"أنا بين أهلي والأسد لاجئ".. سوري ينتشي بالعودة للديار بعد التهجير (تقرير)
في لحظة تاريخية تحمل بين طياتها معاناة وآمال شعب بأكمله، يقف صلاح هزاع رافعا شارة النصر بيده والابتسامة على محيّاه، وسط مدينة درعا جنوب سوريا

Syria
سوريا/ عبد السلام فايز/ الأناضول
صلاح هزاع هجره نظام الأسد من درعا إلى إدلب في 2018:- تهجيري إلى إدلب والعودة إلى لدرعا علماني أنّ صاحب الحق منتصر
- عدت إلى درعا بعد 6 سنوات بينما يعيش الأسد لاجئا في موسكو
- تجربة الزلزال بالشمال أظهرت تعاضد السوريين رغم الفقر المدقع
في لحظة تاريخية تحمل بين طياتها معاناة وآمال شعب بأكمله، يقف صلاح هزاع رافعا شارة النصر بيده والابتسامة على محيّاه، وسط مدينة درعا جنوب سوريا، التي هجّره منها النظام المخلوع قبل 6 سنوات إلى إدلب في الشمال، عبر "الباصات الخُضر".
ومصطلح "الباصات الخضر" ترسّخ في وعي السوريين، إذ يُذكّرهم بصيف 2018، حينما اجتاح النظام البائد مناطق واسعة بالجنوب كانت تحت سيطرة المعارضة آنذاك، بعد أن حظي بدعم جوي روسي مطلق.
وجراء فوارق القدرات العسكرية، بدأت قوات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد تتقدم في الجنوب آنذاك، تاركة الخيار للمقاتلين، بين الموت أو التهجير نحو إدلب بالباصات الخضر، أو إبرام تسوية والبقاء تحت سلطته.
بيد أن صلاح (40 عاما)، الذي تعرض للتعذيب والإذلال في السجون قبل الثورة، وانخرط في العمل العسكري ضد نظام الأسد بعد خروجه من السجن في 2011، رفض التسوية واختار التهجير.
الأناضول التقت صلاح بمدينة درعا، واستمعت إلى جانب من تجربته بالتهجير، ومعاناته في تلك الفترة، وصولاً إلى رجوعه نحو درعا منتصراً بعد هروب الأسد.
**الثورة كانت فرصة
قال صلاح، الذي تعود أصوله إلى منطقة فيق بالجولان السوري المحتل: "اعتقلني نظام الأسد عام 2009 ظلماً، وتعرضت في فرع المخابرات الجوية بدمشق لشتى أنواع التعذيب والإذلال، وبقيت حتى سبتمبر/ أيلول 2011".
وأضاف: "خرجت من السجن فوجدت الثورة في شهرها السادس، وكانت فرصة سانحة لي للتعبير عن الغضب جراء ما تعرضت له من تعذيب، وانخرطت بالعمل العسكري مع إحدى الكتائب المقاتلة في درعا".
وعن تجربة التهجير، قال صلاح: "في 2018 خسرنا مناطق واسعة بسبب التدخل الجوي الروسي، وانسحبنا نحو القنيطرة (جنوب)، وكانت قوات الأسد تتقدم بسرعة كبيرة، وتفرض على المقاتلين إبرام تسويات، أو التهجير نحو إدلب".
واختار صلاح التهجير دون التسوية، واصفا نظام الأسد بأنه "لا أمان له، وقد يغدر بأصحاب التسويات، أو يسعى لاغتيالهم واعتقالهم، وهذا ما حدث بالفعل، حيث تمت تصفية قادة ومقاتلين من خلال عمليات اغتيال، أو إخفاء قسري".
اختار صلاح التهجير، وركب في الحافلات الخضر، وقال إن "قوات الأسد تقصدت الشماتة بنا آنذاك، وقاموا بشتمنا خلال ركوبنا بالباصات، بالإضافة إلى كلمات نابية وإيحاءات وإشارات لا أخلاقية".
وبشأن شعوره حينها، أكد صلاح الذي قتل نظام الأسد اثنين من أشقائه، أن "اليأس كان سيد الموقف، إذ اضطررت لترك مدينتي وأمي وأختَيّ الاثنتين، بينما هُجرت أنا وزوجتي وأطفالي الثلاثة إلى إدلب".
ولم يسلم منزل صلاح من نظام الأسد الذي عمد إلى اقتحامه ونهبه، وتدمير مكتبته، وفق صلاح.
* تهجير نحو المجهول
وصف صلاح الرحلة إلى إدلب بأنها "شاقة جدا، وعبور نحو المجهول".
ولفت أنه بعد وصوله إلى إدلب بدأ يفكر بمسألة الهجرة نحو تركيا أو أوروبا جراء حجم المعاناة.
ومستذكرا صورة من تلك المعاناة، قال صلاح إنه افترش الخيام بالأسابيع الأولى من النزوح، وعاش ظروفاً مأساوية، إلى أن عرف المنطقة جيدا ووجد فرصة عمل.
وخلال سنوات التهجير، اعتزل صلاح العمل العسكري، وعمل في عدة مجالات، بينها التدريس، إذ يحمل إجازة بالشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، كما عمل في مجال الخطابة بالمساجد.
غادر صلاح خيمة النزوح متنقلا بين عدة منازل في منطقة الدانا بريف إدلب، وكوّن هناك علاقات، الأمر الذي جعله يلغي فكرة الهجرة ويصرّ على البقاء في بلده رغم حجم التحديات.
وعن الأوضاع في إدلب خلال تهجيره، أشاد صلاح بأداء حكومة الإنقاذ السورية آنذاك، من خلال سعيها لضبط الأمن والحفاظ على طابع الدولة وتيسير شؤون المواطنين.
واستدرك قائلا: "كنت متشائما جدا بسبب مرور الثورة حينها بمنعطف خطير، وتقدم نظام الأسد، وسيطرته على مناطق واسعة، بالإضافة إلى واقع النزوح واختلاط الأوراق.. كل ذلك قادني إلى الاعتقاد بأننا في حالة بعيدة جدا عن تحقيق النصر".
**زلزال 2023
وفيما يتعلق بتجربة الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا شتاء 2023، قال صلاح: "كانت أياما ثقيلة ومرعبة، جراء ضعف الإمكانيات مقابل حجم الدمار، لكن السوريين آنذاك قدموا نموذجا رائدا في التعاضد رغم الفقر المدقع".
وأضاف: "رأينا نساء يتبرعن بما لديهن من حُلِيّ متواضع، ورأينا أشخاصا يجلبون فراشهم للمنكوبين، ويقدمون لهم مساعدات عينية ونقدية وإغاثية.. بالفعل كان نموذجاً رائعا".
وأشار إلى أنهم شكلوا لجنة لجمع التبرعات وتنظيم إغاثة المنكوبين من الزلزال، وتم تجاوز المرحلة رغم ضراوة الكارثة أمام شعب منكوب مُهجّر لا حيلة له".
وفجر 6 فبراير/ شباط 2023، ضرب زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا مركزه مدينة قهرمان مرعش التركية وبلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، أسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
*تضامن مع غزة
ورغم أن البلاد حينها كانت تعيش فترة مأساوية بسبب جرائم نظام الأسد، إلّا أن السوريين لم ينأوا بأنفسهم عن قضايا الشعوب الإسلامية، لا سيما القضية الفلسطينية، التي وصفها صلاح بأنها "القضية الأم".
وقال في هذا السياق: "بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأنا نسلط الضوء في خطب الجمعة ودروس الفقه على معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة الذين تعرضوا لإبادة إسرائيلية، مضيفاً أن "قضية فلسطين عادت إلى الأوج مجددا".
وأوضح صلاح أنهم نظموا حملات تبرع لصالح الفلسطينيين بغزة، وتابعوا التطورات هناك، بما فيها العسكرية.
وأشار إلى متابعة "الفيديوهات التي كانت تبثها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، بشأن المعارك البرية بالقطاع، وقوة المقاومة في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي رغم فوارق القدرات".
ومنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى 19 يناير 2025، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة، ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 160 ألف فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 14 ألف مفقود.
*تحرير سوريا
ومبتسماً، تطرق صلاح إلى معركة ردع العدوان، التي أدت إلى إسقاط نظام الأسد، وقال إنها "كانت سببا في عودتي إلى المدينة التي أعشقها.. درعا".
ومتحدثا عن شوقه المتعاظم لرؤية درعا بعد 6 سنوات من التهجير، قال صلاح: "اتصلت بخالتي يوم سقوط نظام الأسد (8 ديسمبر/ كانون الأول 2024) لأول مرة منذ تهجيري، إذ لم أكن أجرؤ على فعل ذلك خشيةً عليها لأنها كانت تسكن في منطقة برزة بدمشق، الخاضعة لسيطرة النظام السوري البائد".
وأضاف: "قلت لخالتي أنني قادم لشرب القهوة في منزلها، فرحبت بالفكرة على الفور، لأنها لم تتوقع يوماً أن نلتقي بعد أن فرقنا نظام الأسد".
ولم يصبر صلاح على البقاء بعيداً عن مدينته بعد تحريرها ولو يوماً إضافياً واحدا، بل حَلّ بين أهله وأقاربه في درعا مساء اليوم نفسه (8 ديسمبر/ الأحد)، ليطوي بذلك 6 سنوات من التهجير.
وفيما يتعلق برحلة العودة، أكد صلاح أن مشهد جنود الأسد وهم يهربون يوم سقوط النظام البائد ذكره "بمشهد التهجير السابق من درعا لإدلب، وكيف انقلبت الموازين، فذاتهم الذين هجّرونا في يوليو/ تموز 2018 من الجنوب، وأبدوا شماتتهم بنا واستعرضوا عضلاتهم وتقصدوا إذلالنا، هاهم اليوم يهربون من مواقعهم تاركين أسلحتهم، في مشهد يؤكد أن صاحب الحق سيأخذه يوماً ما".
وبلغة الفرح والسعادة، ختم صلاح حديثه قائلاً: "الحمد لله الذي نصرنا بعد أن ظننا النصر بعيدا جدا، وها أنا اليوم في درعا بين أهلي وأقاربي، بينما يعيش الأسد لاجئا في موسكو، ينتظر مصيره المحتوم ومحاكمة عادلة على جرائمه بحق السوريين".
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد مدن أخرى، وفر بشار الأسد رفقة عائلته إلى روسيا التي منحته "لجوءًا إنسانيا"، لينتهي بذلك 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت الإدارة السورية تعيين أحمد الشرع رئيسا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، بجانب قرارات أخرى منها حل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية القائمة بالعهد السابق، ومجلس الشعب (البرلمان)، وحزب البعث، وإلغاء العمل بالدستور.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.