الدول العربية, التقارير, تونس

باجة التونسية.. رحلة في معالم التاريخ العثماني (تقرير)

** الأكاديمي المختص في الحضارة زهير بن يوسف خلال جولة مع الأناضول: - الوجود العثماني في باجة يعود إلى أواخر القرن 16 ميلادي مع قدوم سنان باشا سنة 1574 وتحرير البلاد التونسية من الاستعمار الإسباني

Adel Bin Ibrahim Bin Elhady Elthabti  | 17.03.2025 - محدث : 17.03.2025
باجة التونسية.. رحلة في معالم التاريخ العثماني (تقرير)

Tunisia

تونس/ عادل الثابتي / الأناضول

** الأكاديمي المختص في الحضارة زهير بن يوسف خلال جولة مع الأناضول:
- الوجود العثماني في باجة يعود إلى أواخر القرن 16 ميلادي مع قدوم سنان باشا سنة 1574 وتحرير البلاد التونسية من الاستعمار الإسباني
- اليوم نحصي نحو 16 عائلة تونسية باجية كبرى ذات أصول عثمانية منها عائلات بُرناز وبولكباش ومبزعية وبن يوسف والميلادي
- باجة مدينة عثمانية بامتياز متى تأملنا ما تؤثثه من منشآت روحية ومبان جنائزية ومنشآت مائية وعمرانية ومنشآت عسكرية ومدنية
- الحضور العثماني لم يكن عسكريا صرفا بل ومدنيا ثقافيا لأنه أفرز إنتاجا علميا لا يزال إلى اليوم مصدرا لتاريخ المدينة وتونس برمتها

عندما تكون في قصبة باجة بتونس تتراءى لك أسفلها معالم المدينة العتيقة التي تعلوها صوامع الجامع الكبير، أحد معالم العهد الفاطمي، وأسسه الأمير إسماعيل المنصور عام 945 م، والجامع الحنفي وهو من مآثر العهد المرادي، وجامع أحمد الجزار وهو من العهد الأغلبي.

الأكاديمي التونسي المختص بالحضارة زهير بن يوسف، سليل عائلة الضابط، قال للأناضول إن "تاريخ الوجود العثماني بمدينة باجة يعود إلى أواخر القرن 16 ميلادي، مع قدوم (المهندس) سنان باشا سنة 1574، وتحرير البلاد التونسية من الاستعمار الإسباني".

وأضاف ابن يوسف، الذي صاحب فريق الأناضول بجولة في باجة العتيقة (نحو 100 كلم شمال غرب العاصمة)، أنه في ذلك العهد تركزت حاميات من عسكر الترك بالمواقع الاستراتيجية الحصينة في البلاد، ومنها بالشمال الغربي موقعان هما باجة والكاف.

وتابع أن "هذا الوجود العثماني تشهد عليه منشآت عسكرية، على رأسها معلم القصبة، وهو في الحقيقة قلعة بيزنطية يعود تأسيسها لعام 533".

وأردف: "بقدوم الأتراك إلى البلاد عززوا التحصينات الدفاعية للمدينة، وأضافوا إلى القلعة البيزنطية أبراجا تعرف اليوم بتسمياتها العربية والتركية".

وأضاف ابن يوسف، وهو سليل المؤرخ محمد الصغير بن يوسف، أن "البرجان الأساسيان اللذان وقعت إضافتهما هما البرج الكبير أو الطُوبخانة الكبرى، التي تعني مركز إطلاق المدفعية، والبرج الصغير أو الطُوبخانة الصغرى".

واستدرك: "إلا أن معلم القصبة لا تتكون فقط من هذين البرجين نصف الدائرييْن (..) إذ نلاحظ برجا آخر هو برج علي باشا (1735-1756) الذي يعود إلى الفترة الحسينية".

واستطرد: "نحن إذن إزاء أكثر من قلعة في قلعة واحدة نسميها القلعة البيزنطية، هي النواة الأصلية، ونسميها القلعة العثمانية بحكم أن أغلب مكوناتها ووحداتها المعمارية هي بالأساس عثمانية".

وزاد بأن ذلك "يجعل المدينة، متى تأملنا مشهدها العمراني وما يؤثثه من منشآت روحية ومبان جنائزية ومنشآت مائية وعمرانية، فضلا عن المنشآت العسكرية والمدنية، مدينة عثمانية بامتياز".

** ثقل ديمغرافي تركي

وحول العائلات ذات الأصول التركية التي تعيش في باجة، قال ابن يوسف، إن ما لا يقل عن 600 من ضباط الحامية العسكرية التركية، طردوا من المدينة رفقة عائلاتهم وصودرت ممتلكاتهم، في العام 1686، وكان جد المؤرخ محمد الصغير بن يوسف واحدا منهم.

وأضاف أن "الحادثة بنيت على ادعاء بالباطل بأن كوارغلية باجة (المنحدرين من أتراك اقترنوا بتونسيات) يقتلون النفس من غير حق وأباحوا المحرّمات بالمدينة".

وأوضح أن هذا الحضور الديمغرافي كان يحتاج إلى منشآت مدنية وروحية، على رأسها جامع مراد باي الحنفي الذي يعود إلى سنة 1666، وأضاف إليه محمد باي ابن مراد باي الثاني 1689 مدرسة تعرف بـ"المدرسة المرادية".

ولم يقتصر التعمير العثماني بباجة على المساجد والزوايا، بل تم إنشاء قصور منها وفق ابن يوسف قصر باردو، فنواة القصر "تعود إلى بدايات العهد العثماني، ووقع تعزيزها بمنشآت جديدة بناها مراد الثاني".

** زوايا وفرمانات

ووفق ابن يوسف فإن "من بين المنشآت الروحية نجد مؤسسة الزاوية (الصوفية)، وربما أقدم منشأة روحية صوفية في باجة لهذا العهد هي الزاوية الصّمادحية الكبرى التي يعود تأسيسها إلى تاريخ سابق لسنة 1622".

بينما نقف على باب زاوية بابا علي الصمادحي غير بعيد عن الجامع الكبير، أضاف ابن يوسف: "نمتلك في أرشيفنا مجموعة من الفرامانات مرتبطة بآل الصمادحي، العائلة المرابطية التي اقترن اسمها بزاوية بابا علي الصمادحي، وزاوية أبي الفضل قاسم الصمادحي، وزاوية ثالثة هي زاوية سيدي فرج بن سلمة".

وأوضح أن أحد هذه الفرمانات صادر من السلطان العثماني مراد الرابع في رمضان 1034/ 24-1625 للشيخ علي الصمادحي، والثاني مؤرخ بربيع الأول 1060 هـ/ مارس 1650 م وصادر من السلطان محمد الرابع للشيخ بدر الدين الصّمادحي.

** أصول تركية

وبخصوص العائلات ذات الأصول التركية المقيمة اليوم في باجة، لفت ابن يوسف إلى ما قاله محمد الصغير بن يوسف، "وهو ذاكرة المدينة والتاريخ التونسي الموازي، باعتبار أنه كانت له علاقة بالقصر، ولكن أيضا علاقة بالشارع".

وأضاف: "يخبرنا (الصغير) أنه كان يعيش في باجة في أواخر القرن 17 ما لا يقل عن 600 ضابط انكشاري من الحامية التركية، بعائلاتهم، ووقع طردهم في حادثة الشهادة الباجية شهادة الزور الجماعية"، ولم تعد منها إلى باجة إلا حوالي 20 عائلة.

وأردف ابن يوسف: "اليوم نحصي منها نحو 16 عائلة تونسية باجية كبرى ذات أصول عثمانية عامة، منها عائلات بُرناز وبولكباش ومبزعية وبن يوسف والميلادي وبن دبوشية والدرويش وبن زلاوية والزلاوي وتراكي والكدردر وشقرون والقبجي وبن ياللونة وشلبي".

** مصدر للنخب

وبشأن تأثيرات المؤسسات التعليمية والدينية في صناعة النخب في ذلك العهد، قال ابن يوسف: "لا يجب أن ننسى هنا أن جامع مراد باي الحنفي لم يكن فقط مثابة روحية للجالية التركية، بل كان أيضا مركزا علميا بحكم التصاقه بالمدرسة المرادية".

وزاد بأنه من المدرسة المرادية تخرج يوسف برتقيز (1735م)، أصيل مدينة زغوان الذي تلقى تعليمه على يد الشيخ حميدة المفتي (1731م)، الملقب بـ"كنز العلوم"، وألّف الشيخ برتقيز أشمل كتاب في الفقه الحنفي ألفه تونسي على الإطلاق، هو كتاب "المِنن".

وتابع أن "علي بن حسين (1705-1740)، العاهل الحسيني الأول، سينتدب كبار رجالات الدولة من المدينة، منهم الشيخ علي شعيب (1750)، قاضي المحلة، والإمام يوسف برتقيز مستشارا خاصا به لشؤونه الدينية وتربية أطفاله، في إطار رهانه على نخب المناطق الداخلية لكسر شوكة نخب بلدية مدينة تونس".

وأكد أن "الحضور العثماني لم يكن حضورا عسكريا صرفا، بل كان حضورا عسكريا ومدنيا وثقافيا، لأنه أفرز إنتاجا علميا لا يزال إلى اليوم مصدرا من مصادر ليس فقط تاريخ المدينة، بل تاريخ البلاد التونسية برمتها".

وخص بالذكر مؤلفات "المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي تركي"، و "التكميل الشافي للغليل"، و"المذيّل على الرسالتين" لجدّه الشيخ بن يوسف.

** منشآت لعابري السبيل

وفي الطريق من الجامع الحنفي إلى أسواق باجة يوجد سبيل جفّ نبعه، وكانت إحدى نساء المدينة تتحسر على مياهه العذبة التي انقطعت.

وقال ابن يوسف: "في باجة عديد الأسبلة، وأهمها سبيل يوسف صاحب الطابع".

وأوضح أنه "بناه يوسف صاحب الطابع (1815) وزير حمودة باشا (1782-1814) الشهير بمنشآته المائية عام 1800".

وأشار إلى أنه "يحاكي إلى حد كبير سبيل سيدي بوسعيد في جبل المنار، ويذكر بأسبلة مدينة بنزرت، التي فيها أعرق الأسبلة وأقدمها وتعود إلى بداية العهد التركي".

وينبع هذا السبيل من "عين الشمس" المعروفة اليوم بـ"عين باجة".

ويبدو أنّ الرومان تفطنوا إلى أهميته، فبنوا عليه نوعا من المسبح وحنايا يتم عبرها استغلال المياه جزئيا للشرب، إما مباشرة أو عن طريق السقاء (القرباجي)، وإمّا لدعم منظومة ريّ بساتينهم وأجنّتهم خارج أسوار المدينة، حسب ابن يوسف.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.