تعديل قانون الأحزاب بموريتانيا.. الحكومة تؤيد والمعارضة متخوفة (تقرير)
منذ تصديق البرلمان عليه في 28 يناير/ كانون الثاني المنصرم، ما زالت التعديلات على القانون المنظم للأحزاب السياسية في موريتانيا تثير الجدل، وسط مخاوف من أن تزج البلد بأزمة سياسية جديدة.

Novakşot
نواكشوط / محمد البكاي / الأناضول
- شروط إنشاء الأحزاب وحلها وتسييرها وطريقة حصولها على التمويل تعد أكثر التعديلات إثارة للجدل ولمخاوف المعارضة- القيادي بحزب "الإنصاف" الحاكم اباب ولد بنيوك: التعديلات تعالج أزمة بنيوية جعلت العمل الحزبي ضعيفا أمام النفوذ القبلي
- نائب رئيس حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" محمد ولد امبارك: التعديلات تكرس هيمنة وزارة الداخلية على الأحزاب
منذ تصديق البرلمان عليه في 28 يناير/ كانون الثاني المنصرم، ما زالت التعديلات على القانون المنظم للأحزاب السياسية في موريتانيا تثير الجدل، وسط مخاوف من أن تزج البلد بأزمة سياسية جديدة.
وبينما اعتبرت الحكومة أن التعديلات على القانون تهدف إلى "إضفاء مزيد من الجدية والتنظيم على المشهد الحزبي الوطني" رأت المعارضة فيها "تضييقا وانتكاسة في الديمقراطية عبر تحويل الأحزاب السياسية إلى هيئات تحت وصاية وزارة الداخلية".
التعديل القانوني الذي أقرته الحكومة وصادق عليه البرلمان وينتظر أن يصبح نافذا بعد نشره بالجريدة الرسمية، يتضمن شروطا تتعلق بإنشاء الأحزاب وسيرها وحلها.
وستواجه العديد من الأحزاب السياسية خطر الحل، نظرا للإجراءات الجديدة التي نص عليها القانون المعدل، بينما سيواجه سياسيون آخرون صعوبة في إنشاء أحزاب سياسية.
وفي العام 2019 أصدرت وزارة الداخلية قرارا بحل نحو 80 حزبا، استنادا إلى تعديل صدر عام 2018 لقانون تنظيم عمل الأحزاب الصادر عام 1991؛ ما قلص عددها إلى 25 بعد أن كان يفوق المئة.
ونص التعديل السابق على حل جميع الأحزاب التي تتخلف عن المشاركة في استحقاقين انتخابيين بلديين متواليين أو تشارك فيهما وتحصل على أقل من 1 بالمئة من أصوات الناخبين.
بينما يهدد التعديل الجديد، العديد من الأحزاب السياسية قيد الترخيص وبينها "حزب الرك" بقيادة بيرام الداه اعبيد الذي حل ثانيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
طبيعة التعديلات
من أكثر التعديلات التي أثارت الجدل تلك المتعلقة بشروط إنشاء الأحزاب السياسية وحلها وتسييرها.
ونص التعديل على أنه "لإنشاء حزب سياسي جديد يشترط تزكية برنامج الحزب من طرف خمسة آلاف مواطن، ينتمون إلى نصف ولايات الوطن (15 ولاية) على الأقل".
كما تضمن التعديل زيادة في عدد أعضاء الجمعية العامة التأسيسية للحزب من 20 إلى 150 مواطنا يمثلون كافة ولايات الوطن.
ونص القانون المعدل على الالتزام بافتتاح الحزب لمقرات في نصف ولايات الوطن على الأقل بعد فترة ستة أشهر من تاريخ الترخيص، ورفع النسبة الأدنى التي تضمن للحزب الحصول على التمويل، من 1 بالمئة إلى 2 بالمئة على الأقل من مجموع الأصوات المعبّر عنها على المستوى الوطني في آخر انتخابات محلية عامة.
وكذلك نصت التعديلات على أنه "يتم حل الحزب السياسي بقوة القانون عندما يقدم مرشحين لاقتراعين متتاليين في انتخابات محلية عامة ولم يحصل على 2 بالمئة من الأصوات المعبر عنها في كل اقتراع، أو الحزب الذي لم يشارك في اقتراعين متتاليين في انتخابات محلية عامة".
ووفق التعديلات "يتم تعليق نشاطات الحزب مؤقتا 90 يوما في حالة تهديد النظام العام، وفي حالة حل حزب سياسي بمرسوم يتم منع أعضائه المؤسسين من تأسيس حزب جديد وذلك لفترة خمس سنوات".
الحكومة تدافع
الحكومة الموريتانية دافعت عن التعديلات، وأكدت أنها تهدف إلى "تعزيز التعددية السياسية من حيث اشتراط شروط لإنشاء الأحزاب وسيرها وحلها، وإضفاء المزيد من الجدية والتنظيم على المشهد الحزبي الوطني".
وقال وزير الداخلية محمد أحمد محمد الأمين، إن بين دوافع القانون المعدل "اشتراط رؤية سياسية ومجتمعية لدى الأحزاب في الحاضر والمستقبل لتغطي كافة الاحتياجات حال وصولها للسلطة".
وفي كلمة له خلال مناقشة البرلمان للتعديلات في 28 يناير، أشار محمد الأمين إلى أن الهدف الثاني هو "ضرورة وجود نخبة سياسية وفكرية قادرة على إنتاج الأفكار بمختلف المجالات وتوصيلها للقاعدة وإقناعها بها، إضافة لوجود موارد مالية متجددة تغطي احتياجات الحزب وقاعدة انتخابية شعبية".
وأكد أن أي حزب سياسي "ينبغي أن يعكس الجغرافيا السياسية في البلد من حيث التنوع العرقي والاجتماعي وحضور الشباب والنساء".
اتهامات للأحزاب
بدوره اعتبر القيادي بحزب "الإنصاف" الحاكم، البرلماني السابق اباب ولد بنيوك، أن "المنظومة الحزبية في موريتانيا تعيش منذ بداية المسار الديمقراطي أزمة بنيوية جعلت العمل الحزبي هزيلا تطغى عليه الشخصانية وغير قادر على مواجهة التأثيرات الاجتماعية مثل النفوذ القبلي والجهوي والعرقي".
واعتبر ولد بنيوك في تصريح للأناضول أن "بعض الأحزاب في البلد مجرد نسخة ورقية يتم إعدادها بين مجموعة أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد ووفقا لنظام أساسي وداخلي يكاد يكون متطابقا بين غالبية الأحزاب ويتم ترخيصه وفق شروط بعيدة عن منطق تشكيل الأحزاب إما بترضية لطرف سياسي معين أو ضرب آخر أو محاباة".
ورأى أن الأحزاب السياسية "تحولت إلى وسيلة للتكسب ومزاد علني يتبارى فيه أصحاب المال للحصول على بطاقة الترشح للانتخابات دون جهد سياسي يذكر" مشيرا إلى أن القانون الجديد جاء "لمعالجة هذه الوضعية وفقا لرؤية جادة وصارمة".
مخاوف المعارضة
في المقابل، دعت أحزاب المعارضة الرئيسية في موريتانيا إلى سحب التعديل الجديد للقانون ووصفته بـ"المناقض للديمقراطية".
وقال رئيس حزب "اتحاد قوى التقدم" محمد ولد مولود، إن التعديلات "لا تعكس رغبة حقيقية في تعزيز الديمقراطية، بل يمثل خطوة إلى الوراء في مجال حرية التنظيم السياسي".
وقال في تصريحات صحفية في يناير، إن التعديلات الجديدة تتضمن "إجراءات مجحفة بالنسبة للأحزاب وحرية تشكيلها" معتبرًا أن تلك الإجراءات "تُعقّد عملية تأسيس الأحزاب وتُحجم من قدرتها على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية".
واعتبر ولد مولود أن التعديلات "مؤشر خطير على الحريات في البلاد، ويمثل تحديًا لحرية التنظيم السياسي في موريتانيا، ويظهر ويؤكد توجه الحكومة نحو فرض قوانين أحادية دون مراعاة لحقوق الأحزاب السياسية".
إجراءات الترخيص
من جانبه، وصف نائب رئيس حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (أكبر أحزاب المعارضة) محمد ولد محمد امبارك، التعديلات الجديدة بأنها "انتكاسة خطيرة".
وقال ولد محمد امبارك للأناضول، إن التعديلات "رجوع عن المكاسب التي حققتها موريتانيا منذ تسعينيات القرن الماضي في مجال الديمقراطية".
وأضاف: "هذا القانون يكرس هيمنة وزارة الداخلية على الأحزاب السياسية، ويهدد الطابع التعددي للديمقراطية في البلاد".
ولفت إلى أن المعارضة كانت تطالب باعتماد "نظام التصريح بدل الترخيص بخصوص الأحزاب السياسية، لتتفاجأ بحجم التعقيدات التي تضمنها القانون الجديد على إنشاء الأحزاب".
ومشيرا إلى أن المعارضة "لن تقبل بقانون يتيح لوزارة الداخلية حل الأحزاب السياسية بكل سهولة"، داعا امبارك إلى أن يكون "الحكم النهائي بشأن الأحزاب للقضاء لكي لا تتحول الداخلية إلى خصم وحكم مع الأحزاب في نفس الوقت".
مصير الحوار
تمرير التعديلات الجديدة، وفق امبارك "أفرغ الحوار الذي دعت له الحكومة من محتواه" مشيرا إلى أن التعديلات كان يفترض أن تدرج ضمن النقاش في الحوار المرتقب مع المعارضة الذي دعت له الحكومة.
وحذر من أن عدم تراجع الحكومة عن هذه التعديلات قد يتسبب في أزمة سياسية في البلاد.
وفي 24 يناير، أعلنت الحكومة البدء بالتحضير لحوار سياسي في موريتانيا، دون تحديد تاريخ معين لانطلاقته، مؤكدة حرصها على المحافظة على جو التهدئة.
وقال رئيس الوزراء المختار ولد اجاي، إن الحكومة "ستواكب كل إجراءات التحضير للحوار الوطني وستضع كل إمكانياتها البشرية والفنية تحت تصرف الأطراف المشاركة فيه".
وشهدت موريتانيا في يوليو/ تموز الماضي انتخابات رئاسية، فاز فيها محمد ولد الغزواني بولاية رئاسية ثانية.
وشككت المعارضة في نزاهة تلك الانتخابات، ما تسبب باندلاع احتجاجات لأنصار المرشح الذي حل ثانيا في الانتخابات بيرام الداه اعبيد، أسفرت عن وفاة 3 متظاهرين.
ورغم عودة الهدوء عقب الانتخابات، إلا أن المعارضة ظلت تطالب بحوار سياسي لبحث قضايا تتعلق بالمنظومة الانتخابية لضمان شفافية أي عملية انتخابية في المستقبل.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.