"البرنوس".. لباس لمقاومة البرد ورمز شهامة الجزائري (تقرير)
- يعتبر "البرنوس" لباس تقليدي جزائري وموروث ثقافي ينتشر لبسه وصناعته في عدّة محافظات - صناعة "البرنوس" تتم بطريقتين: تقليدية في المنازل بواسطة "المنسج الخشبي"، وحديثة في معامل النسيج العصرية
Istanbul
الجزائر/ حسام الدين إسلام/ الأناضول
يقبل الجزائريون في مختلف محافظات البلاد على عديد الألبسة التقليدية التراثية، خلال فصل الشتاء، ومنها "البرنوس" نظرا لأصالته ورمزيته أيضا.
يعتبر "البرنوس" لباس تقليدي جزائري وموروث ثقافي ينتشر لبسه وصناعته في عدّة محافظات من بينها تيزي وزو وبجاية وسطيف وبرج بوعريريج، وباتنة (شرقي البلاد)، والجلفة (جنوب العاصمة) وتيسمسيلت ومعسكر وتيارت وتلمسان (غرب البلاد).. وغيرها.
- للنساء والرجال
ويرتدي "البرنوس" الرجال والنساء على حد سواء، لكن وسط اختلاف في الطرز والخياطة والحجم، كما أنّ المرأة تلبسه في مناسبات معينة مثل الزواج وأحيانا الرجال.
صناعة "البرنوس" تتم بطريقتين: تقليدية في المنازل بواسطة "المنسج الخشبي"، وحديثة في معامل النسيج العصرية، بعد تنقيته من الشوائب وغزله بالمغزل (آلة يدوية لغزل الصوف والقطن)، ثم تستخرج منه خيوط رقيقة، توضع داخل المنسج وتبدأ حياكتها حتى تتشكل القطعة النهائية وترسل إلى الخيّاط الذي يقوم بالخياطة والتفصيل.
والبرنوس معطف طويل يضعه الرجل على كتفيه، ليس به أكمام، بل مفتوح من الأمام ويضم غطاء رأس (قبّعة) لا ينفصل عنه. وتتنوع ألوانه بين الأبيض والبني والأسود، والترابي المائل إلى الأصفر وكذلك تتباين أحجامه بين الصغار والكبار.
يرتبط ارتداءه " بفصل الشتاء، نظرا لبرودة الطقس، في محافظات البلاد في الشمال والجنوب والمحافظات الداخلية، كما يُرتدى في مناسبات معينة مثل الأفراح والزفاف.
- تاريخ البرنوس
وتشير الباحثة في التراث الجزائري، فايزة رياش أنّ "البرنوس من الألبسة التقليدية ينتشر في مختلف محافظات البلاد، ويعود تاريخه إلى فترة المماليك مملكتي الماسيل والماسيسيل".
ومملكة الماسيل أمازيغية (القرن الـ3 قبل الميلاد) وكانت تسمى نوميديا الشرقية (شرق الجزائر حاليا)، و"الماسيل" كلمة مشتقة من الأمازيغية وتعني أسياد البحر.
"ومملكة ماسيسيليا": وكانت تسمى نوميديا الغربية (القرن 3 قبل الميلاد) إحدى الممالك الأمازيغية غرب الجزائر، وماسيسيل لفظ أمازيغي ويعني "أبناء أسياد البحر".
وتقول رياش في حديث لـ"الأناضول" إنّ "البرنوس يعتبر من النسيج التقليدي، ويصنع من صوف الأغنام ووبر الإبل الممتازة في النسيج والخفيفة عكس الصوف التي تجعله ثقيلا".
وتضيف الباحثة "منذ حقبة المماليك كان الجزائري يرتدي البرنوس فوق لباسه وحتى النساء تلبسنه فوق ثيابهن وألوانه البني والأبيض والأسود والتراب المائل إلى الأصفر".
كما تشير أنّه "بمنطقة الجلفة (جنوب العاصمة) يوجد البرنوس الأشعل ويُصنع من وبر الجمال ويكون خفيفا ويلبس فوق البرنوس الأبيض لشدّة البرد".
وتلفت أنّ "البرنوس لا يزال يحافظ على مكانته ورمزيته في عديد مناطق الجزائر خاصة بشرقي البلاد ومنطقة القبائل وبعض محافظات الجنوب الغربي والشرقي".
وتذكر المتحدثة أنّ "برنوس منطقة القبائل من الصوف ويشتهر بلونه الأبيض أو المائل إلى الأصفر، وفي ولايات المسيلة والجلفة وغيرها..لونه بني غالبا".
كما تنوه أنّه "بمنطقة الشاوية (جنوب شرق البلاد) يرتبط البرنوس بالفروسية والبارود، ويتصل بالاحتفالات والأعراس وسباقات الفروسية ويرمز إلى الرفعة والشهامة".
وبخصوص شكل البرنوس، توضح رياش أن "تفصيله يأتي قطعة كبيرة من الصوف أو الوبر، على شكل نصف دائرة عليها قطعة مربعة في نهايته "القلنسوة" أو كما تسمى محليا القلمونة والقرمونة"، كما يزين أحيانا بشرائط مضفرة بلون آخر غير الأصلي.
وتواصل الشرح "يلبس فوق الألبسة بصفته يقي من المطر والبرد، باستثناء قطع صغيرة تخاط على مستوى الصدر لتسهل تثبيته على الكتفين، لأنّ البرنوس يسدل على الأكتاف دون روابط، وهناك من يرفع أطرافه على الكتف لإخراج وتحريك يديه".
- "سلاح" وشهامة
ولم تخف المتحدثة أنّ "البرنوس رمز للشهامة والوقار ولعب دورا مهما خلال الثورة ضد الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، حيث كان يستعمله المجاهدون لإخفاء السلاح والمؤونة".
وبالنسبة لبرنوس المرأة، توضح أنّ النساء الجزائريات تلبسنه في الزفاف عند الخروج من بين أهلها"، كما يرتدي الرجل خلال زواجه في سهرة الحنّاء أو أثناء استقباله عروسه".
بدوره، يرى الصحفي المهتم بالتراث صالح سعودي أنّ "البرنوس من الألبسة التي تتصل بعادات وتقاليد الجزائريين".
ويقول سعودي لـ"الأناضول":هو ليس مجرد لباس فقط، بل يحمل رمزية عميقة تعكس مدى الحفاظ على التراث الجزائري بكل أشكاله".
ويضيف المتحدث: "مثلا بمنطقة الأوراس (جنوب شرق) المرأة تمثل عمود المجتمع وركيزة هامة في الحفاظ على الحرف التراثية كصناعة القشابية (لباس تقليدي) والزرابي (السجاد).. وغيرها".
ويشير المتحدث أنّ "أسعاره تتفاوت حسب نوعية المادة الأولية، وكذلك مصدره هل مستورد أو مصنوع محليا".
ويلفت في معرض حديثه أن "المصنوع محليا غالي الثمن، وسعره يساوي أو يفوق أحيانا 500 دولار".
وبخصوص الفرق بين البرنوس الرجالي والنسائي، يوضح أنّ "الاختلاف يكمن في طريقة نسجه واستخدامه".
وبحسبه "البرنوس الرجال يرتدى أكثر في المناسبات العائلية والأفراح، والنسائي تلبسه العروس عند مغادرتها بيت الأهل نحو بيت زوجها".
وحول احتمال تأثر البرنوس بالعصرنة، يجيب: "العولمة أثرّت على اللباس الجزائري بشكل عام خاصة اللباس الشبابي، لكن الألبسة التقليدية لا تزال تحظى بمكانتها التراثية".
من جهته، يقول التاجر سليم رقيق إنّه " زي تقليدي عريق، متوارث أبا عن جد في بلادنا".
ويضيف التاجر رقيق صاحب محل: "يصنع من الوبر والصوف، ويوجد البرنوس الذي يجمع بين المادتين وهو الأحسن".
ويتابع قائلا: "بالنسبة للوبر الذي يصنع منه، فهو وبر الإبل وخاصة وبر أول جزّة للجمل الصغير وتسمى "العقيقة".
وتنتشر صناعة البرنوس –حسب المتحدث- بمحافظة الجلفة (جنوب العاصمة) مقارنة بالمحافظات الأخرى من ناحية الجودة والكمّية.
ويرى رقيق أنّ "الطلب يرتفع على البرنوس بمختلف ألوانه في فصل الشتاء، ويقلّ في باقي الفصول لانخفاض درجة الحرارة".
ويلفت "يُفضلّه كبار السن، والطلب عليه في الشتاء، قليل نوعا ما مقارنة بـ"القشابية" التي يفضلّها الشباب".
وحول سعره، يوضح أنّ "الثمن يختلف حسب اللون، وطريقة الحياكة والخياطة، وكذلك الوزن".
ويعتبر أنّ "سعر برنوس الوبر مرتفع لخفته ومتانته وجودته، وخاصة إذا صُنع باليد، خلافا للذي تنتجه المعامل".
ويتراوح سعره بين 65 ألف دينار جزائري و150 ألف دينار (من 400 دولار إلى 900 دولار) بحسب سليم رقيق.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.