الدول العربية, سوريا

حواجز القمع تختفي.. درعا السورية تنفض غبار الماضي عن طرقها (تقرير)

- نظام الأسد أغلق طرقا حيوية بمحافظة درعا وأقام حواجز عسكرية على طريق درعا ـ دمشق الدولي وفرض إتاوات على العابرين

ABDULSALAM FAYEZ  | 18.01.2025 - محدث : 18.01.2025
حواجز القمع تختفي.. درعا السورية تنفض غبار الماضي عن طرقها (تقرير)

Dera

درعا (سوريا) / عبد السلام فايز / الأناضول

- نظام الأسد أغلق طرقا حيوية بمحافظة درعا وأقام حواجز عسكرية على طريق درعا ـ دمشق الدولي وفرض إتاوات على العابرين
- المواطن صالح بحراوي للأناضول: أتجول الآن بدراجتي النارية بين شوارع درعا بأريحية، ونمر أمام الأفرع الأمنية دون أي خوف
- الصحفي أوس أبو عطا للأناضول: طريق درعا ـ دمشق كان مقسما بفعل الحواجز التي فرضت الإتاوات واعتقلت العديد من المواطنين

لا يزال السوريون يستفيدون من مكاسب الإطاحة بنظام بشار الأسد، والتي شملت إعادة فتح طرق رئيسية كانت مغلقة لسنوات بسبب سيطرة الأفرع الأمنية عليها أو إقامتها حواجز عسكرية لفرض إتاوات باهظة على العابرين.

ففي مدينة درعا جنوب البلاد، سلك مواطنون بمركباتهم للمرة الأولى منذ أكثر من عقد طرقا كانت محرمة عليهم، إذ كان الاقتراب منها يشكل خطرا كبيرا بسبب استهداف النظام المباشر للعابرين باستخدام القناصة وأنواع مختلفة من الأسلحة.

وكانت هذه الطرق مغلقة من قبل النظام البائد لحماية مقراته الأمنية، مع السماح بمرور محدود للمشاة في حالات استثنائية، واقتصار الحركة على سكان الأحياء المحيطة فقط.

وكالة الأناضول تجولت في بعض هذه الطرق التي استعادت حيويتها بعد سقوط النظام، حيث رصدت حركة مرور نشطة للسيارات والدراجات النارية ووسائل النقل العام، وسط مشاعر ابتهاج كبيرة لدى الأهالي.

وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد أيام من إحكام قبضتها على مدن أخرى، لتضع بذلك نهاية لحكم حزب البعث الذي دام 61 عاما، ونظام عائلة الأسد الممتد 53 عاما.

** طريق الأمن العسكري

يعد "طريق الأمن العسكري" أحد الشوارع الحيوية في درعا، ويشكل شريانا رئيسيا يصل المدينة بالريف الغربي.

يمتد هذا الطريق بمحاذاة بيت محافظ درعا، ويقود العابرين إلى ضاحيتي درعا الأولى والثانية، ومنهما إلى بلدة اليادودة، أولى القرى الغربية التي تنتهي عند حدود الجولان المحتل.

وعلى مدى أكثر من 10 سنوات، أغلق فرع الأمن العسكري إبان حكم النظام بقيادة العميد لؤي العلي، هذا الطريق أمام حركة مركبات المدنيين، وأحاطه بسواتر ترابية، مع نشر قناصة على أسطح المباني المجاورة، ما جعل العبور منه مستحيلا.

هذا الإغلاق أجبر السكان على استخدام طرق فرعية وعرة، ما زاد معاناتهم اليومية بسبب طول المسافات والوقت المستغرق للوصول إلى ضاحيتي درعا الأولى والثانية والريف الغربي.

وبعد سقوط النظام، أعرب أهالي المدينة عن فرحتهم بإزالة السواتر عن هذا الطريق الحيوي، ما سمح لهم باستئناف استخدامه بالمركبات، ليس لتوفير الوقت والجهد فحسب، بل لإعادة الحياة إلى هذه المنطقة الاستراتيجية.

** طريق الأمن السياسي

وعلى الشاكلة ذاتها كان حال "طريق الأمن السياسي" الذي يقع في حي الكاشف وسط مدينة درعا، بمحاذاة ملعب درعا البلدي.

ويؤدي هذا الطريق إلى حي السبيل أحد أهم أحياء المدينة، إلا أن النظام السوري البائد أغلقه على مدى سنوات، محولا إياه إلى منطقة محظورة تخدم أجندته الأمنية.

واليوم، عادت الحياة إلى هذا الطريق، حيث رصدت الأناضول حركة نشطة للسيارات والدراجات النارية، بالإضافة إلى عربات تجارية محملة بالخضار والفواكه والمواد الغذائية، ما أسهم في حالة من الارتياح بين سكان "السبيل" والأحياء المجاورة.

مراسل الأناضول، برفقة المواطن صالح بحراوي على متن دراجة نارية، جاب شوارع المدينة وتفقد حركة السير وعودة الحياة إلى أحياء كانت قد فقدت نبضها بفعل سياسات النظام القمعية، الذي حولها إلى ثكنات عسكرية وساحات حرب بثت الرعب بين الأهالي.

** ذكريات الألم وأمل اليوم

يقول بحراوي للأناضول: "بفضل الله ثم الثورة المباركة، أصبح بإمكاني الآن التنقل بسهولة بدراجتي النارية من حي درعا البلد حيث أعيش، إلى حي المحطة، ومنه إلى حيي المطار والكاشف".

وأضاف: "اليوم نمر بمركباتنا أمام الأفرع الأمنية دون أي خوف، وبوقت قصير جدا. نشعر بالأمان والطمأنينة خلال حركة السير، حتى عند الاقتراب من بوابات الأفرع التي كانت مصدرا للرعب سابقا".

وعن الوضع قبل سقوط نظام الأسد، يروي بحراوي: "كانت تلك الشوارع أشبه بمقابر خاوية، بلا حياة ولا نبض، بل كانت مصدرا دائما للرعب. الجنود كانوا يطلقون النار على أي هدف مشبوه دون اكتراث بحياة المدنيين".

وأوضح أن أهالي تلك الأحياء كانوا يعيشون تحت ضغوط أمنية هائلة، حيث مُنع عليهم فتح النوافذ ليلا، وأُجبروا على إسدال الستائر خشية التقاط الصور.

وزاد: "هذا الواقع المرعب دفع كثيرين للنزوح إلى أحياء أخرى أو الأرياف أو حتى خارج سوريا في بعض الأحيان".

** قمع النظام واستباحة الخصوصيات

ومستطردا عن تلك المعاناة، قال بحراوي: "بالإضافة إلى ذلك، كان نظام الأسد يقتحم بعض البيوت في تلك الأحياء، ويعيث فيها خرابا وقمعا، بذريعة وجود مطلوبين ينقلون معلومات حساسة إلى الثوار، ويعمد إلى تفتيش جوالاتهم ومقتنياتهم الشخصية لدرجة أن الأمان أصبح مفقودا للغاية".

وأضاف وهو يقود دراجته النارية مستمتعا بجولته بين أحياء المدينة، أن الأمر لم يقتصر على المداهمات، بل "نفذ النظام إعدامات ميدانية بالرصاص الحي واعتقالات لمدنيين".

وأشار كذلك إلى أن عناصر أمن النظام كانوا يستولون على سيارات المدنيين تحت تهديد السلاح، ويعيدونها مليئة بالأعطال بعد استخدامها لأيام، أو أحيانا لا تعود أبدا.

** طريق درعا ـ دمشق الدولي

لم يغلق نظام الأسد طريق درعا ـ دمشق الدولي بالكامل، لكنه حوله إلى معبر مليء بالمآسي عبر إقامة حواجز عسكرية عطلت حركة السير وأجبرت السيارات على الانتظار في طوابير طويلة لساعات.

وهو يُعد من أهم الطرق الدولية في سوريا، حيث يمتد جنوبا من الحدود الأردنية وصولا إلى عمق العاصمة دمشق، بطول يقارب 100 كيلومتر.

في الظروف الطبيعية، يمكن قطع هذه المسافة في حوالي ساعة و15 دقيقة، إلا أن الإجراءات التعسفية للنظام السابق جعلت الرحلة تستغرق أكثر من 6 ساعات، بسبب التوقف المتكرر على الحواجز.

الصحفي الفلسطيني أوس أبو عطا، أحد سكان مدينة درعا، وصف كيف تحولت هذه الحواجز إلى مراكز لفرض الإتاوات على العابرين، وخاصة سائقي سيارات الأجرة وتجار المواد الغذائية.

وأوضح في حديث للأناضول، أن عناصر النظام كانوا يفرضون مبالغ باهظة مقابل السماح بمرور تلك السيارات من هذا الطريق الدولي.

وأشار أبو عطا، الذي كان يتردد على مدينة دمشق خلال السنوات الماضية عبر ذلك الطريق، أن "أكثر تلك الحواجز تسلّطا على رقاب العابرين كان حاجز (منكت الحطب) على أبواب ريف دمشق، ويأتي بعده مباشرة (حاجز السنتر)".

وأكد أن "هذين الحاجزين كانا بمثابة كابوس مرعب، لسببين: الأول حدة التدقيق الأمني في هويات العابرين، إذ إن أغلب المعتقلين من محافظة درعا تم اقتيادهم إلى جهات مجهولة عبر هذين الحاجزين".

أما السبب الثاني، وفق أبو عطا، فهو "التفتيش الدقيق من خلال بوابات إلكترونية، وكلاب بوليسية، وما يتبع ذلك من نهب جزء من البضاعة وفرض الإتاوات ومصادرة مقتنيات للمسافرين، وتفتيش جوالات في بعض الأحيان".

ولفت إلى أن هذه الإجراءات دفعت العديد من الأشخاص لإلغاء رحلاتهم إلى دمشق خوفا من الاعتقال، كما اضطر طلاب جامعات في العاصمة إلى وقف دراستهم، ما أثر سلبا على حياتهم ومستقبلهم.

ومستطردا في سرد جوانب المعاناة، قال أبو عطا إن "حواجز النظام هناك كانت تسيء أحياناً إلى النساء وكبار السن، ولم تأخذ بالحسبان أي كرامة لهم".

لكن مع سقوط النظام السابق، تغير الوضع بشكل جذري.

إذ أكد أبو عطا أن العبور من درعا إلى دمشق بات يستغرق اليوم حوالي 75 دقيقة فقط، دون أي مضايقات أو توقف على حواجز.

وهذا التحول أعاد للطريق مكانته باعتباره شريانا حيويا يربط جنوب البلاد بالعاصمة.

وتُعرف المحافظة بأنها "مهد الثورة السورية"، حيث شهدت أولى المظاهرات المطالبة بالحرية في مارس/ آذار 2011، أمام المسجد العمري في حي درعا البلد، على الحدود الأردنية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın