تركيا, السياسة, أخبار تحليلية

الرابحون والخاسرون في عملية غصن الزيتون (تحليل)

(تحليل)

21.03.2018 - محدث : 21.03.2018
الرابحون والخاسرون في عملية غصن الزيتون (تحليل)

Istanbul

إسطنبول/ مراد يشيل طاش/ الأناضول

مع تحرير مدينة عفرين في اليوم الـ 58 من بدء "غصن الزيتون" التي أطلقتها القوات المسلحة التركية بالتعاون مع الجيش السوري الحر، وصلت العملية إلى مرحلتها الأخيرة، إذ سارت المراحل الثلاث الأولى منها كما هو مخطط لها، في حين أن المرحلة الرابعة المتمثلة بالسيطرة على مركز مدينة عفرين تمّت على عكس ذلك بشكل أسرع مما هو متوقع.

كانت التقييمات خلال العملية تشير إلى أن تحرير الأحياء السكنية في عفرين ستستغرق وقتا أطول، وستشهد اشتباكات أعنف مقارنة مع المراحل الثلاث الأولى من غصن الزيتون، حيث كانت التصريحات الصادرة عن المسؤولين تشير إلى أن اكتمال السيطرة على عفرين سيتم في شهر مايو/ أيار القادم.

ولكن عقب تطويق مركز عفرين مباشرة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه من المنتظر أن تتحقق السيطرة على المدينة خلال يومين فقط، وهو ما جرى فعلا، إذ تم الأمر بشكل سريع للغاية دون أن تشهد المدينة أية اشتباكات تستحق الذكر.

لا شك أن الجيشين التركي والسوري الحر حققا نجاحا كبيرا، لكن هذا الأمر لا يعني القضاء بشكل كامل على تهديد منظمة "بي كا كا" الإرهابية في شمالي سوريا، حيث تم تقليل هذا الخطر من خلال تقليص مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي في مناطق غربي الفرات، كما تعرض التنظيم من ناحية أخرى اعتبارا من تأسيسه لأكبر عدد من الخسائر في صفوفه خلال مدة لا تتجاوز 58 يوما، فضلا عن فقدانه قسما كبيرا من أسلحته في ظرف هذه المدة.

- لماذا خسرت بي كا كا؟

يمكن القول أن هناك أسباب كثيرة أدت إلى خسارة منظمة "بي كا كا/ ي ب ك" الإرهابية، أولها وأهمها، إيمانها الزائد بخصوص أنها أصبحت تمتلك الأفضلية ضد جيش دولة منظم، عقب نصرها المزعوم على تنظيم داعش، وظنها أنها اكتسبت "شرعية دولية" نتيجة لذلك، وبناء استراتيجيتها على فرضية أن تركيا ستتعرض لـ "عزلة دولية" لدى إطلاقها حملة عسكرية في منطقة عفرين.

ولكن على عكس ذلك، تعرضت بي كا كا لهذه "العزلة" خلال العملية، فمع مضي تركيا قدما في العملية وقضائها على الخطوط الدفاعية للمنظمة الإرهابية، عملت بي كا كا على استهداف تركيا من خلال ورقة حقوق الإنسان، واتهامها لها بأنها تضرب المدنيين، لكنها لم تقرن ادعاءاتها هذه بأدلة، وبالتالي لم تكن مقنعة بالنسبة للمجتمع الدولي.

كما اتبعت المنظمة الإرهابية طرقا بدائية للغاية خلال حملتها الإعلامية المضادة لعملية غصن الزيتون، حيث لجأت أثنائها للكثير من الأكاذيب، واستخدمت صورا لضحايا قتلتهم بنفسها أو من قبل النظام السوري في مناطق مختلفة.

أما السبب الثاني فهو استخفاف بي كا كا التنظيم الإرهابي بالعزم التركي العسكري، وتجاهلها لتفوق تركيا الجيوسياسي الذي أحرزته في الأزمة السورية، واعتبار المنظمة الإرهابية نفسها لاعبا أساسيا لا يمكن التخلي عنه في المثلث التركي الأمريكي الروسي.

وبنت بي كا كا هذا الاعتقاد على فرضية خاطئة مفادها ضعف يد الجانب التركي في المعادلة، إذ كان التنظيم يظن أن الولايات المتحدة وروسيا حددتا "دورا محدودا" لتركيا بخصوص عفرين ، وأنهما لن يسمحا بالنهاية بخروج المنطقة من سيطرة بي كا كا.

ونتيجة لهذا الأمر، رفضت المنظمة قبيل بدء العملية العسكرية اقتراح روسيا لها بشأن "تسليم عفرين للنظام السوري"، لكنها سعت فيما بعد بنفسها لإحياء هذا المقترح مجددا، لكن نظام الأسد وحليفه الإيراني لم يمتلكان القدرة على الوقوف بوجه تركيا، ومن جهة أخرى، فقدت بي كا كا إثر مساعيها للتعاون مع النظام السوري وإيران، ثقة الولايات المتحدة التي كانت ترى فيها "حليفا موثوقا".

السبب الثالث، اعتقدت بي كا كا بأنه ما زال هناك حاجة لها كقوة عسكرية بعد عملية الرقة، معتبرة نفسها لاعبا أساسيا في المنطقة.

أما السبب الرابع، فهو مبالغة التنظيم بقوته العسكرية واعتقاده بأنه سيكون قادرا على مواجهة الجيش التركي في منطقة عفرين، إثر الخبرة التي اكتسبها في حربه ضد تنظيم داعش في الرقة.

ومن جهة أخرى، أدى دخول الجيش التركي وقوات المعارضة السورية من 8 محاور إلى منطقة عفرين، إلى عدم توقّع التنظيم الإرهابي لـ "مركز ثقل العملية"، واستخدم نتيجة لذلك طريقة واحدة في التصدي للقوات المسلحة التركية، ألا وهي الصواريخ المضادة للدبابات، والتي لم تجدِ نفعا أمام الأفضلية التركية في المجالين الجوي والبري.

- ماذا كسبت تركيا؟

انتصرت القوات المسلحة التركية في عملية غصن الزيتون إثر اجتماع عدة عوامل، أولها، توجه المعادلة في شمال سوريا نحو تركيا إثر اكتسابها أفضلية سياسية وعسكرية بالمنطقة عقب نجاحها في عملية درع الفرات، والذي أدى بدوره إلى إصرار تركيا على تقليص خطر بي كا كا، واضعاف فعالية الجانب الأمريكي في معادلة عفرين.

ومن جهة أخرى، ساهم اتفاق تركيا مع الجانب الروسي في مباحثات أستانة إلى اكتساب أنقرة مجددا دور اللاعب الأساسي في الأزمة السورية، حيث أدى تكفل تركيا بتشكيل منطقة خفض توتر في إدلب إلى تعزيز دورها في سوريا.

كما اتجهت تركيا نحو التغيير في سياستها بشأن مكافحة الإرهاب إثر درع الفرات، حيث زادت من حدة تصريحاتها السياسية، وأعلنت بصوت عال أنها غير مستعدة للتفاوض بهذا الخصوص.

وخلال غصن الزيتون، استخدمت تركيا قواتها بشكل فعال للغاية، إذ دخلت القوات المسلحة التركية من عدة محاور ما أتاح لها السيطرة على النقاط الاستراتيجية بأقل خسائر ممكنة في صفوفها، وأكثر خسائر ممكنة في صفوف التنظيم الإرهابي.

ولعبت كذلك الأسلحة التكنولوجية محلية الصنع دورا كبيرا في نجاح العملية، وخاصة الطائرات المسلحة بدون طيار.

أما العامل الأهم، فهو التوقيت الذي اختارته تركيا من حيث عدم تأثير العناصر الخارجية على إثباث عزمها السياسي والعسكري، حيث لم تلقِ بالا للانتقادات الأمريكية، ولم تسمح لمساعي النظام السوري وحليفه الإيراني بإنقاص وتيرة العملية، بل على العكس أكسبت تلك المساعي تسارعا على مجريات العملية.

- المضي لما بعد عفرين

أعلنت تركيا انتصارها في اليوم الـ 58 من غصن الزيتون بعد فرار عناصر المنظمة الإرهابية من مركز مدينة عفرين، ويجب علينا الحذر في موضوعين في المرحلة اللاحقة، أولها، أن "بي كا كا/ ي ب ك" ستعمل على الزج بورقة العمليات الإرهابية في عفرين لاستنزاف تركيا، والثاني، ضرورة أن تستغل تركيا لأفضليتها السياسية والعسكرية ومواصلتها لعملياتها الرامية لاجتثاث منظمة بي كا كا من جذورها. 

-------------------------------------

** مراد يشيل طاش، عضو الهيئة التدريسية في مركز الشرق الأوسط للأبحاث التابع لقسم العلاقات الدولية في جامعة صقاريا، ورئيس قسم الأبحاث الأمنية في مركز سيتا للدراسات.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.