المغربية دليلة مزروعي..بسمة أمل من رحم المعاناة (حكايتي)
أصيبت في حادث مروع أفقدها القدرة على الحركة ولكنها مع ذلك لم تستسلم لليأس فحولت معاناتها إلى سبيل لمساعدة الناس
Rabat
وجدة (المغرب)/ محمد لخلوفي/ الأناضول
أصيبت في حادث مروع أفقدها القدرة على الحركة، ولكنها مع ذلك لم تستسلم لليأس، فحولت معاناتها إلى سبيل لمساعدة الناس وبعث الأمل في قلوبهم.
دليلة مزروعي (44 عاما)، سيدة مغربية من مدينة وجدة شمال شرقي المملكة، وواحدة ممن تغلبوا على هواجس وحواجز المرض، وحولت معاناتها إلى مصدر لمساعدة الآخرين ممن هم في حالة شبيه بوضعها، أو أشد مرضا وعوزا.
** حادث مروع
من الصعب أن يمحى تاريخ العاشر من أغسطس/ آب 2002 من ذاكرة دليلة.. ففي ذلك اليوم الماطر، شاركت عائلتها حضور حفل زفاف بمدينة الناظور (شمال شرق)، وكان عليها أن تقود سيارة برفقة والدتها وشقيقتها في موكب الزفاف.
وفي حديث للأناضول، تقول دليلة إن حالتها النفسية لم تكن على ما يرام في ذلك اليوم، ولم تكن ترغب البتة المشاركة في ذلك الموكب، لكن في النهاية قبلت وقادت سيارتها ضمن الموكب.
وفي الطريق، ورغم أنها كانت تعرف جيدا الطرقات والمسالك الرابطة بين مدينتي وجدة والناظور، إلا أنها تاهت وسلكت طريقا مختلفا عن الموكب.
أعلمت والدتها وشقيقتها بأن تاهت في الطريق، لكن فجأة تجاوزتها سيارة من الخلف، وفي نفس الوقت صادفت سيارة أخرى تتجاوز في الاتجاه المعاكس، فما كان منها سوى الخروج عن الطريق المعبدة لتنقلب السيارة.
انقلبت السيارة عدة مرات، وقذفت بدليلة خارجها وتسقط قبل العثور عليها معلقة فوق شجرة في ضيعة مجاورة.
وتابعت تروي ما حدث: "بعد الحادث وحلول رجال الحماية المدنية (الدفاع المدني)، والناس الذين هبوا إلى موقع الحادث أخبرتهم والدتي بأنها فقدت ابنتها، لكن الجميع أكد لها أنه لا يوجد أحد غيرها وابنة واحدة بمكان الحادث، ومع ذلك أصرت على البحث ليجدوني معلقة فوق شجرة".
عند العثور عليها، لم يكن يظهر على دليلة أي أثار لنزيف أو جرح، فاعتقد الناس بأنها لم تتضرر، لكن أضرارها كانت خافية غير بادية للعيان.
ووجهت دليلة رسالة إلى جميع الناس الذين يمكن أن يكونوا ضحايا حوادث السير أو يصادفوا حوادث في الطرقات، بألا ينقلوا المصابين في السيارات الخاصة كما حدث معها، وأن يتركوا ذلك لرجال الإنقاذ العارفين بتقنيات التعامل مع المصابين في الحوادث.
** معاناة بعد الحادث
بعد نقلها إلى مستشفى الناظور في سيارة شخصية، جرى تحويل دليلة إلى مستشفى أكبر بوجدة، وهناك تم اكتشاف تعرضها لعدة كسور وكدمات خطيرة في مختلف أنحاء جسدها.
لم يكن وضعها يسمح بالتعامل معها في مستشفى وجدة، فقرر والدها تحمل تبعات نقلها إلى مستشفى أكبر بمدينة الدار البيضاء.
وهناك، وبعد معاناة كبيرة، خضعت دليلة لعمليات ترميم ما تكسر من عظامها، وقبل ذلك كادت أن تفقد حياتها مرتين، الأولى بسبب ابتلاعها لسوائل متراكمة داخل صدرها، والثانية عندما تسربت إلى جسدها جرثومة خطيرة خلفتها جثة شخص أخذت مكانه بعد وفاته في المستشفى.
وفي المرات التي كانت تستعيد فيها شيء من وعيها في المستشفى، تؤكد دليلة أنها كانت تطلب الله أن يعيدها إلى الحياة لفعل الخير والحج إلى بيت الله الحرام.
وبعد تجاوزها مرحلة الخطر، واستعادتها وعيها وشيء من عافيتها، ستكتشف دليلة بأنها أصيبت بشلل أقعدها حتى اليوم على كرسي متحرك، وأجبرها على قضاء معظم وقتها بين جدران منزل عائلتها.
** دليل الخير
بعد سبع سنوات، قررت دليلة رفع التحدي بوجه وضعها، وأسست مجموعة عبر موقع "فيسبوك".. كان ذلك في شهر رمضان، وبدأت بالتفاعل مع الناس، حيث اتصل بها نساء يصنعن حلويات بمناسبة الشهر الكريم ويبعنها، لعرضها في المجموعة، فكانت تلك البداية.
و"من كرامات الله عليها"، كما تقول، أن كل ما يعرض في المجموعة يتم التفاعل معه بشكل ايجابي وفي ظرف قياسي، فما أن تضع طلب مساعدة لأعضاء المجموعة حتى تعود بعد دقائق وتكتب عبارتها الشهيرة "فرجت والحمد لله".
ومن بين أعضاء المجموعة الذين يعدون بالآلاف، أطباء وممرضون وأشخاص من مختلف المهن، مستعدون للبذل والعطاء ومساعدة المحتاجين.
وتتذكر دليلة بعض الأشخاص الذين كانت المجموعة سببا في تغيير حياتهم، كما هو الحال بالنسبة لشخص منعته عزة نفسه من طرق أبواب الاستجداء للحصول على عين اصطناعية، وبعد نشر طلبه في المجموعة لقي تفاعلا إيجابيا فتمكن من إجراء العملية اللازمة.
حالة أخرى لرجل ظل ينتظر لمدة 11 عاما من يساعده في تركيب رجل اصطناعية، فوجد ضالته في هذه المجموعة وتمكن من الوقوف من جديد على قدميه.
شخص آخر، حال عوزه في مدينة جرادة شمال شرقي المملكة دون إمكانية إمداد منزله بالماء والكهرباء، فكان فرجه على يد المجموعة التي تكفل أعضاء فيها بدفع تكاليف الربط بل حتى إصلاح منزله وإعداده للسكن اللائق.
أشخاص كثر كانت هذه المجموعة سببا في تغير أوضاعهم بشكل كبير، كل ذلك يتم عبر نشر إعلاناتهم من هاتفها الذكي من على سريرها أو كرسيها المتحرك، فتبعث الفرحة في القلوب، وتنتشل أشخاصا من الفاقة والحاجة، وتعيد الابتسامة والأمل إلى وجوه المحتاجين والمحرومين.