعددة، أهمها فتوى الحاخام مردخاي إلياهو، في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2011، الذي أفتى بـ"سرقة الزيتون الفلسطيني وطرد أصحاب الأرض"، وفق ما ذكرته صحيفة "معاريف" في اليوم ذاته.
** جرائم بشعة ضد الفلسطينيين
وضمن حديثها عن الاعتداءات المستمرة للحركة بحق الفلسطينيين، اشتبهت القناة "24" الإسرائيلية، في 9 ديسمبر 2019، بوجود رابط بين عملية حرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير، وبين أعمال "تدفيع الثمن".
وفي 2 يوليو 2014، أقدم ثلاثة من صغار المستوطنين على قتل وتعذيب وإحراق الطفل أبو خضير، وعثر على جثته في أحراش دير ياسين قرب القدس.
وفي 29 يناير 2019، أقدم مستوطنو "تدفيع الثمن" على إحراق عدد من منازل قرية ترمسعيا بالضفة الغربية، ورش الفلسطينيين برذاذ الفلفل ورشقهم بالحجارة، ورسم عبارات مسيئة لهم، مثل "الموت للعرب" و"الانتقام" و"تهجير الفلسطينيين خارج أرض إسرائيل"، وفق ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في اليوم ذاته.
ولم تقتصر جرائم "تدفيع الثمن" على الضفة والقدس فقط، بل امتدت إلى شمالي إسرائيل، حيث أفادت "يديعوت أحرونوت" في 9 أبريل/ نيسان 2021، بأن الحركة ثقبت إطارات نحو 20 سيارة تعود لفلسطينيين في قرية "كمانا" التي يقطن أغلبها بدو الجليل بشمال إسرائيل.
وكتبت الحركة في مسرح جريمتها عبارات مثل "كفى استيعاب" و"ترحيل أو قتل"، في إشارة إلى رفضهم استيعاب البدو الفلسطينيين داخل المستوطنة، والدعوة إلى ترحيلهم أو قتلهم.
وتزعم الحركة أنها بعملياتها "تعيد حقوق من قتلوا من الإسرائيليين في عمليات (فلسطينية)"، حيث يتعمدون حرق المساجد في الضفة الغربية، وتخريب السيارات وإلقاء الحجارة على الفلسطينيين، والتوقيع بعبارات مسيئة للعرب، مثل "اليهود ليسوا صامتين.. وسننتقم لإخواننا".
كما يقوم أعضاء الحركة برسم نجمة داود إلى جانب تلك العبارات، وهو ما لفتت إليه "يديعوت أحرونوت" العبرية في 28 مارس/ آذار 2022.
وأكدت "يديعوت أحرونوت" في 26 ديسمبر 2022، أن أعضاء الحركة حطموا نوافذ منازل فلسطينيين وأحرقوا سياراتهم في قريتي "بورين" و"عوريف" التابعتين لمدينة نابلس شمال الضفة الغربية.
** الحركة والحكومات الإسرائيلية
في 20 ديسمبر 2011، انتقدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وصمت الحكومة حيال أعمال "تدفيع الثمن"، وهو ما وصفته القناة "12" العبرية، بأنه سيخلق "أزمة دبلوماسية حقيقية" مع الدول الثلاث.
وانضمت دول أخرى لتلك الانتقادات، مثل روسيا والبرتغال اللتين انتقدتا "غض حكومة نتنياهو الطرف" عن الأعمال الإرهابية للحركة اليمينية المتطرفة بحق الفلسطينيين، وعلى رأسها جماعات "تدفيع الثمن".
وقالت "هاآرتس" في 31 يوليو 2015، إن الحكومات الإسرائيلية "تغض الطرف" عن ممارسات تلك الجماعات و"لا تتعامل بجدية" لوقفها وإلقاء القبض على المشاركين في عمليات بحق الفلسطينيين وصفت بـ"الإرهابية"، ما يوفر غطاء للمستوطنين لتنفيذ مخططاتهم.
وفي 11 مايو/ أيار 2014، أكد الموقع العبري "واللا" تنظيم أكثر من 220 إسرائيليا مظاهرة أمام منزل رئيس الوزراء، للاحتجاج على استمرار غض الطرف من حكومة نتنياهو تجاه العمليات الإرهابية لحركة "تدفيع الثمن"، وعدم إلقائه القبض على أعضائها.
وأرفق الموقع صورا لعبارات مسيئة للعرب والمسلمين مكتوبة على جدران الشوارع، من بينها "مصير محمد الموت" و"الموت للعرب" و"الانتقام"، مع كتابة اسم "تدفيع الثمن" بجوار تلك الشعارات.
ويقطن أغلب أعضاء الحركة بالقرب من مدن الضفة الغربية، وخاصة نابلس، التي تحيط بها عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية، أهمها مستوطنة "يتسهار"، حيث يتبنى كل حاخاماتها فكرة تنفيذ مخططات إرهابية لتفتيت الضفة الغربية وتهويد ما يمكن تهويده.