الدول العربية, أخبار تحليلية

رغم تساقط قياداته.. "داعش" باقٍ ولا يتمدد (تحليل)

لم تهزم القوى المحلية، المدعومة من التحالف الدولي، تنظيم "داعش" في سوريا والعراق هزيمة "كاملة"، حتى بعد أن خسر التنظيم جميع المراكز الحضرية التي خضعت لسيطرته بعد أحداث الموصل عام 2014، ومقتل العشرات من كبار قياداته

03.06.2020 - محدث : 03.06.2020
رغم تساقط قياداته.. "داعش" باقٍ ولا يتمدد (تحليل)

Istanbul

إسطنبول/ رائد الحامد/ الأناضول

لم تهزم القوى المحلية، المدعومة من التحالف الدولي، تنظيم "داعش" في سوريا والعراق هزيمة "كاملة"، حتى بعد أن خسر التنظيم جميع المراكز الحضرية التي خضعت لسيطرته بعد أحداث الموصل عام 2014، ومقتل العشرات من كبار قياداته.

مسؤولون أمريكيون، منهم الرئيس دونالد ترامب، تحدثوا عن هزيمة "داعش" بعد انتهاء معارك الباغوز بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، في مارس/ آذار 2019، وعادوا لتكرار ما قالوه بهزيمة التنظيم بنسبة 100 بالمئة، بعد مقتل أميره السابق، "أبو بكر البغدادي"، والمتحدث باسمه، "أبو الحسن المهاجر"، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي.

من المؤكد أن الحملة التي قادتها الولايات المتحدة، بحشد دولي وإقليمي ومحلي إستثنائي طيلة سنوات، ألحقت خسائر كبيرة ببنية التنظيم القيادية، وهو عامل مهم في إضعافه، لكنه ليس بحاسم وفقا لتجارب فقدانه كبار قياداته بشكل مستمر.

وبحسب تقارير غربية، فإن ما لا يقل عن 40 من كبار قادة التنظيم، بينهم البغدادي، وضعف هذا العدد من القيادات الميدانية وقيادات الصفين الثاني والثالث، اعتُقلوا أو قُتلوا بعد انتهاء معارك منطقة الباغوز، في مارس/ آذار 2019، وإعلان ترامب نهاية تنظيم "دولة الخلافة" (داعش).

فَقَدَ التنظيم الكثير من قياداته، منذ نواته الأولى "التوحيد والجهاد"، التي أسسها الأردني "أبو مصعب الزرقاوي"، في أكتوبر/ تشرين أول 2003، بعد مجيئه إلى العراق أثناء غزوه من قوات عدة دول، تقودها الولايات المتحدة، للعراق، في مارس من العام نفسه.

وفي أكتوبر/ تشرين أول 2004، غير الزرقاوي اسم تنظيمه إلى "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، ثم قُتل في يونيو/ حزيران 2006، وأُعلن "أبو عمر البغدادي" خلفا له، فأسس تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، في 15 أكتوبر/ تشرين أول من ذلك العام.

وقُتل "أبو عمر البغدادي" مع رفيقه "وزير الحرب"، "أبو حمزة المهاجر"، في 19 أبريل/ نيسان 2010، فخلفه في قيادة التنظيم "أبو بكر البغدادي"، الذي أعلن في 29 يونيو/ حزيران 2014، بعد سيطرة التنظيم على مدينة الموصل شمالي العراق بثلاثة أسابيع، ما قال إنها "الدولة الإسلامية" أو "دولة الخلافة الإسلامية" في العراق والشام، ومنها جاءت تسمية "داعش".

وقتلت قوات خاصة أمريكية، بالتعاون مع قوات محلية، في 26 أكتوبر/ تشرين أول 2019، البغدادي في إحدى مناطق شمالي سوريا، وبعد أسبوع أُعلن "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" أميرا جديدا للتنظيم.

القرشي، كما يُعتقد، هو "أمير محمد عبد الرحمن المولى"، ويُعرف بـ"حجي عبد الله قرداش"، وهو من كبار قادة التنظيم ومؤسسيه.

وتواصل الولايات المتحدة سياسة تقويض قدرات "داعش" باستهداف كبار قياداته عبر إنزالات أو غارات جوية، وحثِّ السكان المحليين على التعاون ضمن "برنامج المكافآت من أجل العدالة"، عبر تقديم معلومات تساعد على اعتقال قيادات أخرى مقابل أموال.

وخصصت واشنطن، مؤخرا، ثلاثة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن "محمد خضر موسى رمضان"، وهو يُعتقد أنه المسؤول الأول عن الأنشطة الإعلامية، التي تلعب الدور الأهم في مرحلة إعادة نشاطات "داعش"، وإعطاء زخم معنوي لعناصره من خلال الدعاية الإعلامية، وهي تحظى بأولوية اهتمام قيادات التنظيم منذ تأسيسه.

وسبق لوزارة الخارجية الأمريكية أن أعلنت عن مكأفاة مالية قدرها خمسة ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات عن ثلاثة من قيادات "داعش"، هم "أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى" (حجي عبد الله)، أمير التنظيم حاليا.

والقيادي الثاني هو "سامي جاسم محمد الجبوري"، ويُعرف أيضا باسم "حجي حميد"، وهو المسؤول عن إدارة الشؤون المالية (وزير المالية) في "داعش"، وتفيد تقارير بأنه المشرف على المبيعات غير المشروعة للنفط والغاز والآثار وغيرها من مصادر إيرادات التنظيم المالية.

أما القيادي الثالث، فهو "معتز نومان عبد نايف نجم الجبوري"، ويُعرف باسم "حجي تيسير"، وهو الذي أعلنت السلطات العراقية مقتله، في 26 مايو/ أيار المنصرم، في قصف جوي بدير الزور شرقي سوريا، بعد نجاته من 16 محاولة اغتيال، حسب بيان لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي.

كان "الجبوري"، أو "حجي تيسير"، يشغل منصب "والي العراق"، وهو من كبار أعضاء "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" منذ تأسيسه بالعراق عام 2014، ومعاون أمير "داعش" الحالي لشؤون الولايات، ومسؤول التخطيط والتنسيق لعمليات التنظيم خارج العراق وسوريا، حيث يعدّهما التنظيم ساحة واحدة تمثل مركز القيادة والسيطرة له في العالم.

ويُعتقد أن "الجبوري" هو المسؤول الأول عن تصنيع العبوات المتفجرة في التنظيم، والمسؤول عن اختطاف وقتل أعداد من الإيزيدين في محافظة نينوى شمالي العراق، في أغسطس/ آب 2014، بعد سيطرة "داعش" على الموصل.

بمقتل "الجبوري" يكون "داعش" قد خسر، وفق تقارير، ثلاثة من قادته خلال مايو/ أيار الماضي، بعد إعلان التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، مقتل اثنين من قادة التنظيم في غارة جوية، وهما "أحمد عيسى إسماعيل الزاوي"، المكنى بـ"أبو علي البغدادي"، مسؤول شمال بغداد، ورفيقه "أحمد عبد محمد حسن الجغيفي"، أحد أهم مسؤولي الإمدادات وانتقال المقاتلين في سوريا والعراق.

تأتي أهمية "الجبوري" كونه أحد أهم القيادات المقربة من أمير "داعش"، "أبو إبراهيم القرشي"، ويشغل منصب مسؤول التصنيع (وزير التصنيع) في التنظيم منذ 2014، قبل تعيينه المسؤول العسكري الأول في التنظيم، عام 2018، ثم تعيينه واليا على العراق قبل مقتله بأسابيع.

وسبق لـ"الجبوري" أن التحق بتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، عام 2006، وهو ينتمي لعائلة تقول مصادر عراقية إن جميع أفرادها ينتمون للتنظيم، وبينهم شقيقان له يلازمانه في تنقلاته بين العراق وسوريا، وهو في الوقت نفسه ابن شقيق المسؤول العسكري لمحافظة كركوك شمالي العراق، "نعمة الجبوري"، الذي قُتل في غارة جوية للتحالف عام 2015.

وتعتمد قيادة "داعش" المركزية أسلوب إعطاء صلاحيات شبه مطلقة لفروع التنظيم حول العالم في تحديد الأهداف وشن الهجمات وتدبير شؤون التمويل.

ويهدف هذا الأسلوب إلى إدامة زخم عمليات التنظيم واستمرار ظهوره الإعلامي، لإثبات الوجود وبث الأمل في نفوس "المؤيدين" له، لتفادي حالة الإحباط جراء الخسائر العسكرية التي لحقت به وانحسار مناطق سيطرته إلى "الصفر".

قد يلعب التجنيد وصعوباته ومقتل أعداد كبيرة من المقاتلين في معارك أو ضربات التحالف دورا مهما في رؤية قيادات "داعش" لمستقبل مشروعهم في "دولة الخلافة"، والذي لا يمكن إنجازه من دون ما يكفي من العنصر البشري، الذي يحافظ عليه التنظيم كأولوية متقدمة على الحفاظ على الأراضي والمدن.

لكن الأسباب التي أدت إلى ظهور "داعش"، منذ غزو العراق، عام 2003، والسياسة الاقصائية والظلم الذي بات شعورا ملازما للعرب السُنة بالعراق، لا تزال هي ذاتها.

ورغم النبرة المعتدلة التي حاول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، تبنيها في التعاطي مع "مظلومية" العرب السُنة؛ إلا أن نبرة كهذه لم تقنع المجتمع السُني، طالما ظلت الصورة العامة لسلطات اي رئيس وزراء حبيسة تسلط قيادات "الحشد الشعبي" (شيعي)، التي بدت صاحبة النفوذ الأوسع والمتحكمة بالقرارين الأمني والعسكري.

بجانب تحدي خسارة "داعش" المتواصلة لكبار قياداته، يواجه التنظيم تحديات أخرى عديدة، أهمها حقيقة الرفض الواسع للتنظيم في أوساط المجتمعات "السُنية"، وبالتالي صعوبة عمليات التجنيد والحصول على تبرعات وتوفير نوع من الغطاء الأمني لتواجد مقاتليه ومخازن أسلحته ومعداته، مقارنة بالواقع قبل أحداث الموصل 2014.

إن متابعة مسار "داعش" تؤكد أنه تنظيم يتمتع بأرضية أيديولوجية قائمة على جذب المجندين، ولا يمكن القضاء عليه من دون القضاء على المسببات التي أدت إلى ظهوره وتنامي قدراته واتساع رقعة انتشاره، ومن ثم انحسارها بعد تشكيل التحالف الدولي، عام 2014.

وللقضاء على "داعش" يجب أيضا التأكد من عدم وجود أي احتمال لعودة التنظيم إلى المدن، فالتمسك بالأرض لم يعد ضمن أولوياته المرحلية قدر الحفاظ على العنصر البشري، حيث يؤمن التنظيم بأن مشروع إقامة "دولة الخلافة الإسلامية" يتوقف على وفرة هذا العنصر لديمومة وجوده.


الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın